د‭. ‬محمد‭ ‬أيسر‭ ‬شيخ‭ ‬مخانق‭ ‬‭- ‬اختصاصي‭ ‬بالأمراض‭ ‬العصبية – 29 مارس 2021م

العقل‭ ‬الجمعي‭ ‬لرفض‭ ‬اللقاح

وبعض‭ ‬حلوله‭ ‬المقترحة

لا جرم أن عام 2020م كان مفصليًا وصعبًا بكل ما حفل به، وأخصّ بالذكر هنا انتشار الفيروس التاجي كورونا المستجد، وما نتج عنه من وباء كوفيد-19.

بيد أن 2020م مرّ على كل حال! ونستقبل العام الجديد بتبعات ثقيلة من سابقه، بعد أن وصل عدد المصابين في العالم إلى ما يقارب المئة والثلاثة ملايين، وما يربو على المليونين ومئتي ألف من الوفيات.

شكّلت اللقاحات أملًا جديدًا، وأعادت للحياة وللناس بارقة الأمل؛ بعد يأسٍ مطبق كاد أن يغلق علينا الدنيا بما رحبت.

يعدُّ اللقاح حجر الزاوية ونقطة انطلاق فارقة، وذلك في كل مناحي الحياة بعد الجائحة، فأخباره جاءت بردًا على قلوب معظم الجمهور بحلم العودة إلى الحياة الطبيعيّة، وكسر قيود الحظر المفروضة على التنقل والسفر، مع تحسّن ملحوظ في مؤشرات الأسهم العالميّة وأسعار النفط وتحسُّن الاقتصاد بعد طول ركود.

لكن يبقى هذا الكلام نظريًّا، وإن شئت سمِّه: حسابًا ورقيًّا؛ ما لم يُشَفع بقناعةٍ وممارسة على الأرض تُفضي لإقبال الناس على التطعيم – السبيل الوحيدة المعروفة للآن – لتحقيق الهدف المرجو والغاية المبتغاة؛ بإعلان قضائنا على هذه الجائحة، وأنها أصبحت أثرًا بعد عين!

إنَّ ما يبلغ 6090٪ من البالغين والأطفال يجب تطعيمهم للوصول إلى الملاذ الآمن المعروف باسم مناعة القطيع، وحينها تجري حماية المجتمع بأكمله.

في استطلاعٍ للرأي شمل 1676 بالغًا في الولايات المتحدة الأمريكية، أجرته مؤسسة كايزر فاميلي في أوائل ديسمبر؛ أظهر أنّ 71% منهم يرغبون في أخذ لقاح كورونا، مقابل 63% في سبتمبر. وأظهر استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في نوفمبر ارتفاعًا مماثلًا. وما زالت هناك شرائح كبيرة من سكان الولايات المتحدة متردّدة أو تعارض تلقِّي اللقاحات، ففي استطلاع كايزر نفسه قال 42% من الجمهوريين إنهم لن يتلقوه!، وينطبق الشيء نفسه على 35% من البالغين السود، و 35% من سكان الريف كانوا مترددين بشدة، وكذلك 36% من البالغين الذين تراوح أعمارهم بين 30 و49 عامًا، و29% ممن يعملون في تقديم الرعاية الصحية. وأعتقد أن النسب متقاربة عالميًّا وتدور في فلك هذه الأرقام إن لم تكن أكثر!

في الحقيقة، تتنوع أسباب الرفض بشكل كبير جدًا، فهناك من يتبنى نظرية المؤامرة الذائعة الصيت، وهناك المتابعون والمقتنعون بمشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، أو بعض العاملين في المجال الصحي، أو الباحثين الراغبين في زيادة متابعيهم وأرباحهم في القنوات والمنابر الإلكترونية؛ من خلال قاعدة خالف تُعرف، والجري وراء الشائعات المضلّلة والآراء الشاذة التي لا تستند إلى دليل أو مرجع أو إحصاءات صحيحة، فوفقًا لبعض الخبراء، فإنّ الجزء الأصعب، كان التعامل مع المعلومات المضلّلة والتقارير غير المسؤولة، مثل القصص الإخبارية التي تسلط الضوء على الحوادث المؤسفة للقاح وآثاره السلبية، من دون توفير سياق كامل حول عدد مرات حدوثها.

استطلاع‭ ‬مؤسسة‭ ‬كايزر‭ ‬فاميلي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭… ‬1676‭ ‬بالغًا‭ ‬شملهم‭ ‬الاستطلاع

%

من مقدمي الرعاية الصحية مترددون

%

من البالغين مترددون

%

من البالغين السود يرفضونه

%

من الجمهوريين يرفضونه

%

يرغبون في أخذ لقـــــاح كـــورونــــــا

وقد حدثت بالفعل مشكلة مع بعض التقارير حول أحد العاملين في مجال الرعاية الصحية في الولايات المتحدة؛ والذي عانى من رد فعل تحسسي شديد، من دون الإشارة إلى أن عشرات الآلاف قد جرى تطعيمهم من دون وقوع تأثير جانبي مهم.

وهناك الأخبار الكاذبة والشائعات، وحتى الخرافات التي تنتشر بين الناس كالنار في الهشيم أيضًا بسبب ثورة الاتصالات، والانفجار باستخدام وسائل التواصل بشكل غير مسبوق عن أي حدث عالمي بهذا الحجم.

وهناك الرفض المعقول المستند إلى كون اللقاح جديدًا، ولا نعرف تأثيراته الجانبية بعد؛ وخصوصًا الطويلة الأمد منها، ونستطيع أن نضم إليه أن التقنية المستخدمة فيه تعتمد RNA – أتكلم هنا على لقاح شركتي فايزر وموديرنا الأكثر رواجًا وقبولًا في العالم – وهي تُستخدم أول مرة في عالم اللقاحات، وهناك تخوف لا بأس به من إمكانية ولوجها للمورثات وتأثيرها فيها.

وهناك بعض الناس من ذوي خلفيات ثقافية أو تجارب سابقة عن التعاطي الطبي الحديث؛ بأنه غير مجدٍ أو فعّال أساسًا!

يضاف إلى ذلك أسباب الوصول لمنطقة التلقيح للأشخاص البعيدين، وموضوع التكلفة، أو وجود تأمين صحي من عدمه.

لا شك في أنَّ ذلك كله كان له تأثير مهم، وقد ألقى بظلاله – بشكل أو بآخر – على العقل الجمعي للجمهور المتلقي.

ولتسهيل المقاربة للموضوع، يمكننا تقسيم الجمهور – حسب تقبّله أو رفضه اللقاح – ثلاث فئات، هي:

01- الغالبية الراغبة:

يرغب معظم الناس في تلقيهم اللقاح المضاد لفيروس كورونا، وخصوصًا كبار السن فوق 65 عامًا؛ فهم متحمسون، وحماستهم منطقية؛ بالنظر إلى الخطورة المتزايدة والخوف من تعرضهم للمرض والوفاة من جراء كوفيد- 19.

هناك بعض الخوف العميق من الآثار الجانبية غير المرغوب فيها، لكنْ، في الواقع السبب الشائع لعدم أخذ اللقاح لدى هذه الفئة، هو أنهم ينسون أخذه، أو تضيع الحماسة له في خضم المشكلات الحياتيّة والانشغال.

تُظهر الأبحاث أن بعض التدخلات البسيطة المدهشة يمكن أن تحدث فرقًا، فقد أوضحت دراسة لجامعة روتيغرز عام 2010م أنَّ إخبار الأشخاص بأن جرعة من لقاح الإنفلونزا كانت تنتظرهم في وقت ومكان محددين (على الرغم من إمكانية تغيير الموعد) أدى إلى زيادة معدل التطعيم بنسبة %36، مقارنةً بالمجموعة الاخرى.

تكتيك فعّال آخر، هو إرسال رسائل تذكير ذات نسق متكرر، أو حتى إجراء المكالمات الهاتفيّة، مما يظهر أثر الجهد المبذول لتحريك الناس الذين يميلون بطبيعة الحال إلى التكاسل، خصوصًا في حال وجود التعقيد الورقي أو الروتين الطويل وكذلك التكلفة العالية.

إن فكرة المواعيد المسبقة والمجدولة، مع حرية إلغاء أو تغيير المواعيد، أعطت نتائج جيدة جدًا في تحسين التقبّل والمطاوعة.

ومن الأمور الجميلة، توفُّر منافذ صحيّة كثيرة لهذه الخدمة؛ ليتسنى للأشخاص البعيدين الحصول عليها في أوقات مرنة صباحيّة ومسائيّة تناسب أعمال الناس وانشغالهم، وكذلك توفير منفعة تحفيزية لمن تلقى اللقاح؛ كتسهيل سفره، وتخفيف الإجراءات الوقائية عنه.

إنَّ حملات التوعية التثقيفيّة المتكررة في شبكات التواصل وأجهزة الاعلام التقليديّة لها دور مهم في مواجهة التضليل الكبير الذي يُمارس من خلال الوسائل نفسها. وقد وُجِد أيضًا أنَّ وضع موعدٍ أقصى لتلقي اللقاح؛ يدفع الجمهور إلى المسارعة في أخذه!

02- الوسط المتحرك:

هم الأشخاص المترددون في الحصول على اللقاح، ولكنهم ليسوا رافضين له بالمطلق. من الحلول المميّزة لهذه الفئة، إعطاؤها تلك الدفعة المطلوبة باتجاه اللقاح، إما بخطة الرسائل والاتصال الخاصة باللقاحات، أو المصادقة الاجتماعية عن طريق التلقيح العلني لقادة ومشاهير وأفراد مرموقين لهم ثقلهم الاجتماعي، ومصداقيتهم العالية، وكذلك الأطباء والعاملين الصحيين، وهؤلاء أدّوا دورًا عظيمًا خلال الجائحة، وكان لهم كل التقدير من معظم أطياف المجتمع على اختلاف نِحله ومشاربه.

في الواقع؛ تبيّن من خلال دراسة كبيرة في عام 2014م بقيادة نيهان أن إبلاغ الآباء بأنه لا توجد بيانات موثوقة تربط التوحد بلقاح الحصبة، والنكاف والحصبة الألمانية، وتقديم حقائق حول المخاطر الحقيقيّة لهذه الأمراض؛ لم يكن له أي تأثير في نيتهم في تطعيم الطفل. وبدلًا من ذلك أدّت هذه الاستراتيجية إلى تقوية الآراء السلبيّة بين أكثر الناس نفورًا من اللقاحات.

وخلصت مثل هذه الدراسات إلى أنَّ الشيء الوحيد الواضح، هو عدم تصحيح المفاهيم الخاطئة؛ لأن الناس يشعرون كأننا نتجاهلهم، وبدلًا من ذلك كان التعاطف مع الأشخاص، وإظهار الاحترام لهم، والاستماع لأفكارهم، ذا فائدة كبيرة في تبديل مواقفهم لاحقًا.

يوفر النشر التدريجي والعلني للقاحات الجديدة الفرصة لجعل التطعيم ضد فيروس كورونا معيارًا جديدًا ومألوفًا بالتقادم، وهو شيء سيفعله الجميع عاجلًا أم آجلًا.

03- الأقلية الرافضة:

إن مناهضي التطعيم المتشدّدين، هم مجموعة صغيرة، وربما لا تستحق القلق أكثر من اللازم. فعلى الرغم من كل الدعاية التي تلقتها حركة مناهضة التطعيم في السنوات الأخيرة، فإن علماء الاجتماع الذين يدرسون رفض اللقاح يقولون: على سبيل المثال، تم إعفاء 2.5% فقط من طلاب رياض الأطفال في الولايات المتحدة من جميع اللقاحات، وفقًا لبيانات مركز مكافحة العدوى لعام 2019م.

قد يجري إقناع المزيد من الجمهور بصياغة رسائل اللقاح بطرائق تتناسب مع قيمهم الأساسيّة، فمثلًا أن تؤكد مثل هذه الرسائل أنه كلما أسرعنا في التلقيح العام، كلما أبكرنا في فتح المطاعم والفنادق والصالات الرياضيّة ودور العبادة، ومن ثم، عودة عجلة الاقتصاد؛ ما يسمح بازدهار الأعمال التجارية. 

هذا النوع من الرسائل سيكون له جاذبيّة واسعة عند شريحة كبيرة من مجموعات الرفض.

Q

المراجع

1- الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية.

2- احصائيات كورونا من جامعة جونز هوبكنز.

3- The Best Evidence for How to Overcome COVID Vaccine Fears 7.1.2021, SCIENTIFIC AMERICAN

4- تعزيز التزام الأفراد بأخذ لقاح كورونا باستخدام مبادئ علم الرؤى السلوكية 2021, هارفرد بزنس ريفيو.

Share This