فيروس كورونا وضباب الدماغ

د. نعمت قوبر – علوم التمريض – مستشفى سبلين الحكومي

أكثر من عام مضى على بدء جائحة فيروس كورونا، وما زالت الآثار الغريبة للفيروس تحيَّر الأطباء والعلماء. يتعافى معظم المصابين بمرض الفيروس التاجي تمامًا في غضون أسابيع قليلة. لكن بعض الأشخاص، حتى أولئك الذين يعانون من عوارض خفيفة، يستمرون في الشعور ببعض الأعراض بعد تعافيهم. يصف هؤلاء الأشخاص أنفسهم أحيانًا على أنهم «مزمنون» وقد سميت هذه الحالات بمتلازمة ما بعد فيروس كورونا. تعتبر هذه المشاكل الصحية عمومًا من آثار فيروس كورونا التي تستمر لأكثر من أربعة أسابيع، بعد تشخيص إصابة الفرد بالفيروس. هناك الكثير من الأمور المجهولة حول كيفية تأثير هذا الفيروس على الأشخاص بمرور الوقت، لكن الأبحاث لا تزال جارية. يوصي الباحثون بأن يراقب الأطباء عن كثب الأشخاص المصابين بهذا الفيروس لمعرفة كيفية عمل أعضائهم بعد الشفاء. على الرغم من أن فيروس كورونا يُنظر إليه على أنه مرض يصيب الرئتين بشكل أساس، إلا أنه يمكن أن يتلف أيضًا العديد من الأعضاء الأخرى، بما في ذلك القلب والكلى والدماغ. قد يؤدي تلف الأعضاء إلى مضاعفات صحية قد تبقى قائمة بعد الإصابة بفيروس كورونا. أحيانًا تشمل الآثار الصحية الدائمة لدى بعض الأشخاص مشاكل طويلة الأمد في التنفس ومضاعفات في القلب وضعف كلوي مزمن. قد يواجه المرضى الذين يتعافون من فيروس كورونا العديد من التحديات، من الأعراض الجسدية مثل ضيق التنفس، واستمرار فقدان حاسة التذوق أو الشم، والدوخة أو الصداع، إلى الأعراض العصبية بما في ذلك التعب، وزيادة القلق أو الاكتئاب، وفقدان الذاكرة بشكل ملحوظ، وانخفاض الانتباه، وما يعرف بضباب الدماغ. 

على الرغم من عدم وجود تعريف واضح لـ «ضباب الدماغ» المرتبط بفيروس كورونا ، يستخدم الناس المصطلح لوصف مجموعة من الأعراض مثل فقدان الذاكرة على المدى القصير، وضعف مدى الانتباه، والتعب الذي يصيب ما يصل إلى20% من مرضى فيروس كورونا لأسابيع بعد أن يتعافوا من أعراض هذا لفيروس النموذجية، مثل الحمى والسعال وضيق التنفس. يعتقد الباحثون أن هذه التأثيرات العصبية هي نتيجة ثانوية للعمليات الالتهابية داخل الدماغ التي تحدث مجهريًا. تكمن المشكلة في عدم وجود اختبار تشخيصي لـ «ضباب الدماغ»، وعدم قدرة فحوصات تصوير الدماغ كشف هذه الحالة. بدلًا من ذلك، يعتمد المرضى والأطباء على أعراض معينة لتحديد ما إذا كان المريض يعاني من ضعف إدراكي بعد فيروس كورونا، مثل الصداع، والدوخة، والتعب، وانخفاض مدى الانتباه، وفقدان الذاكرة، وضعف قدرة المصاب على ممارسة المهام اليومية والوظيفية. في حالات نادرة وشديدة ، قد يصاب المرضى بذهان ما بعد فيروس كورونا الذي يتراوح من الهلوسة والبارانويا إلى اضطرابات المزاج الشديدة. لا يعرف العلماء بعد من الذي من المحتمل أن يعاني من ضباب الدماغ بعد فيروس كورونا. ومع ذلك، قد يكون هناك ارتباط بين الحالة وفقدان الشم (فقدان حاسة الشم والتذوق) أثناء العدوى النشطة. في حين أن الدراسات المبكرة لا تظهر أي علاقة بين شدة المرض، والأعراض طويلة المدى مثل ضباب الدماغ، فمن المنطقي أن يتضرر الدماغ المتعطش للأكسجين. يؤدي كل من ضعف وظائف القلب والرئة إلى العزلة الاجتماعية التي تسببها عدوى فيروس كورونا مما قد يؤثر على العمليات الإدراكية. قد تأتي أيضًا علاجات فيروس كورونا، بما في ذلك التخدير والتنبيب والأدوية المختلفة، مصحوبة بآثار جانبية معرفية. لكن الكثير من المرضى يصابون بفيروس كورونا ويتعافون جيدًا وبعد شهر أو شهرين تظهر عليهم أعراض إدراكية، مثل التفكير البطيء وصعوبة التركيز والتعب. لذلك، حتى المرضى الذين يعانون من عوارض خفيفة وتعافوا بسلاسة قد يعانون من ضباب الدماغ بعد الإصابة بفيروس كورونا. 

لسوء الحظ، لا يوجد علاج مؤكد للآثار الجانبية الإدراكية بعد الإصابة بفيروس كورونا. يعالج بعض الأطباء المرضى الذين يعانون من هذه الحالة بجرعة منخفضة من المنشطات (توصف عادة لاضطراب نقص الانتباه). يقترح آخرون إيقاظ الحواس عن طريق استخدام الروائح النفاذة. ومع ذلك، يقوم آخرون بتجربة الاستراتيجيات السلوكية مثل التأمل والتمارين ومجموعات الدعم والاستشارات النفسية. إذا كان الشخص يعاني من أعراض إدراكية بعد الإصابة بفيروس كورونا، فيجب عليه زيارة مقدم الرعاية الأولية. يمكن للطبيب أن يستبعد مشاكل أخرى، مثل مرض الغدة الدرقية، وارتفاع نسبة السكر في الدم، والأسباب الطبية الأخرى للضعف الإدراكي، وإذا اشتبه الطبيب في أن الأعراض مرتبطة بفيروس كورونا، فمن المرجح أن تتلاشى الأعراض بمرور الوقت. بمجرد عودة الجهاز المناعي إلى خط الأساس، يتعافى الدماغ. في غضون ذلك، يمكننا دعم وظائف الدماغ الصحية من خلال تناول الطعام الصحي، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وقضاء الوقت في الهواء الطلق واستئناف الأنشطة المعتادة تدريجيًا. والأهم من ذلك، أن نكون يقظين فيما يتعلق بمنع انتشار فيروس لدعم صحة مجتمعنا.

Share This