د. فاطمة الهملان – باحثة بمركز الأبحاث – مستشفى الملك فيصل التخصصي
– 29 مارس 2021م
عندما يكون الإنسان أولاً
احتواء كوفيد-19: الاستجابة الاستباقيّة للمملكة العربية السعودية
يقال: إن الأمراض المعدية لا تعترف بالحدود الجغرافيّة، فعندما تكون هناك دولة ما تواجهه وباءً، فالعالم كله في خطر؛ لذلك تدرك الدول أهمية وجود أنظمة مراقبة، وتيقّظ وخطط استباقيّة؛ لمواجهة الأوبئة بعدما عانى العالم جوائح كثيرة في القرون الثلاثة الماضية، ولعل أشهرها وأكثرها شدّة هي جائحة الانفلونزا الإسبانية في عام 1918م؛ حيث تسببت في وفاة 50 مليون شخص حول العالم.
ويتكرر المشهد أمامنا وسط ذهول واستغراب مع جائحة كوفيد- 19، التي وضعت العالم أجمع أمام محكّ وتحدٍّ صريح في مواجهة هذه الجائحة.
البداية .. من ووهان
عندما ظهر فيروس كورونا «المستجدّ» في مدينة ووهان الصينية في شهر ديسمبر 2019م، بدأت المملكة العربيّة السعوديّة بالتأهب والاستعداد؛ لمواجهة العدوى مستعينة بخبراتها السابقة المكتسبة في مواجهة فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسيّة (MERS-CoV)، الذي بدأ في المملكة في عام 2012م.
عند بداية هذه الجائحة، كانت للمملكة العربية السعودية استجابة استباقيّة وتدابير وقائيّة صارمة للسيطرة على انتشار العدوى، ومواجهة هذه الجائحة، فقد فرضت في شهر فبراير 2020م، وقبل اكتشاف أي حالة في السعودية، منع السفر من الصين وإليها، وإيقاف تأشيرات العمرة والزيارة.
وبدأت بعدها المملكة في التدرج في الإجراءات الاحترازيّة متتبعة مسار انتشار الفيروس، وتصاعد نسبة الإصابة في بعض دول العالم.
إغلاق الحرمين والمساجد
عندما بدأت النسبة ترتفع في الدول الأوربيّة وبعض دول الجوار، ومع اكتشاف أولى الحالات في السعودية في بداية شهر مارس، اتّخذت السلطات سلسلة من القرارات الصارمة غير المسبوقة، وكان من أهمها إغلاق الحرمين الشريفين، والمساجد، والمدارس، والجامعات، وجميع أماكن التجمّعات العامة في خطوة ضروريّة للسيطرة على الوباء وعدم إرهاق النظام الصحي.
نعلم أن المملكة تستقبل سنويًّا أكثر من 14 مليون زائر لأداء فريضة الحج والقيام بالعمرة، ومع ظروف الجائحة أصبح من الضروري أن يتم التحكم في هذه الحشود لمواجهة هذا الوباء، ومنع انتشاره ليس على المستوى المحلي فقط، ولكن حتى على المستوى العالمي كذلك؛ لأن أماكن التجمعات قد تكون بؤرة للعدوى يصعب التحكم بها. وهذا ما حدث في بعض الدول الإسلامية والغربية عند بداية الجائحة؛ إذ لم يغلق كثير منها دور العبادة إلا بعد ارتفاع الحالات إلى أعداد كبيرة جدًا، حتى كان لذلك أثر في انهيار النظام الصحي في بعض تلك الدول.
وهذا الوقع جعل العالم ينظر بتقدير عالٍ إلى الإجراءات الاستباقيّة وغير المسبوقة التي قامت بها المملكة، ورآها كثيرون نموذجًا يُحتذى، فأشادت منظمة الصحة العالمية بدور المملكة في الاستجابة السريعة، وفي وقت قياسي للسيطرة على الحشود؛ لمنع انتشار العدوى وخفض العبء الاقتصادي والصحي عند بدء الجائحة.
كان لخطوة المملكة دور كبير في حفظ الأرواح، ورفع جاهزيّة النظام الصحي وزيادة طاقته الاستيعابيّة لمواجهة الجائحة.
كما عالجت المملكة شح مستلزمات الوقاية الطبيّة الأساسيّة من كمامات وقفازات لحماية الفرق الطبية من العدوى، بافتتاح مصانع لبعض المنتجات الطبيّة، وزيادة طاقتها الاستيعابيّة، فلم يشعر الفريق الصحي ولا المواطنون بأي نقص في مستلزمات الوقاية، وهذا ما حقق نجاحًا للمملكة؛ لتواجه الأزمة بكل اقتدار.


تناغم وتكامل
شهدت المملكة عام 2020م تناغمًا وتكاملًا بين القطاعات المعنيّة المختلفة والمواطنين، فقدمت الدولة الدعم السخي للنظام الصحي، وعالجت الاختلالات الاقتصاديّة، ورفعت العبء عن المواطنين بصور كثيرة، وكفلت الحكومة العلاج والفحوصات واللقاحات للمواطن والمقيم والمخالف لأنظمة الهجرة على حدّ سواء.
كما بادرت المملكة ودعمت المنظمات الدوليّة التخصّصية لمواجهة هذه الجائحة لتقدّم رسالة واضحة للعالم أن «صحة الإنسان وسلامته أولًا».
وتجاوب المواطنون والمقيمون مع كل الإجراءات التي اتّخذتها الدولة، فكانوا عونًا في نجاح خططها.
ونحتاج اليوم إلى استمرار هذا التجاوب، والتزام الإجراءات الاحترازيّة الكفيلة بخفض الأخطار، وخصوصًا مع توقع موجات جديدة قد تكون أكثر شراسة وفتكًا.
العالم في مواجهة الجائحة
عندما أتّحد العالم في مواجهة كوفيد، وعندما شاركت الصين التسلسل الجيني للفيروس مع المجتمع العلمي في منتصف شهر ديسمبر 2019م، أسهم ذلك، وبشكل أساسي، في دعم عجلة البحث والابتكار والتطوير سواء على مستوى الفحوصات التشخيصيّة، أو الأدوية أو اللقاحات في كل بلدان العالم.
وقد نجح العلماء في إنتاج لقاحات في أقل من تسعة أشهر لأول مرة في تاريخ البشرية، بينما المعلوم أن دورة إتتاج اللقاح تستغرق سنوات إن لم تكن عقودًا، ولكن نتيجة اتّحاد الجهود وتحالف الشركات ودعم الحكومات وصرف مليارات الدولارات على البحث والتطوير، جرى إنتاج اللقاحات في وقت قياسي لم يؤثر في مأمونية اللقاح ولا فاعليته، إذ اجتاز جميع مراحل البحث العلمي والدراسات السريريّة.
وشهد العالم حراكًا علميًا كبيرًا في كل الدول، وأول مرة على مستوى العالم، نرى تسابقًا في تطوير اللقاحات حتى أصبح هناك عدد كبير منها.
وكانت إدارة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية قد أعلنت في شهر يونيو ٢٠٢٠م، وعند بداية الجائحة، عن استعدادها لقبول أي لقاح اَمن وفعاليته تفوق الخمسين بالمئة؛ ليجري استخدامه في حالة الطوارئ، ولكن فاجأت شركة فايزر-بايونتك ومودرينا العالم بإنتاج لقاح تفوق نسبة فعاليته التسعين بالمئة.
لقد تعلمنا
ومع ذلك، ومع استمرار خطر هذا الوباء وفقدان السيطرة عليه في بعض دول العالم، جرى اعتماد بعض اللقاحات التي تكون نسبة فعاليتها أقل، ولكنها مقبولة علميًّا للسيطرة على الوباء، وكسر دائرة العدوى.
لابدّ أن نعرف أن هذه الجائحة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة؛ لذا ينبغي أن نستفيد من الدروس التي مررنا بها، ونكون مستعدين لمواجهة المقبل، وقد تعلمنا من هذه الجائحة أهمية الاستثمار في البحث العلمي والابتكار وشركات التقنيّة، وأهميّة توطين الصناعات للوصول إلى الاكتفاء الذاتي، وأهمية وجود نظام مراقبة نشط لمتابعة الأمراض المعدية والتنبؤ الوبائي.
جولة ومعلومات
قامت «الفيصل العلميّة» بجولة في مركز تلقي اللقاحات في مركز الرياض الدولي للمعارض، وهو أحد أكبر المراكز المتنقلة، ويخدم أكثر من 10 آلاف مستفيد في اليوم الواحد، ويمثل نموذجًا لما توليه المملكة من اهتمام لمواجهة الجائحة في كل مراحلها.


بدأ التشجيع على أخذ اللقاح يأخذ منحنًى متسارعًا عندما تقدم وزير الصحة لأخذ اللقاح، وحقق التسجيل رقمًا قياسيًا بعد أخذ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان اللقاح.
كانت وزارة الصحة قد أعلنت عن البدء في التسجيل للقاح في منتصف بداية ديسمبر عبر تطبيق صحتي، وللممارسين الصحيين تسجيلهم الخاص عبر تطبيق أناة.
وصل عدد من تلقوا التطعيم في العيادة الواحدة مع انطلاقة الحملة إلى 140 شخصًا في اليوم الواحد، أي ما يقارب من قدرة استيعابية لتطعيم أكثر من سبعين ألف شخص يوميًّا.
شمل المركز في بدايته 550 عيادة و1100 ممارس صحي وعشرات الموظفين للاستقبال من الساعة الثامنة صباحًا حتى الساعة 12 ليلاً، ثم أصبحت على مدار اليوم.
تمرّ عملية التطعيم بمراحل سلسة مع إرشادات ترحيبيه واضحة، بعد الوصول إلى المواقف يتوجه الشخص إلى البوابة، وهناك مرشدون يرحبون به على طول الممرات، ليدخل إلى الاستقبال الرئيس حيث يجري التسجيل الإلكتروني الأول، بعد ذلك، يأخذ الزائر رقمًا ولونًا معيّنًا لإرشاده للعيادة المخصصة له.
أُجريت على اللقاح تجربتان رئيسيتان في المانيا وأمريكا، وتمت تجربة اللقاح على 44 ألف شخص من مختلف دول العالم.
نشرت هيئة الغذاء والدواء السعودية تقريرها المفصّل باللغة الإنجليزيّة على موقعها فيما يتعلق بهذا اللقاح ومأمونيته والاختبارات التي أجريت عليه لتأكيد فعاليته.
كان اللقاح المتوافر في مركز اللقاحات هو لقاح شركة فايزر بالتعاون مع شركة بيونتيك الطبية، وهو أول لقاح حصل على الموافقة من هيئة الغذاء والدواء السعوديّة.
قال السفير الأمريكي في الرياض جون أبو زيد، في مقابلة بعد أخذ الجرعة الثانية: «في هذا الأمر، يجب أن نتعلم منكم، لو كان هناك مكان مثالي يمكن أن أكون فيه في أثناء الجائحة ستكون السعودية هي خياري».
بادرت الوزارة مع هيئة الذكاء الاصطناعي (سدايا) باستحداث الجواز الصحي الذي يمنح للشخص بعد ثوانٍ معدودة من أخذ الجرعة الثانية، ويظهر في تطبيق «توكلنا»على الجوالات.
الأولوية للتطعيم بحسب ووزارة الصحة كانت لمن يزيد عمرهم على 65 عاماً، وللممارسين الصحيّين، وأصحاب الأمراض المزمنة، وتتغبّر الأولويّة في كل مرحلة لتشمل فئات جديدة.
بعد أخذ اللقاح يتم توجيه الشخص إلى منطقة الاستراحة للانتظار 15 دقيقة قبل الخروج، مصحوبًا بأمنيات العافية، مع وردة.
ضجّت شبكات التواصل الاجتماعي بتعليقات للإشادة بجودة التنظيم الذي قامت به وزارة الصحة السعودية فيما يتعلق بالتطعيمات، ابتداءً بالتعاقد المبكر مع الشركات المصنّعة لتكون من أوائل الدول في الحصول عليها، مرورًا بآليات التسجيل، واتباع سياسات عادلة لأولوية التطعيم، وانتهاءً بمراكز التطعيم المتطوّرة، والآخذة بالتوسع، وقد توزعت اليوم في كل أنحاء المملكة، وشملت كل المدن والقرى.
جولة ومعلومات
قامت «الفيصل العلميّة» بجولة في مركز تلقي اللقاحات في مركز الرياض الدولي للمعارض، وهو أحد أكبر المراكز المتنقلة، ويخدم أكثر من 10 آلاف مستفيد في اليوم الواحد، ويمثل نموذجًا لما توليه المملكة من اهتمام لمواجهة الجائحة في كل مراحلها.


شمل المركز في بدايته 550 عيادة و1100 ممارس صحي وعشرات الموظفين للاستقبال من الساعة الثامنة صباحًا حتى الساعة 12 ليلاً، ثم أصبحت على مدار اليوم.
وصل عدد من تلقوا التطعيم في العيادة الواحدة مع انطلاقة الحملة إلى 140 شخصًا في اليوم الواحد، أي ما يقارب من قدرة استيعابية لتطعيم أكثر من سبعين ألف شخص يوميًّا.
كانت وزارة الصحة قد أعلنت عن البدء في التسجيل للقاح في منتصف بداية ديسمبر عبر تطبيق صحتي، وللممارسين الصحيين تسجيلهم الخاص عبر تطبيق أناة.
بدأ التشجيع على أخذ اللقاح يأخذ منحنًى متسارعًا عندما تقدم وزير الصحة لأخذ اللقاح، وحقق التسجيل رقمًا قياسيًا بعد أخذ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان اللقاح.
كان اللقاح المتوافر في مركز اللقاحات هو لقاح شركة فايزر بالتعاون مع شركة بيونتيك الطبية، وهو أول لقاح حصل على الموافقة من هيئة الغذاء والدواء السعوديّة.
نشرت هيئة الغذاء والدواء السعودية تقريرها المفصّل باللغة الإنجليزيّة على موقعها فيما يتعلق بهذا اللقاح ومأمونيته والاختبارات التي أجريت عليه لتأكيد فعاليته.
أُجريت على اللقاح تجربتان رئيسيتان في المانيا وأمريكا، وتمت تجربة اللقاح على 44 ألف شخص من مختلف دول العالم.
تمرّ عملية التطعيم بمراحل سلسة مع إرشادات ترحيبيه واضحة، بعد الوصول إلى المواقف يتوجه الشخص إلى البوابة، وهناك مرشدون يرحبون به على طول الممرات، ليدخل إلى الاستقبال الرئيس حيث يجري التسجيل الإلكتروني الأول، بعد ذلك، يأخذ الزائر رقمًا ولونًا معيّنًا لإرشاده للعيادة المخصصة له.
بعد أخذ اللقاح يتم توجيه الشخص إلى منطقة الاستراحة للانتظار 15 دقيقة قبل الخروج، مصحوبًا بأمنيات العافية، مع وردة.
الأولوية للتطعيم بحسب ووزارة الصحة كانت لمن يزيد عمرهم على 65 عاماً، وللممارسين الصحيّين، وأصحاب الأمراض المزمنة، وتتغبّر الأولويّة في كل مرحلة لتشمل فئات جديدة.
بادرت الوزارة مع هيئة الذكاء الاصطناعي (سدايا) باستحداث الجواز الصحي الذي يمنح للشخص بعد ثوانٍ معدودة من أخذ الجرعة الثانية، ويظهر في تطبيق «توكلنا»على الجوالات.
قال السفير الأمريكي في الرياض جون أبو زيد، في مقابلة بعد أخذ الجرعة الثانية: «في هذا الأمر، يجب أن نتعلم منكم، لو كان هناك مكان مثالي يمكن أن أكون فيه في أثناء الجائحة ستكون السعودية هي خياري».
ضجّت شبكات التواصل الاجتماعي بتعليقات للإشادة بجودة التنظيم الذي قامت به وزارة الصحة السعودية فيما يتعلق بالتطعيمات، ابتداءً بالتعاقد المبكر مع الشركات المصنّعة لتكون من أوائل الدول في الحصول عليها، مرورًا بآليات التسجيل، واتباع سياسات عادلة لأولوية التطعيم، وانتهاءً بمراكز التطعيم المتطوّرة، والآخذة بالتوسع، وقد توزعت اليوم في كل أنحاء المملكة، وشملت كل المدن والقرى.