العلاج بالخلايا الجذعية

أ.د. آلان ترونسون Cosmos – العدد 81

نجح باحثون من الولايات المتحدة وأستراليا قبل عشرين عامًا، وبشكل مستقل في صنع خلايا جذعية جنينية بشرية، وهنا، يتأمل آلان ترونسون، رئيس الفريق الأسترالي، كيف ارتقى الواقع إلى مستوى الحلم. كانت لحظةُ نشوة لا تُصدَّق، في أواخر عام 1998، وبعد ثلاث سنوات من البدايات الخاطئة والمحاولات الفاشلة، طوَّر فريق بحث من جامعة موناش سنغافورة خلايا جذعية جنينية بشرية (hESCs) باستخدام أجنَّة بشرية تم التبرُّع بها من عيادة أطفال الأنابيب في جامعة سنغافورة الوطنية (NUS).

ويعود الفضل في معظمه إلى مثابرة طبيب النساء الشاب بن روبينوف (Ben Reubinoff)، الذي انضمَّ إليَّ وإلى مارتن بيرا (Martin Pera) في جامعة موناش في ملبورن في عام 1997 لقضاء إجازة التفرُّغ العلمي، وكان يرغب في القيام بمشروع مثير للاهتمام. فاقترحتُ عليه أن يساعد في تطوير خلايا جذعية جنينية بشرية.

بيرا، الذي كانت خبرته في الخلايا السرطانية الجنينية (ECCs) – التي تشترك في كثير من أوجه التشابه مع الخلايا الجذعية الجنينية – غادر المملكة المتحدة لينضم إليَّ في عام 1996 بهدف تطوير بيولوجيا الخلايا الجذعية الجنينية البشرية ودراستها.

وبالنظر إلى خبرتي في علم الأجنة البشرية، وخبرة صديقي وزميلي أريف بونغسو (Ariff Bongso) من جامعة سنغافورة الوطنية، بدا من المحتمل أننا سننجح على الرغم من اللوائح والقوانين السلبية التي وُضِعَت حول أبحاث الأجنَّة البشرية في فيكتوريا خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. لقد أرسى الوقت الذي أمضيته في إجازة التفرُّغ في جامعة سنغافورة الوطنية بين عامي 1995 و1997 بعض الأسس، لكن روبينوف هو الذي طوَّر بالفعل أولى الخلايا الجذعية الجنينية البشرية التي صودق عليها في موناش في عام 1998. كنا نأمل أن نكون الأوائل في تحقيق ذلك، ولكن اتضح أن مختبر جيمي ثومبسن (Jamie Thompson) في ويسكونسن بالولايات المتحدة قد سبقنا وسرعان ما سينشر عمله في مجلة (Science).

\

آلان ترونسون المصدر: Shawn Thew / Getty Images

بقينا مبتهجين باكتشافنا، ولكننا شعرنا بخيبة أمل لأننا لم نتمكن من تقديم أوراق متتالية؛ لأننا لم نحصل بعد على الدليل القاطع على أن خلايانا كانت حقًّا “متعددة الإمكانيات” – وقادرة على تكوين أي نسيج من الجسم. تطلب هذا الدليل حقن الخلايا في فئران مثبطة المناعة وإثبات أنها شكلت خليطاً من أنواع الخلايا المعروفة باسم الورم المسخي.

قررنا المضي قدُمًا في البحث الإضافي الذي أظهر كيفية توجيه الخلايا الجذعية الجنينية البشرية إلى أنواع الخلايا الأولية التي تشكل جميع أنسجة جسم الإنسان. وتم نشر النتائج التي توصلنا إليها في (Nature Biotechnology) في عام 2000.

جذب التأكيد المستقل على اكتشاف الخلايا الجذعية الجنينية البشرية على يد مجموعتنا قدرًا كبيرًا من الاهتمام العلمي ومناقشة فورية حول الاستخدامات السريرية المحتملة لهذه الخلايا الجذعية متعددة الإمكانيات، لأنها كانت خالدة وقادرة على تكوين كل نسيج في الجسم. كان من الصعب احتواء التفاؤل المبكر بالتقدم الطبي المحتمل الذي يتعين تحقيقه. 

وكما اتضح، فإن طلبي الأولي إلى حكومة الكومنولث لتشكيل أول مركز امتياز للتكنولوجيا الحيوية في أستراليا للاستفادة من وعد الخلايا الجذعية الجنينية البشرية قد قوبل باستجابة داعمة بشكل ساحق. وفزنا بعرض 54 مليون دولار (تمت زيادته لاحقاً إلى 110 ملايين دولار من رئيس الوزراء هوارد)، حيث تنافسنا مع بعض فرق البحث الأكثر تقدُّمًا في أستراليا في مجالات متنوعة من المصلحة الوطنية.تطلبت هذه الجائزة من البرلمان الأسترالي الموافقة على الأبحاث التي تشتمل على إنتاج خلايا جذعية جنينية بشرية من أجنَّة التلقيح الاصطناعي البشرية الفائضة المتبرع بها. عرّفتنا هذه النقاشات الناشئة إلى أحد أكثر النقاشات السياسية عدوانية وصعوبة في عصرنا. بدأ المركز الوطني للخلايا الجذعية (NSCC) تحت قيادتي في عام 2003. وكانت لدينا توقعات كبيرة لجني الجوائز من اكتشافنا الجديد للغاية. كان هدفنا هو تعلُّم التحكم في تمايز الخلايا الجذعية الجنينية إلى أنواع خلايا معينة، ووضع الأساس للتطبيقات السريرية اللاحقة.

بينما تم تشكيل المركز الوطني للخلايا الجذعية في ظل جبهة موحدة تضم عددًا من الجامعات، فإن القوة في نهاية المطاف تكمن بين أعضاء الجامعة، وقادني التركيز السابق لأوانه على محاولة تسويق منتج الخلايا الجذعية، وانعدام الشفافية، في اتخاذ قرار مغادرتي وعدد من كبار الأعضاء الآخرين لمغادرة المنظمة. تبخرت رؤيتي لإنشاء فريق بحثي موحّد لتقديم نتائج للمرضى الذين هم في أمس الحاجة إلى علاجات الطب التجديدي مع فقدان كبار العلماء، ومع مجموعة من القرارات السيئة. عدت إلى موناش في عام 2004، لإنشاء مختبرات المناعة والخلايا الجذعية مع ريتشارد بويد(Richard Boyd)، ومواصلة البحث اللازم لدعم التطورات الأساسية اللازمة لعلاجات الخلايا الجذعية. وتمكنا مرة أخرى من المضي قدُمًا في البحث الأساسي في بيولوجيا الخلايا الجذعية متعددة الإمكانيات وبدأنا في استكشاف طرائق للتحكم بجهاز المناعة باستخدام الخلايا الجذعية المكتشفة حديثًا من الغدة الصعترية، وهي عضو رئيس في الجهاز المناعي.

في عام 2007، اتصل بي روبرت كلاين، رئيس ومؤسس مبادرة كاليفورنيا لأبحاث وعلاج الخلايا الجذعية، ليسألني عما إذا كنت سأنضم إلى معهد كاليفورنيا للطب التجديدي (CIRM) الذي تبلغ تكلفته 3 مليارات دولار كرئيس للمعهد، وأتولى قيادة ثورة في علوم الخلايا الجذعية والتحويل. بعد مكالمة هاتفية من الحاكم آنذاك أرنولد شوارزنيجر(Arnold Schawrzenegger)، وافقت على الانتقال إلى سان فرانسيسكو في عام 2007 لرئاسة المنظمة. اشتعلت رؤيتي من جديد وكان لدي التمويل اللازم لإحداث ثورة هائلة في علم الخلايا الجذعية والطب. كانت هذه الفرصة الأكثر تقدُّمًا في الطب البشري، وقد أسست البيولوجيا الأساسية للخلايا الجذعية وتمايزها الموجه إلى عدد لا يحصى من أنواع الأنسجة. كنت أتوقع أن الأمر سيستغرق حوالي 15عامًا حتى تصبح هذه الاكتشافات متاحة للمرضى. لكن أخبرني الحاكم شوارزنيجر أنه ((عمل لمدة 25 عامًا يجب القيام به دون تدخل سياسي)). كان أقرب إلى الهدف.

في الذكرى العشرين لاكتشاف الخلايا الجذعية الجنينية البشرية، ومع تقدُّم التجارب السريرية في عدد من الحالات، أصبح الوقت والتكلفة الاستثنائيين لصنع علاجات الخلايا الجذعية حقيقة واقعة. بحلول الوقت الذي غادرت فيه كاليفورنيا في منتصف عام 2014، كانت هناك 25 تجربة قيد التنفيذ، بدعم من معهد كاليفورنيا للطب التجديدي، ومُوِّل كثير من التجارب الأخرى منذ ذلك الحين. يستخدم البعض الخلايا الجذعية بالطريقة التي تخيَّلناها، لتعويض الأنسجة المفقودة لدى المرضى الذين يعانون من إصابات الحبل الشوكي، وتلف القلب، والتنكُّس البقعي، ومرض السكري من النوع الأول، ومرض باركنسون. إنها في أيامها الأولى، ولكن تُظهِر كثير من هذه التجارب نتائج مشجعة. وتستفيد دراسات أخرى من فهمنا الجديد للخلايا الجذعية، على سبيل المثال، كثير من السرطانات مدفوعة بالخلايا الجذعية السرطانية المقيمة وبعض التجارب تستهدفها للقضاء على السرطان. 

لقد كنت مهتمًّا بشكل خاص بكل هذه الدراسات في الفترة التي قضيتها في معهد كاليفورنيا للطب التجديدي، وأشعر أن مساهماتي وتفاؤلي بالعلاجات المحتملة قد تم إثباتهما. لقد عدت إلى أستراليا لأتابع من حيث توقفت. مرة أخرى، أعمل مع ريتشارد بويد لتطوير علاج قائم على الخلايا الجذعية متوفر بسعر معقول، والذي يحول الخلايا المناعية إلى صواريخ تستهدف حاليًّا سرطان المبيض والمعدة غير القابلين للعلاج. وإذا تمكنا من تعزيز هذه الحماية المناعية بشكل جذري، سنكون قادرين على القضاء على السرطان. ومع ذلك، سيستغرق هذا بعض الوقت، ربما أكثر مما يتخيله معظمنا. لكنني على ثقة من أنه سيكون ناجحًا مرة أخرى.

Share This