المركبات الفضائية
من الحلم إلى الإنجاز
د. سعد بن محمد الشهري - باحث علمي – مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية
طالعتنا الأخبار في الأيام الماضية عن المركبة الفضائية (Perseverance rover) التي هبطت على سطح المريخ في 18 فبراير 2021م، ولعل كثيرين لم يكترثوا بالخبر أصلًا، فهل أصبحت مثل هذه الأخبار عادية؟ وهل تعود أحلام غزو الفضاء واستعماره واستغلال ثرواته وإمكانية سفر البشر إلى الفضاء فيما بعد؟
تعالوا بنا نسترجع البدايات لنعرف كم كانت مثل هذه الأخبار تتحرك لها الشعوب والحكومات، وتغيّر موازيين القوى العالمية.
الحلم
كان السفر إلى الفضاء، حتى أربعينيات القرن الماضي، مايزال حبيسًا بين صفحات قصص الخيال العلمي منذ روايات جول فيرن (Jules Verne)، وبين أطروحات العلماء، مثل: روبرت جودارد (Robert Goddard)، ومحاولات الهواة والحالمين باستكشاف الفضاء لإجراء تجاربهم سواء كانت سرية خشية السخرية منهم أم علنية أحيانًا بتمويل من بعض المؤسسات الخيرية، وبرغم الفشل الذريع الذي كان هو القاسم المشترك لهذه التجارب إلا أنَّ الإصرار على تحقيق الحلم كان يزداد شيئًا فشيئًا.
وبرغم النتائج السلبية للحروب، فإنَّ الحرب العالمية الثانية، ومن بعدها الحرب الباردة كان لهما الأثر الأكبر في التطور السريع لتكنولوجيا الصواريخ، التي كانت هي العامل الأكبر في غزو الفضاء، إذ حملت المركبات الفضائية إلى خارج الغلاف الجوي.
القمر كان له الحظ الأوفر من محاولات الوصول إليه لقربه من الأرض، إذ تبلغ المسافة بينه وبين الأرض نحو 400 ألف كيلومتر في المتوسط.


11.2كم في الثانية هي السرعة اللازمة للهروب من الجاذبية الأرضية لأي مركبة فضائية، بينما لو كنا على سطح كوكب عطارد فيلزم أن تكون السرعة 4.3 كم في الثانية فقط للتغلب على جاذبيته، وعلى سطح المريخ تصل سرعة الهروب من جاذبيته إلى 5 كم في الثانية.

لقد كان بمقدور كرة قطرها 58 سم ووزنها 84 كجم أن تغيّر كتابة التاريخ، وتسطِّر أولى خطوات البشر نحو الفضاء، ففي الجمعة 4 أكتوبر 1957م أخذ الاتحاد السوفييتي قصب السبق للخروج من الأرض وأطلق (Sputnik I) لتدور حول الأرض دورة كاملة في زمن قدره 98 دقيقة، وبسرعة 29 ألف كم في الساعة، وعلى بعد متوسط قدره نحو 7 آلاف كم، مما فتح الباب لسباق الفضاء.



تعدُّ المركبات غير المأهولة بالبشر برغم تكلفتها العالية الخيار الأول لكل برامج الفضاء، فهي أرخص بكثير من المركبات المأهولة، إذ تكون أصغر حجمًا وأقل وزنًا، ولا تحتاج إلى أي مقومات للحياة، فهي مجرد مجموعة من الكاميرات والأجهزة المصممة حسب المهمة المحددة للمركبة أو المسبار.
بدأ الاتحاد السوفييتي سباق الفضاء بالمركبة (Sputnik I) التي أُطلقت في عام 1957م.
دخلت الولايات المتحدة الأمريكية سباق الفضاء في 31 يناير 1958م بإطلاق المركبة (1 Explorer) لتكون أول مركبة فضائية أمريكية مسيرة من بعد، وغير مأهولة بالبشر، وفي 23 أغسطس 1963م بدأ برنامج (Ranger program) وهو برنامج أمريكي لرحلات فضائية غير مأهولة بالبشر للوصول إلى القمر وتصوير سطحه والاصطدام به، ولكن باء أغلبها بالفشل حتى نجحت نسختها السابعة في الوصول إلى القمر.

صُمِّمت محطات الفضاء الدولية لتكون منصّة وسيطة بين الأرض والفضاء لإعادة الإطلاق مرة أخرى، ولتدريب أطقم رواد الفضاء، وإجراء الاختبارات والتجارب في ظل انعدام الجاذبية. وبدأت بالمحطة (Salyut1) الروسية في 1971م، ومحطة (Mir) الروسية أيضًا، التي أُطلقت في عام 1986م، وكانت أول محطة فضائية يمكنها استقبال رواد الفضاء، وكانت تتسع لثلاثة أفراد للإقامة فيها لمدد طويلة، ووضعت على مدار راوح ارتفاعه بين 320 و420كم.
توجد حاليًا محطة الفضاء الدولية (ISS) التي بُنيت بالتعاون الدولي فيما بين الولايات المتحدة وروسيا، وبتمويل من كندا واليابان وبعض الدول الأوربية، وجرى إطلاقها في عام 1998م، ويقع مدارها على بعد نحو 410 كم في المتوسط من الأرض، وتدور المحطة مرة واحدة حول الأرض كل 90 دقيقة، وتكمل نحو 16 دورة حول الأرض يوميًا.


تليسكوب هابل (Hubble Space Telescope)
أُطلق في 24 أبريل 1990م ليكون عيناَ للإنسان خارج الغلاف الجوي، وليكتشف ويصور كثيرًا من المجموعات النجمية والأحداث الفلكية التي يصعب تصويرها من الأرض، ويصل وزنه إلى نحو 11 ألف كجم، وأبعاده إلى 13 مترًا في 4 أمتار تقريبًا، ويبعد مداره نحو 550 كم عن الأرض، ويكمل دورة كاملة حول الأرض في 96 دقيقة تقريبًا، يبلغ قطر المرآة الرئيسة 2.4 أمتار، والبعد البؤري له 58 مترًا تقريبًا، ويحمل عددًا من الكاميرات وأجهزة تحليل الضوء.

برنامج أبولو (Apollo program)
بدأ مشروع أبولو في عام 1961م لاستكشاف الفضاء، والوصول إلى القمر، ووضع أول إنسان على سطح القمر، ولكن كان أول هبوط على سطح القمر في رحلة أبولو 11 في 20 يوليو 1969م، حيث كان نيل أرمسترونج أول إنسان تطأ أقدامه سطح القمر، وانتهى البرنامج في عام 1974م برحلة أبولو 17.

مشروع ميركوري (Mercury)
هو أول برنامج فضاء أمريكي لإرسال البشر إلى الفضاء، بدأ في عام 1958م واستمر إلى عام 1963م وجرى تنفيذ نحو 20 رحلة غير مأهولة بالبشر، و6 رحلات مأهولة بالبشر، وكان أول رائد فضاء أمريكي هو ألان شيبرد، الذي قام بدورة حول الأرض، وفي فبراير 1960م نجح رائد الفضاء الأمريكي جون جلين، بتنفيذ 3 دورات كاملة حول الأرض.


سولار باركر (Parker Solar Probe)
جرى إطلاقه في 12 أغسطس 2018م باتجاه الشمس ليقوم بدراستها عن قرب، ومن المقرر أن يصل إلى مسافة 7 ملايين كم تقريبًا من الشمس، وصُمِّم المسبار لتحمل درجات الحرارة العالية وأشعة الشمس القوية، وجرى تزويده بدرع خاص لحمايته وحماية أجهزته، وهو مصنوع من الكربون، ويتحمل درجات حرارة تصل إلى 1370 درجة مئوية.

نيو هورايزون (New Horizons spacecraft)
جرى إطلاق المسبار نيو هورايزون في 19 يناير 2006م لاستكشاف بلوتو وما بعده من أجسام فيما يسمى بحزام كايبر، ووصل المسبار إلى أقرب مسافة من بلوتو في 14 يوليو 2015م.

روزيتا (Rosetta)
أُطلق المسبار روزيتا في 3 مارس 2004م، وقد سُمّي باسم مدينة رشيد المصرية ليسافر لمدة أكثر من عشر سنوات مستغلًا جاذبية الكواكب التي مرَّ عليها لتعطيه قوة دافعة للحفاظ على مداره، وليحط على بعد 720 مليون كيلومتر على المذنب (67P/Churyumov–Gerasimenko) في سبتمبر 2016م في مهمة أقرب ما تكون إلى الملحمة البشرية.
السعودية في الطليعة
في مهمة فضائية تابعة لوكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» ولمدة تزيد على سبعة أيام سطَّر التاريخ سفر أول رائد فضاء عربي مسلم في يوم الاثنين 17 يونيو 1985م، إذ انطلق صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، إلى الفضاء خلال

الأمير سلطان بن سلمان


أيو (Io) وتعثرا على جليد مائي على سطح قمر أوروبا.
درس المسبار يوليوس في عام 1992م المزيد عن الغلاف الجوي المغناطيسي لكوكب المشتري، ثم عاد مرة أخرى في عام 2000م، وكانت المركبة الفضائية غاليليو أول مركبة تدخل مدار كوكب المشتري، في عام 1995م.
واقترب المسبار كاسيني من كوكب المشتري في عام 2000م، والتقط صورًا مفصلة للغاية عن غلافهِ الجوي، ومرَّت المركبة الفضائية «نيو هورايزونز» في عام 2007م بجوار كوكب المشتري.
جرى إطلاق المركبة (Perseverance rover) في 30 يوليو 2020م لتهبط على سطح المريخ في 18 فبراير 2021م، وهي تبحث عن بيئات قديمة قادرة على دعم حياة ميكروبية، إلى جانب البحث عن علامات محتملة للحياة، وجمع عينات صخرية وترابية وتخزينهم، واختبار إنتاج الأكسجين في الغلاف الجوي للمريخ.
وفي النهاية يبقى التساؤل هل يأتي اليوم الذي يكون فيه السفر إلى الفضاء كالسفر حاليًا فيما بين الدول؟
بدأت في 28 نوفمبر 1966م سلسلة المركبات الروسية (Soyuz)، وكانت الرحلة الأولى غير مأهولة، وتوالت بعدها الرحلات، وفشلت منها اثنتان أدتا إلى وفاة طاقمهما. استخدمت رحلات (Soyuz) لنقل الطواقم فيما بين الأرض ومحطة الفضاء الروسية (Salyut) في البداية ثم (Mir) وحاليًا إلى محطة الفضاء الدولية (ISS).
جرى إطلاق المركبة فايكينغ 1 نحو المريخ في 20 أغسطس 1975م ، وأُطلق فايكينغ في 9 سبتمبر1975م، ووصل إلى مداره حول المريخ في 7 أغسطس 1976م، وكان كل من المركبتين يتكون من قمر صناعي ومسبار هبوط، وعند الوصول إلى المريخ ينفصل المسبار من المركبة، فيبقى في مدار حول المريخ، وينزل مسبار الهبوط على سطح الكوكب لأخذ العينات وتحليلها.
وصلت المركبة الفضائية (Pioneer10) في 1973م إلى مدار كوكب المشتري، وبعدها بعام وصلت المركبة (Pioneer11). ووصلت مركبة الفضاء جونو إلى مدار كوكب المشتري في 5 يوليو 2016م، ودخلته، لتكون بذلك ثاني مركبة فضائية تدخل مدار كوكب المشتري.
زار في عام 1979مسبارا فوياجر 1 وفوياجر 2 كوكب المشتري، ودرسا أقماره واكتشفا النشاط البركاني على القمر