أزمة مناخية تهدد العالم
مصدرها ثاني أكسيد الكربون

طارق‭ ‬راشد‭ – ‬باحث‭ ‬وإعلامي – 1 سبتمبر 2021م

رصد عدد من علماء المناخ علامات تحذيريّة تنذر بانهيار تيار الخليج الدافئ، وهو واحد من نقاط التحوّل الأساسيّة المحتملة لكوكب الأرض.

كشف بحث هؤلاء العلماء عن ضياع كامل تقريبًا لاستقرار التيارات التي يطّلق عليها الباحثون اسم التيارات التقلبيّة الجنوبيّة في المحيط الأطلسي (Amoc) على مدار القرن الأخير.

وهذه التيارات في أضعف حالاتها بالفعل طيلة 1600 عام على الأقل، غير أن التحليل الجديد يظهر أنها ربما كانت على وشك أن تتوقف بالكامل.

سيكون لهذا الحدث تبعات كارثيّة في شتى أنحاء العالم، إذ سيعطّل إلى حد كبير سقوط الأمطار التي يعوّل عليها مليارات البشر للزراعة في الهند، وأمريكا الجنوبية، وغرب أفريقيا، ويزيد العواصف ويقلّل درجات الحرارة في أوروبا، وسيعلي مستوى البحر عن الجزء الشرقي لأمريكا الشمالية. فضلاً عن ذلك، فسيمثّل تهديدًا لغابات الأمازون المطيرة والصفائح الجليديّة القطبيّة الجنوبيّة.

ويجعل تعقيد منظومة التيارات التقلبيّة الجنوبيّة في المحيط الأطلسي والشكوك التي تكتنف مستويات الاحترار العالمي المستقبلي من المستحيل التنبؤ بتاريخ أي انهيار في الوقت الراهن، فقد يحدث في غضون عقد أو اثنين، أو حتى في غضون عدة قرون، غير أن الأثر المهول لهذا الانهيار يقتضي ألا نسمح له بأن يحدث قط، بحسب العلماء.

وقال نيكلاس بويرز – من معهد بوتسدام لأبحاث أثر المناخ في ألمانيا – الذي أجرى البحث: “إن مؤشرات حالة عدم الاستقرار الظاهرة بالفعل لم أكن لأتوقعها قط، وأراها مثيرة للذعر بحق. إنها شيء لا يمكن ببساطة [أن نسمح] بأن يحدث”.

وأضاف قائلاً إنه ليس من المعلوم مستوى ثاني أكسيد الكربون الذي سيؤدي إلى انهيار التيارات التقلبيّة الجنوبيّة في المحيط الأطلسي، “ولذلك، فإن الإجراء الوحيد الذي يمكن أن نلجأ إليه هو خفض الانبعاثات إلى أقصى حدٍّ ممكن. فاحتمالات حدوث هذا الحدث الكارثي تزداد مع كل جرام من ثاني أكسيد الكربون نضخه في الغلاف الجوي”.

ويُعْرِب العلماء بشكلٍ متزايد عن قلقهم حيال نقاط اللارجعة؛ وهي تغييرات كبيرة وسريعة ولا سبيل لإبطالها تصيب المناخ.

وصرح بويرز وزملاؤه في مايو 2021 أن جزءًا كبيرًا من صفيحة جرينلاند الجليديّة على وشك أن يتلاشى، مما يهدد بارتفاع مستوى البحار عالميًا.

وأثبت آخرون أخيرًا أن غابات الأمازون المطيرة تضخُّ كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون مما تمتصه، وأن الموجة الحارّة السيبيريّة عام 2020 أدت إلى انبعاثات مثيرة للقلق من غاز الميثان.

ولعل العالم تجاوز بالفعل سلسلة من نقاط اللارجعة، وفقًا لتحليل صدر عام 2019، أدت إلى “تهديد وجودي للحضارة”. وتوقع تقرير مهم للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، صدر أخيرًا، أن تتفاقم أزمة المناخ.

وجاء بحث بويرز الذي نُشرَ في دورية (Nature Climate Change) تحت عنوان “مؤشرات تحذيرية مبكرة مستندة إلى المشاهدات على انهيار منظومة التيارات التقلبيّة الجنوبيّة في المحيط الأطلسي”.

وتظهر العينات الجليديّة الجوفيّة وغيرها من البيانات المُستخلصة طيلة المئة ألف عام الماضية أن التيارات التقلبيّة الجنوبيّة في المحيط الأطلسي لها حالتان: سريعة وقويّة، كما شهدنا على مدار الألفيات الأخيرة، وبطيئة وضعيفة.

وتظهر البيانات أن درجات الحرارة المرتفعة يمكن أن تجعل التيارات  التقلبيّة الجنوبيّة في المحيط الأطلسي تنتقل فجأة بين الحالتين على مدار فترة زمنية تراوح بين عقد وخمسة عقود.

تسوق التيارات التقلبيّة الجنوبيّة في المحيط الأطلسي مياه البحار الكثيفة المالحة التي تغوص في أعمال المحيط القطبي الجنوبي، غير أن ذوبان المياه العذبة من الصفيحة الجليديّة لجرينلاند يُبطئ هذه العملية في وقت أسبق مما توقعت به النماذج المناخيّة.

استخدم بويرز القياس التمثيلي لكرسي ليفسر كيف أن التغييرات الطارئة على درجة حرارة المحيط وملوحته يمكن أن تكشف عن عدم  استقرار التيارات التقلبيّة الجنوبيّة في المحيط الأطلسي. فدفع الكرسي يغير موضعه، غير أنه لا يؤثر في استقراره إذا ظلت أرجله الأربع على الأرض. أما إمالة الكرسي، فتغيّر موضعه واستقراره في آنٍ واحد.

ترجع ثماني مجموعات بيانات قيست كلٍ بمعزل على الأخريات لدرجة الحرارة والملوحة إلى 150 عامًا، وقد مكّنت بويرز من أن يثبت أن الاحترار العالمي يزيد بحق حالة عدم استقرار التيارات، ولا يغيّر نمط تدفقها وحسب.

وخلص التحليل إلى أن: “هذا التراجع (للتيارات التقلبيّة الجنوبيّة في المحيط الأطلسي خلال العقود الأخيرة) ربما كان مرتبطًا بضياع كامل لحالة الاستقرار على مدار القرن الماضي، ومن الممكن أن تكون تلك التيارات على وشك أن تصل إلى مرحلة انتقاليّة حرجة وصولاً إلى وضع دورانها الواهن”.

وقالت ليفك سيزار من جامعة ماينوث في أيرلندا، وهي لم تشارك في البحث: “لا يمكن أن يعطينا نهج الدراسة توقيتًا دقيقًا للانهيار المحتمل، غير أن التحليل يقدم دليلاً قويًا على أن التيارات التقلبيّة الجنوبيّة في المحيط الأطلسي فقدت استقرارها بالفعل، وهو ما أراه علامة تحذيريّة تشير إلى أننا ربما كنا أقرب إلى نقطة تحوّل لتلك التيارات مما نعتقد”.

وصرح ديفيد ثورنالي من كلية لندن الجامعية في المملكة المتحدة الذي أثبتت أبحاثه أن التيارات التقلبيّة الجنوبيّة في المحيط الأطلسي في أضعف حالاتها منذ 1600 عام قائلاً: “إن دلائل الاستقرار المتراجع هذه مثيرة للقلق. لكننا لا نستطيع الجزم إلى الآن بما إذا كان الانهيار سيحدث أو إلى أي حد دنونا منه”.

Share This