إقبال محمد – مترجمة – 29 مارس 2021م
لاستخدام الرنا المرسال لإنتاج اللقاحات.. قصة
أوغور شاهين (طبيب مناعة في جامعة ماينز بألمانيا) وزوجته أوزليم توريشي (عالمة مناعة بالجامعة نفسها)
في عام 1961م جرى اكتشاف الرنا (الحمض النووي الريبوزي) المرسال (Messenger Ribonuclic Acid (mRNA، ودوره في عملية الاستقلاب في الخليّة، ومثّل هذا اكتشافًا علميًّا كبيرًا وقتها أنجزه عالم الأحياء البيولوجية سيدني برينر في جامعة كامبريدج، وقد نال جائزة الملك فيصل في الطب عام 1992م، ثم جائزة نوبل في الطب عام 2002م عن هذا الاكتشاف.
يحتوي الجسم على عشرات الآلاف من البروتينات التي كان العلماء يعرفون أنها تُنتج بطريقة معيّنة عبر ترجمة المعلومات الموجودة في الحمض النووي (DNA)، وكان الرنا المرسال، هو حلقة الوصل الخفيّة التي كللتها الأبحاث بالطريقة التي تنتج بها الخلايا البروتينات الكثيرة في الجسم.
الرنا المرسال حلٌّ يواجه مصاعب
لعقود متعددة، اعتقد العلماء أنهم قادرون على حقن الجسم بالرنا المرسال ليدخل الخليّة، وينتج أي بروتين ينقص الجسم، ويحلّ بذلك مجموعة كبيرة من المشكلات والأمراض، ولكن ذلك الأمر كان لا يخلو من مصاعب، فبعد حقن الجسم بالرنا المرسال يبدأ الجسم بمهاجمته، ويسبب حساسيّة شديدة، ويقوم بتكسيره ولا تعود له فائدة تُذكر.
ظلّت هذه المعضلة عتيدة وغير قابلة للاختراق حتى عام 2005م، حينما قامت العالمة الهنغارية المهاجرة إلى أمريكا كاتالين كاريكو، بعد جهود 15 سنة، بإحراز تقدم علمي في هذا الشأن بفضل أبحاثها في جامعة بنسلفانيا، عبر استبدال أحد مكونات الرنا المرسال، مما أبطل مهاجمة الجهاز المناعي له.
كان هذا البحث فتحًا علميًّا جعله تحت مجهر العلماء، بأنه من الممكن حلّ كثير من الأمراض، وإنتاج كمية من الأدوية واللقاحات عبر هذه الطريقة.
بعد فترة بسيطة تم إنشاء شركتين مختصتين بالرنا المرسال، الأولى اسمها بيونتيك (BionTECH) في ألمانيا، والثانية في الولايات المتحدة الأمريكية واسمها موديرنا (Moderna).
تركيان يتلقفان الفكرة
لفت بحث العالمة الهنغارية انتباه باحثين تركيين مهاجرين إلى ألمانيا، هما أوغور شاهين (طبيب مناعة في جامعة ماينز بألمانيا) وزوجته أوزليم توريشي (عالمة مناعة بالجامعة نفسها) وقد تزوجا في التسعينيات، ويقال إنهما قضيا جزءًا من يوم زفافهما في المعمل لحبهما الشديد لعملهما.
بعد أن لفت البحث انتباههما قاما بعرض فكرة إنشاء شركة مختصّة لإنتاج لقاحات لمحاربة السرطان باستخدام الرنا المرسال على مجموعة من المستثمرين، وتكلل ذلك بإنشاء شركة بيونتيك عام 2008م، التي اشتهرت مؤخرًا في وقت جائحة كوفيد19-.
ظلّت هذه الشركة في الظل سنوات طويلة، حتى قاموا بتعيين العالمة الهنغارية كاريكو نائبة رئيسة للشركة للإسراع في تطوير 13 علاجًا محتملاً لمجموعة مختلفة من الأمراض.
وقبل سنتين، وتحديدًا في عام 2018م، تعاونوا مع شركة فايزر لإنتاج لقاح للإنفلونزا الموسميّة عبر تقنية الرنا المرسال، وقد تطوّر هذا التعاون مع الشركة وامتد عام 2020م لإنتاج لقاح لفيروس كورونا.
مباشرة، وبعد ظهور جائحة كوفيد19– في شهر يناير 2020م، جرى الاتفاق مع شركة فايزر للإسراع في عملية إيجاد اللقاح بأفضل طريقة ممكنة، وتكلل ذلك بالنجاح في شهر نوفمبر عندما أُعلن عن الانتهاء من الأبحاث السريرية الضروريّة بنسبة نجاح جاوزت الـ90%.

موديرنا.. من الجذعية إلى كورونا
على صعيد آخر، وفي عام 2010م، أُسست شركة أمريكية قائمة على التقنية نفسها عبر العالم ديريك روسي في جامعة ستانفورد، إلا أن روسي لم يكن مهتمًا بإنتاج اللقاحات أو البروتينات، ولكنَّ همه الشاغل كان استخدام هذه التقنية لإنتاج الخلايا الجذعيّة، أي استخدام الرنا المرسال لتحويل الخلية من خلية عاديّة إلى خلية جذعيّة، وقد نجح في ذلك، وعرض هذه الفكرة على سبرينجر، وهو أستاذ في كلية الطب في جامعة هارفارد، الذي عرضها بدوره على العالم ورائد الأعمال لانجر في معهد ماساتشوستس للتقنية.
بعد إنشاء الشركة في عام 2010م سُميت بشركة موديرنا في عام 2012م، وعُيّن ستيفان باكال مديرًا لها.
عندما بدأت الجائحة، قررت الشركة إنتاج اللقاح بسرعة بهذه التقنية من دون تردد، وركز موظفوها البالغ عددهم 800 موظف على هذا المنتج، عبر دعم من الحكومة الأمريكية – التي وعدت بشراء 100 مليون جرعة- بأكثر من ملياري دولار أمريكي للشركة مقدمًا.
خلال يومين فقط جرى تحديد البروتين المناسب للرنا المرسال، وتسلسله الجيني، وبعد 42 يومًا، أي في شهر فبراير 2020م، كانت مئات من الجرعات قد أُنتجت من الشركة وجاهزة للتجارب السريرية على البشر.
جُربت في البداية على ثمانية أشخاص، وأُعلن النجاح في شهر مايو، وفي شهر يوليو من العام نفسه، جرى إعلان النجاح على مجموعة أكبر من المتبرعين.
إن شركتي بيونتيك وموديرنا تتشاركان التقنية نفسها، إلا أن منتجاتهما تختلف من ناحية التقنية النانونية المستخدمة في تغليف الرنا المرسال، وكانت الشركتان قد أعلنتا في شهر نوفمبر نجاح اللقاحين، وأنهما جاهزان للاستخدام الموسع، ومحاربة الجائحة، في نصر علمي يُسجل لهما، من ناحيتي السرعة والدقة.