الجيل الخامس من الإنترنت
في روسيا الاتحادية 5G
د. محمد أحمد غزال - دكتوراه في علوم الاقتصاد
يُعدُّ التاريخ الرسمي لظهور الإنترنت في الاتحاد السوفييتي هو 28 أغسطس 1990م، حيث بدأ موظفو معاهد الأبحاث السوفييتية في الوصول إلى الإنترنت في أوائل الثمانينيات، ومع ذلك، فإنَّ التاريخ الرسمي لظهور الإنترنت في الاتحاد السوفييتي هو 28 أغسطس 1990م، عندما كانت جلسة الاتصال الأولى باستخدام الهاتف المودم وجرى بين معهد الطاقة الذرية. إ. كورشاتوف (الآن المركز القومي للبحوث “معهد كورشاتوف”) وجامعة هلسنكي (فنلندا).
في ذلك الوقت تمّ الاتصال بين ” البوابة الوحيدة للشبكة العالمية وشبكة الكمبيوتر السوفييتية الداخلية (Relcom) التي أُنشئت في الأول من أغسطس.
كما ساعد عشاق الكمبيوتر من فنلندا على تطوير وصول اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية إلى الإنترنت، واقترحوا أن يقوم موظفو الجامعات السوفييتية الذين لديهم إمكانية الوصول إلى الشبكة بإنشاء نطاق (Su) اختصارًا للاتحاد السوفييتي، وهي بمنزلة البوابة السوفييتية ونيابة عنهم سُجِّلت أول منطقة في 19 سبتمبر 1990 (Unix) وهي رابطة غير رسميّة لمجموعة مستخدمي الإنترنت.
بقي استخدام النطاق Su لعدة سنوات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وبعدها نُقلت حقوقه إلى النطاق الجديد (Ru) البوابة الروسية في ديسمبر 1993م، وبعدها أُنشئت منطقة إنترنت روسية (Rosniiros)، ونُقلت حقوقها إلى معهد الأبحاث الروسي لتطوير الشبكات العامة، وجرى حظر منطقة البوابة الروسية “Ru” وأُطلق على المتصفح آنذاك (Mosaic)(1).
عقبات انتشار 5G في روسيا
يّعدُّ قطاع الاتصالات الروسي مزدهرًا؛ على الرغم من كثير من التحديات (بيئة شديدة التنظيم، ووجود متزايد للدولة، وتشديد مستمر لاستبدال الواردات ومتطلبات المراقبة)، وحول التقدُّم في شبكات الجيل الخامس، فقد دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرارًا وتكرارًا إلى تسريع التقدم في شبكة 5G، كما أعلن رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، الذي تولى المنصب في يناير 2020م، أنه سيعطي الأولوية للرقمنة في جميع مجالات الاقتصاد، ومع ذلك، وعلى الرغم من أنَّ “الكرملين” أطلق برنامج “الاقتصاد الرقمي” إلا أنه لم يجرِ إحراز أيّ تقدّم تقريبًا في تقنية الجيل الخامس لمدة عامين، إذ تعثّر جميع أصحاب المصلحة في المفاوضات بشأن المسار الصحيح في المستقبل.


وإجمالًا، يمكن القول إنَّ هناك خمس مشكلات رئيسة تمنع نشر 5G على نطاق واسع في روسيا، وهي:
أولاً: تعارض طموحات روسيا في التحوّل الرقمي مع مصالح نخبها الأمنية، إذ يُعدُّ الطيف الراديوي (3.4-3.8 جيجاهرتز) هو الأكثر استخدامًا لشبكة الجيل الخامس عالميًّا، ولأسباب تاريخية، فهذا الطيف مشغول بكثافة في روسيا بواسطة تطبيقات الخدمات الأمنيَّة والعسكريَّة.
ثانيًا: لندرة الطيف الراديوي المتاح، قدّم منظم الاتصالات الروسي فكرة طرح شبكة 5G واحدة؛ لتكون مملوكة ومستخدمة بشكل شائع من جميع المشاركين في السوق، إذ سيتضمن ذلك انتزاع قدر أقل من الطيف الراديوي المشغول اصلًا من جهات عسكرية أمنية، ولكن شركات القطاع الخاص في روسيا عارضت هذه الفكرة بشدّة، لخشيتهم أن يفقدوا مركزهم في السوق، ومن ثمَّ، استقلالهم عن الدولة.
ثالثًا: أصبحت التبعيات الدولية المرتبطة باستخدام معدات 5G الأجنبية مشكلة في حدِّ ذاتها، إذ أدَّت العقوبات الاقتصادية إلى زيادة الضغط على الجماعات المستوردة في روسيا، وتعمل هذه الجماعات بجد لاستبدال الواردات، وجعل البنية التحتيّة لشبكة الجيل الخامس صُنع في روسيا إلزاميّة، بينما يقاوم ذلك المشغلون الروس؛ لأنَّ البديل الروسي لهواوي أو إريكسون أو نوكيا ليس متاحًا في الأفق.
رابعًا: احتكار شركات عملاقة لقطاع الاتصالات
يهيمن على قطاع الاتصالات المتنقلة في روسيا أربع شركات كبرى، ثلاث منها مملوكة لرجال أعمال مشهورين في روسيا، أولاً، فلاديمير يفتوشينكوف، الذي يسيطر على(Mts)، أما الملياردير الثاني فهو ميخائيل فريدمان، ويسيطر على شركة (Vimpelcom)، أخيرًا، هناك أليشر عثمانوف، الذي يسيطر على المشغل الروسي الخاص الثالث (Megafon)، وأما الشبكة الرابعة (Tele2)، فيجري تشغيلها عن طريق شركة (Rostelekom) المملوكة للدولة(2).

خامًسا: قانون «الإنترنت السيادي»
وقّع الرئيس الروسي – في خطوة استنكرتها المنظمات الحقوقية – مشروع قانون “الإنترنت السيادي” في أغسطس 2020م الذي يسمح للسلطات بعزل إنترنت البلاد عن العالم.
وكان الاستنكار لما له من عواقب على حرية الوصول للمعلومات، إذ رآها بعض الناس «ستارًا حديديًا جديدًا يعزل روسيا، ويؤدي في نهاية المطاف إلى الانفطاع كليًّا» عن شبكة الإنترنت العالميّة، وإنشاء شبكة خاصة بروسيا.
وينصّ القانون الجديد على استحداث آلية لمراقبة حركة مرور الإنترنت في روسيا، وإبعادها عن الخوادم الأجنبية، ظاهريًّا بهدف منع بلد أجنبي من التأثير فيها. ومن المتوقع أن يدخل القانون حيِّز التنفيذ في الأول من نوفمبر من العام نفسه.
وبموجب القانون الجديد سيحتاج مزوّدو خدمة الإنترنت في روسيا أيضًا إلى ضمان امتلاك شبكاتهم الوسائل التقنيّة “للتحكّم المركزي في حركة المرور” لمواجهة التهديدات المحتملة (3).
وتستمرُّ هذه المراقبة بشكل خاص عبر جهاز الأمن الفيدرالي الروسي “أف أس بي”، والهيئة الروسية للرقابة على الاتصالات “روسكومنادزور”، المتّهمة بأنها تحجب المحتوى على الإنترنت بشكل تعسّفي.
إطلاق أول شبكة اتصالات 5G في روسيا
جرى إطلاق أول شبكة اتصالات تعمل في مجال 5G عن طريق شركة (Mts) للاستخدام العام.
لم يقم مشغل (Mts) فقط بإطلاق أول شبكة مخصصة، ولكن هو أول مشغل روسي يحصل على ترخيص لبناء مثل هذه الشبكات.
جرى إصداره في نهاية يوليو 2020م، وينتهي في 16 يوليو 2025م. يمنح هذا الترخيص (Mts) الحق في إطلاق 5G في نطاق التردّد من 24.25 إلى 24.65 جيجاهرتز، ولكن يبدو أنه لن يتمكن من الوصول إليها إلا النخبة، إذ تعمل فقط في عدة مناطق في موسكو، ولن يتمكّن من الوصول إليها إلا المشتركون الذين يختارهم المشغل بنفسه؛ وفقًا لعدد من المعطيات. وتعمل الشبكة عند 4.4-5 جيجاهرتز بدلاً من النطاق الدولي 3.4-3.8 جيجاهرتز.
تُتاح شبكة الجيل الجديد فقط في عدد قليل من الأماكن الشعبية في العاصمة الروسية، أي أنه لا يوجد حديث عن تغطية المدينة بأكملها حتى الآن.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنَّ الشبكة نفسها منتشرة على تردّدات من 4.4 إلى 5 جيجا هرتز، التي لا تدعمها جميع الهواتف الذكيّة الحاليّة من الجيل الخامس. يُذكر أنَّ نطاق التردد الدولي لـ 5G هو 3.4-3.8 جيجاهرتز، علمًا بأنَّ هذا النطاق مشغول من المؤسسة العسكريّة لأغراض عسكريّة، ويستخدم، كذلك، في طائرات الناتو.

كما ذكرت صحيفة (Cnews) أنه، إضافة إلى ذلك، يجري تضمين الشبكات الموجودة على التردّدات المحدّدة بواسطة (Mts) جزئيًا في النطاق 4.7-4.9 جيجاهرتز، والاستخدام في أنظمة الكشف العسكرية حتى في طائرات الناتو/ وبناءً عليه يتعذر الوصول إليه لإنشاء شبكات اتصالات في منطقة كبيرة من روسيا.
ولهذا السبب، أصدر الاتحاد الدولي للاتصالات شرطًا يقضي بأن تطلب الدول التي ترغب في بناء بنية تحتيّة للاتصالات الداخليّة باستخدام النطاق 4.7-4.9 جيجاهرتز على مسافة لا تقلّ عن 300 كيلومتر من الدول الأخرى، والحصول على إذن منها.
علمًا بأنَّ روسيا تمتلك حدودًا بريّة مع كثير من دول الناتو في آنٍ واحد: لاتفيا، وليتوانيا، وبولندا، وإستونيا. كما أنها تحدُّ أوكرانيا، التي تسعى أيضًا إلى أن تصبح عضوًا في هذه الكتلة العسكريّة السياسيّة. ويشمل الناتو أيضًا الولايات المتحدة، التي تربطها بروسيا حدود بحرية.
وتفيد صحيفة (Cnews) الروسّية بأنه في الواقع ، ظهرت أول منطقة تجريبية لشبكات 5G في روسيا قبل ذلك بكثير، ودون مشاركة (Mts). وأنه في بداية أغسطس 2019م جرى إطلاقها من المشغل (Tele2) و(Ericsson). ونظَّما تغطية خارجيّة مستمرة للقسم التجريبي للشبكة في نطاق 28 جيجاهرتز في موسكو.
كما كانت شركة (Megafon) أول شركة اتصالات روسيّة تحصل على إذن لاختبار شبكات 5G، وحتى في صيف عام 2017م، سُمح باستخدام التردّدات في نطاقي 3.4-3.8 جيجا هرتز و25.25-29.5 جيجا هرتز في 11 مدينة قابلت كأس العالم (2018 Fifa) . – شاركت ميجافون في إنشاء البنية التحتية للاتصالات الخاصة بها.
في نهاية عام 2017م، مُنح الإذن باختبار 5G في نطاق 3.4-3.8 جيجاهرتز في مناطق عدد من المرافق في ثماني مناطق، بما في ذلك موسكو وسانت بطرسبرغ (4).

شركة ميغافون في روسيا تبدأ بتجربة منطقة واسعة للشبكة 5G
أعلنت شركة ميغافون الروسيّة للاتصالات عن بدء نشر منطقة الاختبار للاستخدام المشترك للجيل الرابع والجيل الخامس على مساحة 10 كيلومترات مربعة، في منطقة نيفسكي بروسبكت وإكسبوفوروم، وهي متاحة لجميع المشتركين الذين لديهم أجهزة تدعم هذه التقنية.
ووفقًا لخدمة (Megafon) الصحفية، فهذه هي أوسع منطقة اختبار مع إمكانية الوصول إلى خدمات فئة 5G في روسيا من دون قيود على عدد المشتركين. ويجري الاختبار في نطاقات التردد لشبكات 4G الحالية (Fdd) والموجة المليمترية الجديدة.
وتبلغ أقصى سرعة ممكنة للإنترنت عبر الهاتف المحمول في مجموعة من نطاقات التردّد المختلفة 1 جيجابت في الثانية في النطاقات الحالية و4.1 جيجابت في الثانية في الموجة المليمترية الجديدة، ويمكن للمشتركين تقدير وقت الاستجابة الأقصر مع ميزة مرة ونصف.
سيسمح التوزيع الديناميكي للطيف ، إضافة إلى التردّدات الرئيسة، باستخدام تلك المستخدمة لشبكات الأجيال السابقة.
تعتمد معدات 5G المنتشرة في المنطقة التجريبية على حلّ (Singleran Pro) من هواوي، الذي يدعم التطوّر السلس من 4G /3G/2G إلى 5G (5).

الخاتمة
سعت روسيا تاريخيًّا إلى بناء نفسها بعيدًا عن التبعيات الاقتصاديّة والسياسيّة، وقد شملت هذه السياسة أيضًا شبكات الاتصال الخلوي، وعزَّز موقفها العقوبات الاقتصاديّة التي تُفرض عليها من أمريكا والدول الأوروبيّة؛ لذلك عمدت إلى إلزام الشركات المشغلة لديها لبناء معداتها في روسيا.
تحت شعار صنع في روسيا، عُقد اتفاق بين شركتي (Rostelekom) و (Rostec) مع الحكومة لإنتاج خارطة طريق حول شبكات الهاتف المحمول من الجيل الخامس، وجرى تقديم المسودة في ديسمبر 2019م، إذ يتضمن الاتفاق إنتاج 20000 محطة قاعدية 5G «صنع في روسيا» بحلول عام 2024م، و 200.000 محطة بحلول عام 2030م، والتي يجب تصديرها لاحقًا للخارج، وتحدد خارطة الطريق الحاجة إلى إعانات بمليارات الروبلات من الدولة، ومنذ ذلك الحين أصبحت متطلبات استبدال الواردات هي النقطة الشائكة في عملية التفاوض.