الجيل الخامس

يقود‭ ‬أماكن‭ ‬العمل‭ ‬المُستقبلية

طارق‭ ‬راشد‭ – ‬باحث‭ ‬وإعلامي – 1 سبتمبر 2021م

عطّلت جائحة فيروس كورونا المُستجد جوانب حياتنا كلَّها، وجلبت في طياتها تحولًّا مفاجئًا ومهولًا في الطريقة التي نتفاعل بها ونعمل. وسرَّعَت الجائحة أيضًا وتيرة تبنِّي التقنية، وجعلت الناس يتساءلون عن الوضع الجديد. بالنسبة إلى أبناء جيل الألفية وأبناء الجيل التالي له المُتصلين دومًا بشبكة الإنترنت عبر عددٍ من الأجهزة، يبدو التغيُّر طبيعيًّا. ولكن، تقبُّلَ الناس نوعًا ما الوضع الطبيعي الجديد، إذ إنهم ليسوا على يقين من الشكل الذي سيبدو عليه المستقبل لموظفي العصر الجديد.

وفقًا لأحدث التقارير، تُعدُّ الهند ثاني أكبر سوق في العالم من حيث عدد مُستخدمي شبكة الإنترنت. فهناك 624 مليون مستخدمًا لشبكة الإنترنت في الهند منذ يناير 2021م. وحتى في ظلِّ أنماط النمو هذه، تابعت الشركات خطط استمرارية أعمالها، وحاولت أن تضمن إنتاجيتها. ومع أنَّ العمل عن بُعد بدأ يضرب بجذوره بوصفه الوضع الطبيعي الجديد، إلا أنه ينطوي على كثيرٍ من التحديات، كالبنية التحتية المُتعثرة لتكنولوجيا المعلومات، وقصور التآزر وجهًا لوجه، وتوعية الموظفين والاتصالات عن بُعد.

هناك حاجة ماسّة إلى المساعدة في التوعية بالطفرات التقنية الجارية في مجال الإنترنت والاتصالات التي يمكن أن ترتقي بالمجتمع. تساعد الفعاليات المهمة كيوم التقنية الوطني، أو اليوم العالمي للاتصالات ومجتمع المعلوماتية الجميع على فهم الحاجة المتزايدة للتكنولوجيا في حياتنا. وبعد أن أصبح العمل عن بُعد والرَّقمنة الوضع الطبيعي الجديد، أمسينا نرى زخمًا في تبنِّي الجيل الخامس من شبكات الاتصالات فائقة السرعة في الهند أيضًا. ومن المقرر أن يُحدِث الجيل الخامس من الاتصالات ثورةً في أماكن العمل المستقبلية في الهند.

الجيل الخامس من الشبكات سيكون عاملاً ثوريّا

يمكن أن يصبح الجيل الخامس من الشبكات ضرورة لا غنى عنها في هذا العصر الرَّقمي، ولديه القدرة على إعادة ابتكار الطريقة التي يتواصل بها الموظفون وبها يعملون. والشاغل الأساسي لعصر العمل عن بُعد الجديد هو الوصول المأمون إلى شبكة الإنترنت والتأخُّر المحدود وعرض النطاق الكبير. والجيل الخامس من شبكات الاتصالات يضمن كتقنية أن يبقى الموظفون على اتصال في أيِّ وقت ومن أيِّ مكانٍ حول العالم. فهو يضمن مقاطع فيديو فائقة الجودة محدودة التأخير وتجارب واقع مُعزز ومختلط، واستخبارات للتهديدات العميقة والتخفيف من الهجمات السيبرانية. وسيجعل الجيل الخامس من شبكات الاتصالات العمل عن بُعد أيسر من ذي قبل بالإنترنت فائق السرعة، والمؤتمرات المرئية، وغير ذلك من التقنيات التي تدعم إنتاجية محل العمل. ومن الممكن أن تُرقَّى سرعة الشبكات بفعالية، وهذا ما يعني عمليات تنزيل وسرعات بثٍّ أسرع، ومكالمات جماعية مُحسَّنَة، فتُمكِّن كثير من الأجهزة من العمل في آنٍ واحد.

وفي ظلِّ تبني الجيل الخامس من الشبكات بوتيرة أسرع، من الممكن أن يخلق هذا الجيل وييسِّر تفاعلات وتآزرات بين زملاء العمل داخل منظومة المؤسسة. ومن الممكن أن يُفسح هذا الجيل الطريق أمام اجتماعات الواقع المُعزز، والوصول إلى الشبكات الخاصة والتطبيقات السحابية من الأجهزة الجوّالة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة للشركات. ومن الممكن أن تدعم القوة العاملة كما لم تدعمها من قبل، في حين يستطيع الموظفون العمل فعليًّا من مناطق مختلفة في شتى أنحاء العالم.

وعند الجمع ما بين الجيل الخامس من الشبكات والحوسبة السحابية، فمن الممكن أن يكون هذا الجيل أكثر محوريةً في عالم الأعمال عن بُعد. والطرف هو الجزء من الإنترنت الأقرب إلى المستخدم النهائي. وإذ يُطلق عليه عادةً «الميل الأخير»، يستقر الطرف بين مراكز البيانات السحابية في قلب شبكة الإنترنت ومليارات الأجهزة الموجودة في المنازل والمكاتب أو في شبكات الجوّال. ويمكن أن يُحسِّن الجيل الخامس من الشبكات أداء هذا الميل الأخير، فيضمن تأخُّرًا أقل وخَرْجًا أعلى واتصالًا أكبر بين الناس. وقد يُمكِّن أيضًا التطبيقات الأحدث التي تزيد من استخدام شبكة الإنترنت أكثر من أيِّ وقتٍ مضى.

وبينما قد يُحدِث الجيل الخامس من الشبكات تحوُّلًا في البنية التحتية للشبكات في الهند، فهو يزيد أيضًا من المخاوف المتعلقة بالجانب الأمني. ففي ظلِّ الزيادة المطردة في عدد الأجهزة التي ستعمل بتقنية الجيل الخامس، من الممكن أن تزداد احتمالات وقوع هجمات سيبرانية بالتبعية. لقد واصلت الهجمات السيبرانية التي تستهدف التطبيقات والبنية التحتية التي يستخدمها الموظفون للوصول إلى الموارد المؤسسيّة ارتفاعها على مدار العام الماضي، إذ انتقلت الشركات إلى نماذج العمل عن بُعد. ووفقًا لتقرير أصدرته شركة أكاماي تكنولوجيز، شهد عام 2020م وحده 193 مليار هجمة لسرقة بيانات تسجيل الدخول عالميًا، وهذا ما يدلل على أنَّ العُطْلَ الشامل يظلُّ هدفًا للمجرمين الذين يستهدفون خدمات وتطبيقات ضرورية لمزاولة الأعمال يوميًّا.

ومع أنَّ التعميم واللوائح ستؤدي دورًا كبيرًا، ينبغي على الشركات التركيز على خلق بيئة عمل تقنية معلومات مرنة وآمنة للجيل الخامس من شبكات الاتصال، وحينئذٍ ستُطلق العنان لعالمٍ جديد كامل من الإمكانات.

مستقبل محلّ العمل

تتجه آليات محل العمل إلى تحوُّلٍ كبير؛ فلدينا الجيل الخامس من شبكات الاتصال، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والأتمتة والروبوتات التي يمكنها خلق وظائف تخصصية ومجموعات مهارات تستوفيها مجموعات مواهب مختلفة. ولن يُحسِّن الجيل الخامس من شبكات الاتصال الكفاءة والتآزر وحسب، وإنما يمكن أن يبسِّط التوظيف، ويتيح الفرصة للارتقاء بمهارات الموظفين. ويمكن أن يتيح الوصول إلى موارد التدريب بسهولة ويُسر للموظفين، ويمكن أن يكون توصيل موارد التدريب أكثر فعالية، إذ ستُمكِّن الشبكات الأسرع وعرض النطاق الرصد الآني للتقدُّم المُحرز. وعليه، من الممكن أن يمثل الجيل الخامس من الشبكات دفعة قوية للتقليل من معدلات الاستنفاد، وزيادة الإنتاجية عبر عددٍ من مستويات المؤسسة.

لقد أمست ثقافة العمل عن بُعد اتجاهًا تقنيًّا رئيسًا، غير أنَّ الجيل الخامس من شبكات الاتصال من المتوقع أن يدفع العالم إلى الأمام بالمزيد من التجارب المُحسَّنَة والاتصالات الأسرع وبيئة عمل آمنة لتقنية المعلومات. ومن المتوقع أن تُحدِث ثورةً في النحو الذي يتواصل به المستهلكون بعضهم مع بعض، وكيفية تفاعل الشركات مع المستهلكين والموظفين والشركاء والموردين. وفي ظلِّ تسارع تحديث تقنية المعلومات بسبب الجائحة، وتحرُّك الحوسبة السحابية نحو الحوسبة الطرفية، فإنَّ نشأة الجيل الخامس من شبكات الاتصالات ستعيد بلا شك تعريف محلِّ العمل في المستقبل.

Share This