‬د‭. ‬دحام‭ ‬العاني‭- ‬باحث
29 مارس 2021م

قرن‭ ‬على‭ ‬مقال‭ ‬عن‭ ‬التطعيم‭ ‬والتلقيح‭

ويبرز من تصفح الصحف العامة أو العلمية المتخصّصة منذ أكثر من قرن أن تناول الموضوعات العلميّة عمومًا تتسم بالعمق والسلاسة، والتركيز في إيصال المعلومة للقارئ غير المتخصّص.

وتعدُّ مجلة المقتطف أقدم مجلة عربية تهتمّ بالعلوم، وقد صدر عددها الأول في الشام في 1876م، ولكن انتظام صدورها كان في 1888م في القاهرة، وصاحباها هما يعقوب صروف وفارس نمر، وانضمّ إليها الشقيقان إبراهيم وخليل اليازجي.

وظلّت المجلة تصدر حتى عام 1952م، وكانت تصف نفسها أنها مجلة علمية صناعية زراعية.

في العدد الصادر في الأول من مارس 1921م، أي منذ قرن أفردت مجلة المقتطف مقالًا بعنوان « التطعيم أو التلقيح في الطب»، وجاء في مفتتح المقال:

«ما من أحد من قراء المقتطف إلا وهو يعلم أن التطعيم أو التلقيح يستعمل للوقاية من الجدري، وأن أمراضًا أخرى صارت تعالج الآن بالتطعيم أو التلقيح، إما للوقاية منها قبل الإصابة بها أو لشفائها بعد الإصابة، ولكن قلَّ منهم من يعلم كيف يفعل الطعم أو اللقاح حتى يقي الجسم من المرض أو يشفيه منه، فرأينا أن نشرح ذلك شرحًا يوضح هذا الموضوع لغير الأطباء».

وبعد توضيح أن المقال موجه إلى غير الأطباء يبدأ في شرح كيفية اكتساب الجسم المناعة:

«لقد ثبت بالبحث والامتحان أن لأكثر الأمراض جراثيم حيّة تدخل الجسم وتمرضُه، ولكن الجسم يتحفز لمقاومتها، ويكوِّن مواد يراد بها أن تميتها، وقد أطلق على هذه المواد اسم المضادات anti-bodies، وإذا أنقذت الجسم، فإن بعضها يبقى في الدم زمنًا قد يبلغ سنوات عديدة، وهذا هو السبب في أن بعض الأمراض يصاب به الإنسان مرة واحدة؛ لأن هذه المضادات التي أنقذته في النوبة الأولى تبقى في جسمه، فتعجز جراثيم ذلك المرض عن الفعل به مرة أخرى».

وإذا أخذنا جانبًا من مصل دمه ولقحنا به إنسانًا آخر معرضًا لهذا المرض؛ فإن المضادات التي في هذا المصل تقي هذا الإنسان كما وقت الأول، على شرط أن تكون كثيرة في ذلك المصل».

ويشرح المقال كيفية الحصول على أمصال لعلاج الإنسان من بعض الجراثيم، وكيفية تكوين الجسم وقاية من خلال التعرض للجراثيم الممرضة نفسها:

«وعلى هذا النمط يمكن أن نولّد في دم حيوان من الحيوانات مقدارًا كبيرًا من هذه المضادات حتى إذا لقحنا بمصل دمه إنسانًا وقاه من جراثيم المرض الذى يولّد هذه المضادات، أو شفاه منها، ويمكن حفظ هذا المصل في زجاجة نظيفة إلى حين الحاجة إليه، ويطلق على هذا النوع من العلاج اسم العلاج المصلي، ولكن الوقاية المترتبة على هذا العلاج قصيرة المدة، فإذا استطعنا أن ندخل جراثيم المرض نفسها في جسم الإنسان فإنها تحمله على وقاية نفسه بتكوين هذه المضادات فيكونها، ويقاوم بها الجراثيم المرضية التي دخلته».

ويشرح المقال معنى التلقيح أو التطعيم وطرائقه:

«لكن هذه المقاومة لا تكون سريعة هنا، كما تكون إذا أُدخلت المضادات في الجسم بواسطة المصل، إذ يلزم أن تمضي مدة قبلما تتمكّن من توليد المضادات.

وعليه، فالتلقيح أو التطعيم طريقة لإدخال سائل فيه شيء من المكروبات المرض إلى الجسم، الذي أُصيب به أو الذي يُراد وقايته منه. وإدخالها يكون إما تحت الجلد أو بين العضلات، أو في الأوردة، فإذا كان في الأوردة انتشرت مكروباتها في الجسم كله بواسطة الدم، لكن هذه الطريقة قليلة الاستعمال، وأكثر الطرق استعمالاً الأولى. وهناك طريقة رابعة، وهي إيصال مكروبات المرض إلى القناة الهضميّة، إما عن طريق الفم، أو على طريق المستقيم.

ولا بدَّ أن يكون اللقاح بمقادير محدودة. وكل مقدار منها تتوقف قوته على عدد ما فيه من المكروبات».

Share This