التلفون اللاسلكي لنشر الأنباء والأنغام الموسيقية والمواعظ وغيرها
د. دحام العاني- باحث - 21 يونيو 2021م
تتناول مجلة المقتطف المصرية في عددها الصادر في أغسطس 1921م، أي منذ قرن من الزمان التطور في الاتصالات، وهي تتوقع أن يأتي يوم يمكن فيه التواصل عبر تلفون لاسلكي يحمله الإنسان في جيبه، فيستطيع إجراء مكالمة هاتفية متى ما أراد، والحديث هنا عن الهاتف المحمول الذي أصبح اليوم واقعًا، وارتبط به كثير من التغيير الذي طرأ على حياة الناس في هذا العصر.
جاء نص المقال على النحو الآتي:
مضت سنوات ومحطات التلغراف اللاسلكي تستخدم هذا التلغراف في الأعمال التجاريّة، حتى شاع وذاع في أميركا وأوربا، وارتأى العارفون أنه لا يمضي إلا القليل حتى يحلّ التلغراف اللاسلكي محل التلغراف العادي.
ثم جاء التلفون اللاسلكي فأذهبت طلاوته ما كان للتلغراف اللاسلكي من المكانة في النفوس، ولا عجب، فلكل جديد طلاوة.
كنا نقول بالأمس إننا قادمون على زمان يضع المرء فيه تلفونه اللاسلكي في جيبته، فإذا خطر له في الشارع أن يكلّم صديقًا له، فعل أو خطر لصديقه أن يكلمه له ذلك.
ويظهر من أخبار ما نقرأ عن تقدم التلفون اللاسلكي في هذا الزمان ليس ببعيد.
فقد قرأنا في السينتفيك أميركان أن شركة أميركية في مدينة بتسبرج من ولاية بنسلفانيا تقيم الحفلات الموسيقية كل ليلة، وترسل الأنغام بالتلفون اللاسلكية إلى جميع جوانب أميركا على أرض مساحتها ثلاثة ملايين ميل، بحيث يسمعها ويطرب بها مئات الألوف.
وكذلك تنشر أنباء البلاد والأنباء الخارجية المهمة في تلك الدائرة الواسعة وتذيع مساء كل أحد المواعظ التي تتلى على منابر كنائس بتسبرج، وما يقع في الحفلات الدينية من ترانيم وصلوات، وكل ما يقال في الكنائس.
ترسل هذه الوقائع إلى المستشفيات والمنازل فيسمع الناس، وهم فيها كل ما جرى في الكنائس، وخصوصًا المرضى الذين تمنعهم مرضهم من الذهاب إلى الكنائس، أو الفلاحين الذين يمنعهم بعد مزارعهم عن المدينة من حضور الصلوات في الأوقات القانونيّة.
ومن غرائب هذا النلفون أنه لما عاد المستر هوفر المشهور من أوربا بعد زيارة الأماكن المنكوبة بالمجاعة في النمسا وغيرها، أراد أن يخبر قومه بما رأى ويستندي أكفهم لمساعدة المنكوبين، صنعت له وليمة في بعض الأندية، حضرها مئتا نفس على الكثير. فبدلًا من أن يخطب خطبة لا يسمعها إلى هذا العدد القليل وضعوا تلفونًا لاسليكًّا في مكان لا يراه أحد من الحاضرين فوصف المستر هوفر ما رأى، وهو يتكلّم كلامًا عاديًا، فيسمع كلامه مئات الألوف، وهم في منازلهم.
ومنذ مدّة وجيزة خطب أحد اساتذة الموسيقى خطبة موسيقية سمعها قليلون في القاعة التي اُلقيت فيها، ولكنها أُرسلن بالتلفون اللاسلكي إلى ألوف كثيرة لم تحضرها.
والسماعة التي تستقبل هذه الأنباء التلفونية منها ما هو رخيص لا يزيد ثمنه على بضعة ريالات، ومنها أعلى من ذلك.
وهذا كله يتوقف على نوعها، أي المادة التي تصنع منها، وعلى بعدها عن المحطة المركزيّة.
والجرائد الأميركية تنش إعلانات كثيرة عن هذه السماعات وأثمانها كأنها، مما اختُرع من زمان بعيد، وهي بنت الأمس كما يذكر القراء.