‭ ‬الأغذية‭ ‬المعدلة‭ ‬وراثيًا‭ 

فوائدها‭ ‬ومخاطرها

د‭.‬ ندى‭ ‬الدرة سلامة‭ ‬وتحليل‭ ‬الغذاء‭ ‬–‭ ‬جامعة‭ ‬بيروت‭ ‬العربية‭ ‬ –‭ ‬لبنان

الأغذية المعدلة وراثيًا (Genetically Modified Food) هي بحسب تعريف منظمة الصحة العالمية (2022 WHO) أغذية مشتقة من كائنات مُعدَّلة وراثيًا بطريقة غير طبيعية، حيث تدخل جينات غريبة على تسلسلها الجيني الطبيعي بتغيير في الحمض النووي (DNA) سواءً كانت من مصادر نباتية أو حيوانية، وتسمى هذه التقنية «التكنولوجيا الحيوية الحديثة» أو «التكنولوجيا الجينية».  هذا التعديل للمادة الوراثية يؤدى إلى إدخال صفات جديدة على الشيفرة الوراثية بهدف الحصول على صفات أفضل للمحاصيل الزراعية.

يهدف‭ ‬التعديل‭ ‬الوراثي‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬محتوى‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬في‭ ‬الغذاء،‭ ‬أو‭ ‬تقليل‭ ‬إمكاناته‭ ‬المثيرة‭ ‬للحساسية،‭ ‬أو‭ ‬تحسين‭ ‬كفاية‭ ‬نظم‭ ‬إنتاج‭ ‬الأغذية،‭ ‬أو‭ ‬زيادة‭ ‬مدة‭ ‬صلاحية‭ ‬الأغذية‭ ‬أو‭ ‬زيادة‭ ‬المقاومة‭ ‬ضد‭ ‬الحشرات‭ (‬GMAC‭ ‬2002‭) ‬بحيث‭ ‬أبرزت‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬أنه‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تخفيف‭ ‬استخدام‭ ‬المبيدات‭ ‬الحشرية‭ ‬بنسبة‭ ‬%37‭‬‭ ‬تقريبًا‭.  ‬كما‭ ‬تهدف‭ ‬الهندسة‭ ‬الوراثية‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬سرعة‭ ‬نمو‭ ‬المحاصيل؛‭ ‬فبدل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬تزاوج‭ ‬طبيعي‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬بين‭ ‬الحيوانات‭ ‬أو‭ ‬تطعيم‭ ‬للنباتات،‭ ‬يقوم‭ ‬العلماء‭ ‬بنقل‭ ‬الجينات‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬الكائن‭ ‬الحي‭ ‬أو‭ ‬النبات‭ ‬لتغيير‭ ‬مادته‭ ‬الوراثية‭.‬ كذلك‭ ‬تهدف‭ ‬الهندسة‭ ‬الوراثية‭ ‬إلى‭ ‬نقل‭ ‬الجينات‭ ‬من‭ ‬كائن‭ ‬حي‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬مثل‭ ‬نقل‭ ‬الجينات‭ ‬من‭ ‬النبات‭ ‬إلى‭ ‬الحيوان‭ ‬أو‭ ‬العكس‭.‬

إن تغيير العادات الغذائية عند المستهلكين وارتفاع نسبة الطلب على المواد الغذائية دعوا إلى البحث على طرق إنتاج جديدة لزيادة المحصول وإطالة مدة الصلاحية. أتت المنتوجات المعدلة الوراثية لتلبية هذه المتطلبات. ومن أبرز المحاصيل التي عدلت وراثيًا من حيث المساحة المزروعة عالميًا للمحاصيل الفردية بالهكتار هي: الذرة (32%)، والقطن (80%)، وفول الصويا (77%)، والكانولا (30%) بحسب مرجع (Briefs 2017).

ولكن يبقى السؤال: هل الأغذية المعدلة وراثيًا آمنة وسليمة؟ ما فوائدها؟ وما أضرارها على صحة الإنسان؟

توجد مخاوف عديدة من أن هذه التغييرات الوراثية التي أجراها البشر قد تحمل مخاطر صحية تنتقل إليهم عبر هذه الأطعمة.

بالرغم من المخاطر المحتملة، تشير المنظمات العالمية مثل منظمة الصحة العالمية وإدارة الغذاء والدواء الأمريكية إلى أن الأغذية المعدلة وراثيًا آمنة بشكل عام، ولم تسجل حالات من الأمراض ناجمة عن تناول هذه الأغذية حتى الآن.  ولكن لجأت كثيرٌ من الدول لمنع الأغذية المعدلة وراثيًا؛ لما لها من أضرار ومخاطر على الصحة العامة والبيئة.

قبل عرض الفوائد والأضرار، واشتراطات الدول المتعلقة بالمأكولات المعدلة وراثيًا، نعرض الخطوات العامة لتصنيع الأغذية المعدلة وراثيًا في الرسم البياني التالي.

فيما‭ ‬يلي‭ ‬جدول‭ ‬يبرز‭ ‬فوائد‭ ‬الهندسة‭ ‬الوراثية‭ ‬على‭ ‬الأرز‭ (‬Dubock‭ ‬2019‭; ‬Regis‭ ‬2019‭)‬،‭ ‬والطماطم‭ ( ‬Davidovich‭-‬Rikanati‭ ‬et‭ ‬al‭. ‬2007‭; ‬Goel‭ ‬et‭ ‬al‭. ‬2010‭; ‬Hossain‭ ‬and‭ ‬Musamma‭, ‬2011‭)‬،‭ ‬والبطاط‭ (‬Richael‭ ‬2021‭)‬،‭ ‬والحليب‭ ‬والأسماك‭ ‬المعدلة‭ ‬وراثيا‭ (‬Oke‭ ‬et‭ ‬al‭. ‬2013‭).‬

ما‭ ‬فوائد‭ ‬الأغذية‭ ‬المعدلة‭ ‬وراثيًا؟

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الهندسة‭ ‬الوراثية‭ ‬توفر‭ ‬الموارد‭ ‬وتقلل‭ ‬كلفة‭ ‬الإنتاج‭ ‬وتحمي‭ ‬البيئة‭. ‬فهنالك‭ ‬فوائد‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬الأغذية‭ ‬المعدلة‭ ‬وراثيًا،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬المخاوف‭ ‬المتعلقة‭ ‬باستهلاكها،‭(‬Kramkowska‭ ‬et‭ ‬al‭. ‬2013‭)  ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

فيما يلي جدول يبرز سلبيات الهندسة الوراثية على نشا الذرة، وفول الصويا، والحليب من أبقار معدلة جينيًا وذرة معدل جينيًا (Dona and Arvanitoyannis 2009; Kramkowska et al. 2013).

ما هي سلبيات الأغذية المعدلة وراثيًا؟

بالرغم من الفوائد المتعددة للهندسة الوراثية، هناك سلبيات عديدة محتملة نظريًا (Kramkowska et al. 2013) تُعرض فيما يلي:

  • إمكانية إلحاق الضرر بصحة الإنسان ولا تزال الأبحاث مستمرة حول هذا الأمر.
  • إمكانية التسبب بالسرطان أو أن تُسهم في تطوره عن طريق رفع مستوى المواد المسببة للسرطان ومع ذلك أكدت الجمعية الأمريكية للسرطان عدم وجود أي دليل حتى هذه اللحظة.
  • إمكانية إحداث رد فعل تحسسي عند البعض.
  • إمكانية أن تحمل جينات مقاومة للمضادات الحيوية  بحسب منظمة الصحة العالمية، والخوف الأكبر هو انتقال مثل تلك الجينات بين البشر بشكل متوارث.  إلا أن منظمة الصحة للغذاء والدواء نفت فرصة انتقال مثل تلك الجينات بين الناس وطورت أنظمة تشرح كيفية التصنيع الصحيحة لمثل تلك الأغذية.

الإطار التشريعي للمحاصيل المعدلة وراثيًا:

تؤكد المكتبة الوطنية للطب التابعة للمؤسسات الوطنية للصحة في الولايات المتحدة الأمريكية أنه لا توجد حتى الآن اختبارات وفحوص كافية على هذه الأطعمة، وتشير إلى أن كل غذاء أو منتج معدل وراثيًا يجب فحصه والتحقق من سلامته بشكل منفصل.  لذلك يجب التأكيد على ضرورة تقويم جميع الأغذية المحورة وراثيًا قبل السماح بها وطرحها في السوق.  حيث وضعت المبادئ التوجيهية لمنظمة الأغذية والزراعة / منظمة الصحة العالمية للدستور الغذائي مبادئ تحليل مخاطر الأغذية المشتقة من التكنولوجيا الحيوية الحديثة.  إن الإطار القانوني الذي ينظم الأغذية والأعلاف المعدلة وراثيًا يضمن على تأمين مستويات حماية عالية لصحة الإنسان والحيوان وكذلك البيئة ( 2019 .Giraldo et al).  في جميع أنحاء العالم، اعتمدت السلطات المسؤولة عن تقييم المنتجات المعدلة وراثيًا إستراتيجيات محددة بناءً على الخبرات والمعلومات العلمية المكتسبة في العقود القليلة الماضية لتقييم سلامتها (2008 .Paoletti et al).  في عام 1999، أنشأ الدستور الغذائي فريق المهمات الحكومي الدولي المخصص للأغذية المصنعة بطريقة الهندسة الوراثية.  هذه المجموعة مسؤولة عن تطوير ووضع مبادئ توجيهية أو معايير أو توصيات للأغذية المشتقة من تطبيق التكنولوجيا الحيوية الحديثة. نشر فريق العمل ثلاث وثائق في عام 2003 اعتمدها الدستور الغذائي لتقويم سلامة الأغذية.

ويختلف الوضع القانوني والتنظيمي للأغذية المعدلة وراثيًا حسب الدولة، حيث تحظرها بعض الدول أو تقيدها، ويسمح البعض الآخر بدرجات متفاوتة من التنظيم.  وللاطلاع على الأغذية المعدلة الوراثية المسموحة أو المرفوضة في شتى البلدان، ممكن استعمال منصة (ISAA) وهي قاعدة بيانات سهلة الاستخدام لموافقات المحاصيل المعدلة وراثيًا / التكنولوجيا الحيوية للاستخدام العام بحسب البلدان.  تعرض أحداث المحاصيل المعدلة وراثيًا / التكنولوجيا الحيوية التي تمت الموافقة عليها للتسويق / الزراعة والاستيراد (الغذاء والأعلاف)  www.isaaa.org/gmapprovaldatabase.

ولقد وضعت عديدٌ من الدول أنواعًا مختلفة من القيود والحظر على استيراد الكائنات الحية المعدلة وراثيًا انطلاقًا من سلامة الأغذية.  هذا التوجّه يندرج في إطار مبدأ الوقاية الذي أقرّه الاتحاد الأوروبي منذ العام 2001 والمعروف باسم «مبدأ الحيطة» الذي يحدّ ويحظر بيع الكائنات المحورة وراثيًا واستخدامها، لما تطرحه من مخاطر صحيّة خطيرة على البشر والبيئة.  الهدف من هذا الإطار التنظيمي الذي وضعه الاتحاد الأوروبي هو إضفاء درجة عالية من الشفافية في عملية ترخيص الأغذية المعدلة وراثيًا. تعتمد هذه العملية على ثلاثة مبادئ أساسية: ترخيص ما قبل الطرح في الأسواق بناءً على تقويم سابق للمخاطر تقوم به الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية (EFSA)؛ ثم عملية تتبع المنتج كما ووضع علامة (GMO) على المنتجات المعدلة وراثيًا (EFSA, 2021).  يعتبر الاتحاد الأوروبي أكثر تقييدًا بكثير من أي مكان آخر في العالم.

بهدف حماية المستهلك أقرّت دول كثيرة وضع علامات واضحة على السلع التي تحتوي على الكائنات المعدلة وراثيًا، بما يوفر معلومات للمستهلكين عما إذا كان الطعام الذي يتناولونه معدلًا أو إذا كان قد غُيرِّ وراثيًا (Wunderlich and Gatto 2015).  اعتبارًا من عام 2015، طلبت 64 دولة وضع العلامات على المنتجات المعدلة وراثيًا في السوق.  وفي أوروبا يجب وضع عبارة «منتج معدل وراثيًا» على لصاقة أي منتج تمّ تعديل 0.9% على الأقل من صفاته الوراثية، وكذلك الحال بالنسبة للمنتجات التي صدرت عن كائنات معدّلة وراثيًا (European Food Safety Authority “EFSA” 2021).

أما الولايات المتحدة الأميركية، فهي أول من أعطى الموافقة، عام 1988 من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على استخدام الإنزيمات الميكروبية المعدلة وراثيًا كأول تطبيق للكائنات المعدلة وراثيًا في إنتاج الغذاء.  تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الرائدة في إنتاج الأغذية المعدلة وراثيًا منذ عام 2011، حيث حصلت 25 محصولًا معدلًا وراثيًا على الموافقة التنظيمية (2012 ISAA).  في عام 2015، 92% من الذرة، 94% من فول الصويا، و94% من القطن المنتج في الولايات المتحدة الأمريكية كانت سلالات معدلة وراثيًا.  أما عملية تشريع المنتجات المعدلة وراثيًا في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فتنظم ثلاث جهات حكومية الكائنات المعدلة وراثيًا.  إدارة الغذاء والدواء (FDA) تتحقق من التركيب الكيميائي للكائنات الحية المحتملة المسببة للحساسية.  وزارة الزراعة في الولايات المتحدة (USDA) تشرف على الاختبار الميداني والمراقبين وتوزيع البذور المعدلة وراثيا.  والوكالة الأمريكية لحماية البيئة (EPA) هي المسؤولة عن مراقبة استخدام المبيدات، بما في ذلك النباتات المعدلة لاحتواء البروتينات السامة للحشرات.

Share This