الابتكار المؤسسي ضرورة
ملحة أم ترف
د. سعيد أحمد الزهراني إدارة أعمال – المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي – السعودية
يحظى الابتكار بكثير من الاهتمام والرعاية في جميع مجالات الحياة؛ لأن العالم بحاجة إلى التحسين والتطوير والتجديد المستمر في عصر سريع التغييرات والتقلبات والتطورات. فالحكومات تواجه حاجات ومتطلبات وتوقعات واسعة من المستفيدين؛ لذلك تجد أن الابتكار متطلب أساسٌ وضروري لمواجهة التطلعات والتحديات المتسارعة، وتعزيز مكانتها وقدرتها التنافسية.
حرصت الحكومات على تطوير الابتكارات بإدخال مفاهيم جديدة وتطبيقاتها التي تعمل على تحسين البيئة الداخلية لمؤسساتها، والقدرة على حل المشكلات والتحسين والتطوير المستمر لاتخاذ قرارات صائبة. هذا النهج الابتكاري يتطلب من المؤسسات قيادة التغيير واستثمار العقول، وتبني الأفكار الجديدة التي تؤدي لمواكبة التغيرات بالتحسين المستمر وإضافة قيمة تنافسية وكسب ثقة العملاء. والابتكار يرتكز على أبعاد أساسية كبعد اقتصاد المعرفة، والبعد التكنولوجي، وفقًا لإستراتيجيات دراسات استشراف المستقبل بغرض التنمية المستدامة. إذ إن الابتكار يعزز اقتصاد المعرفة الذي يسهم في استثمار الموارد الطبيعية والبشرية في العمليات الإنتاجية والاقتصادية وتحقيق الغايات المنشودة، ثم دعم الوصول إلى مستويات متقدمة في المؤشرات العالمية المتسارعة.
إن العالم في الألفية الرابعة يتجه نحو الاقتصاد الجديد والمدن الذكية المبنية على المعرفة والابتكار، هذا الاتجاه يساعد في تنمية الكفايات بقصد وضع الحلول للتحديات والتطوير في كافة القطاعات. وتعد المملكة العربية السعودية من الدول السباقة للتحول نحو اقتصاد المعرفة عبر عدد من الخطط والمبادرات ومن أهمها مشروع (نيوم) الذي يهدف لبناء مدن ذكية تعتمد على الطاقة النظيفة بشكل ابتكاري سعيًا لرفاهية وسعادة الإنسان، ويدل ذلك على أن الابتكار ركيزة أساس لبناء اقتصاد المعرفة دعمًا للتنوع الاقتصادي. كما أن هناك ترابطًا وتكاملًا بين الابتكار والتكنولوجيا فهما وجهان لعملة واحدة، فالابتكار التكنولوجي له دور مفصلي يسهم في التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي بشكل كبير في الدول.
وحيث إن التكنولوجيا تحظى بأهمية كبيرة على مستوى العالم، وهي من ركائز اقتصاد المعرفة، فإن تسارع الابتكارات بتصميم حلول وتطبيقات جديدة غطت جميع القطاعات في التعليم والصحة والموانئ والمطارات والطاقة وغيرها من القطاعات، ويسهم ذلك في توفير التكلفة والوقت والجهد، وخلق التنافسية بين المؤسسات داخليًا وخارجيًا، وتحقيق التنمية المستدامة. وفي إطار رؤية 2030 تسعى المملكة العربية السعودية إلى تنوع اقتصادها، وترسيخ مكانتها عالميًا، وتحفيز الابتكار في القطاع العام، والرؤية الطموحة تنص على بناء اقتصاد قائم على الخدمات المستدامة المعتمدة على التكنولوجيا المبتكرة، فالمملكة العربية السعودية تعزز استثمار القدرات اللامحدودة في مجال البحث والتطوير والابتكار بما يمكنها من تطبيق التحول الرقمي وتوفير خدمات الجيل القادم لمواطنيها.
وقد اعتمد تقرير مؤشر الابتكار العالمي من المنظمة العالمية للملكية الفكرية التي تعرف باسم الويبو (Wipo) على مؤشرين فرعيين هما مؤشر مدخلات الابتكار الذي يشمل على ركائز المؤسسات، ورأس المال البشري والبنية التحتية، وتعقيد السوق، وتطور الأعمال، ومؤشر مخرجات الابتكار من الأنشطة الابتكارية داخل الاقتصاد وركائزه نواتج المعرفة والتكنولوجيا والنواتج الإبداعية التي تعكس القدرات المعرفية. وعليه فإن رؤية السعودية 2030 التي اعتمدت على الإبداع والابتكار، ليس أمامها إلا أن تولي منظومة البحث والتطوير والابتكار والتكنولوجيا اهتمامًا كبيرًا؛ سعيًا للتحول إلى نظام وطني فعال متطور. وعندما نتحدث عن استعداد الحكومات للمستقبل لابد أن نضع للابتكار أولوية في صناعته، فالتفكير في المستقبل للدول واستشرافه وصناعته أصبح نهجًا وأسلوبًا للعمل الحكومي عبر الاستثمار في الكفايات والطاقات وتسخير الموارد والإمكانيات لتحقيق الرفاهية والوصول إلى مراتب متقدمة في كافة المؤشرات العالمية.
ويعتمد استشراف المستقبل على ثلاث ركائز محورية هي الابتكار، والتكنولوجيا المتطورة، والتفكير المستقبلي، فإذا لم تمتلك الحكومات رؤية واضحة للمستقبل، فإنهم سيخفقون ويندثرون. ويمثل استشراف المستقبل ضرورة لتطور الحكومات في شتى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية؛ لأنه يرسم خطوات المستقبل فمعظم النجاحات والإنجازات والابتكارات والاختراعات صنعها المستشرفون الذين يسعون للإصلاح والتطوير. وكي تكون الحكومات جاهزة للمستقبل عليها تبني مبادئ الاستباقية والمرونة في كافة سياساتها وقدراتها المؤسسية، وتعزيز جاهزيتها المستقبلية والقدرة على استشراف الاتجاهات العالمية المستقبلية ودراسة تأثيراتها المحتملة، كما تعمل الحكومات على وضع سيناريوهات بديلة لإدارة المخاطر والتقليل من تأثيراتها السلبية، وبذلك يتضح أن الابتكار هو الوسيلة لتطوير وتجديد أساليب العمل بما يتسق مع تحقيق التقدم في الإنجازات المستقبلية. ومن أبرز عوامل نجاح الابتكار الحكومي لأي منظومة تهتم وتسعى إليه هو تخصيص جهة مسؤولة بالبحث والتطوير والابتكار مع تقديم الدعم اللازم لها، ودمجه مع المؤسسات الحكومية وجعله جزءًا أساسًا من حوكمة العمل، وتأهيل الموظفين في مجال الابتكار مع نشر ثقافته بشكل واسع والانفتاح على العالم والاستفادة من تجاربهم واستقطاب الكفايات منهم. ونرى أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين الابتكار والأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبهذا نؤكد على أن الابتكار حاجة ضرورية وملحة وليس ترفًا وليس هناك خيار آخر آمام الابتكار لمواكبة العالم .