د.حمود الموسى – استشاري أمراض الحساسيّة والمناعة – 29 مارس 2021م
لقاح الأنفلونزا
بين حقيقة الخطر والجدوى الصحيّة في زمن كورونا
أعراض ومضاعفات
تظهر أعراض الأنفلونزا على شكل نزلات برد، وانسداد بالأنف مصحوب بسعال والتهاب في الحلق. تزول هذه الأعراض عند أغلب المصابين خلال بضعة أيام من تلقاء نفسها؛ نتيجة استجابة الجهاز المناعي.
تكمن إشكالية هذا المرض في حدوث مضاعفات لدى بعض المرضى كالتهاب الرئتين والشعب الهوائية. هناك مجموعات محددة أكثر عرضة للمضاعفات وتشمل المسنين، والمرضى الذين يعانون أمراضًا مزمنة في الجهاز التنفسي والربو، ومرضى القلب، والكلى، والسكري، والمرضى الذين يعانون من نقص خلقي أو مكتسب في الجهاز المناعي.
تنتشر الأنفلونزا في جميع أنحاء العالم سنويًّا لتصيب من ثلاثة إلى خمسة ملايين إنسان، وتؤدي إلى وفاة ما يقارب 290 ألفًا إلى 650 ألف شخص. تُظهر الدراسات العلميّة أن في كل عام يُصاب 15–45 ٪ من الأطفال، وأن معظمهم قد أصيب بفيروس الأنفلونزا مرة واحدة على الأقل بحلول السنة السادسة من العمر.
هذا العدد الهائل من المصابين يثقل كاهل القطاع الصحي، إذ يحتاج نحو 870 ألف طفل تقلّ أعمارهم عن 5 سنوات إلى العناية في المستشفيات كل عام في جميع أنحاء العالم بسبب الأنفلونزا.
جائحات أنفلونزا
تشير التقديرات إلى أن ما بين 28 ألفًا ونحو 112 ألف طفل يموتون سنويًّا بفعل أسباب مرتبطة بأعراض ومضاعفات المرض. حسب منظمة الصحة العالميّة، حدثت 10 جائحات أنفلونزا عالميّة خلال القرون الثلاثة الأخيرة، بينها ما عُرف باسم الأنفلونزا الإسبانية بين عامي 1918–1919م، ويعتقد أن تلك الجائحة قد سببت وفاة من 20 مليونًا إلى 50 مليون إنسان في العالم.


أصناف ولقاحات
تنقسم الأنفلونزا إلى ثلاثة أصناف من الفيروسات، هي (أ) و(ب)، وهما المسببان لعدوى الأنفلونزا الموسمية، بينما فيروس (سي) هو المسبب للعدوى خلال السنة.
أثبتت اللقاحات فاعلية كبيرة للوقاية من كثير من الآفات والأمراض التي كانت تفتك بالبشر؛ ولهذا، فإن لقاح الأنفلونزا، هو الطريقة الأكثر فاعلية للوقاية منه.
جرى تطوير اللقاح مباشرة بعد عزل فيروس الأنفلونزا في عام 1933م، ثم بدأ استخدام لقاح الأنفلونزا كلقاح حي ضعيف أحادي يحتوي على الفيروس (أ) فقط.
وخلال العقود الماضية، تطوّر اللقاح من ناحية التصنيع، والنوع وتغطيّة السلالات. أنشأت منظمة الصحة العالميّة (WHO) نظامًا للتنبؤ بالأنماط المصلية للفيروس التي يتم تداولها خلال كل عام من خلال نظام مراقبة يشمل 110 مختبرات في 79 دولة، وأربعة مراكز مرجعية في كل من لندن، وأتلانتا، وطوكيو، وملبورن مسؤولة عن تحديد نوع اللقاح الموسمي للأنفلونزا في كل نصف من الكرة الأرضية.
وفي الوقت الحالي يتوفَّر نوعان من لقاح الأنفلونزا السنوي للحماية ضد ثلاثة أو أربعة من فيروسات الأنفلونزا:
النوع الأول من لقاحي الأنفلونزا، هو اللقاح الثلاثي Trivalent vaccine ، وهو عبارة عن 3 سلالات تُعدّ الأكثر انتشارًا، والأكثر تأثيرًا لكل موسم حسب ما توصلت إليه منظمة الصحة العالميّة، وهي H1N1, H3N2 من النوع(أ)وسلالة واحدة من النوع (ب).
أما النوع الثاني من لقاح الأنفلونزا، فهو اللقاح الرباعي، ويتضمن 4 سلالات، وهي السلالات الثلاث نفسها الموجودة في اللقاح الثلاثي، إضافة إلى سلالة رابعة من النوع (ب).
يُستخدم كلا اللقاحين للوقاية من فيروس الأنفلونزا للأطفال والكبار حيث يُعطى بدايةً من سن 6 أشهر، ويتحدّد عدد الجرعات وحجمها بناءً على عمر الطفل المتلقي للقاح. ويصل تكوين المناعة عقب أخذ اللقاح بعد نحو 14 يومًا من التطعيم، وقد يقي بنسبة 60% من حالات العدوى، ولكنْ، قد تختلف فاعليته من عام إلى آخر حسب نوع سلالات الأنفلونزا المنتشرة، ومدى تطابقها مع اللقاح.


أهميّة التطعيم السنوي
يُنصح بالحصول على اللقاح كل عام، إذ أشارت الدراسات الحديثة إلى عدم وجود دليل قوي على تمدُّد الحماية لأكثر من موسم أنفلونزا واحد. ويبدو أن فاعلية اللقاح لا تتضاءل مع التطعيمات المتكررة، ولكنْ تختلف من موسم إلى آخر، حسب الفئة العمريّة، وتاريخ التطعيم، والبلد.
توصي منظمة الصحة العالمية بالتطعيم السنوي، وإعطاء الأولويّة للمجموعات المعرّضة للخطر، بما في ذلك النساء الحوامل والأطفال دون سن الخامسة وكبار السن، الذين يعانون ظروفًا صحيّة أساسيّة.
علاوة على ذلك، هناك أمور قد تزيد من خطر الإصابة بمضاعفات الأنفلونزا، مثل الحالات الطبيّة المزمنة، ومن الأمثلة على ذلك: الربو، ومرض السرطان وعلاجه، وداء الانسداد الرئوي المزمن (COPD)، والتليف الكيسي، والسكري، وفيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، ونقص المناعة الخلقي، وأمراض الكلى أو الكبد والسمنة.
مردود صحي واقتصادي
لقاح الأنفلونزا من اللقاحات الآمنة جدًّا، وقد تحدث بعض الأعراض الجانبيّة، ومنها: الاحمرار، والانتفاخ، وارتفاع الحرارة، وآلام العضلات، وتظهر لدى أقلّ من ثلث متلقِّي التطعيم بعد 6-12 ساعة من حقن المُركَّب، وتستمر مدّة يوم أو يومين.
يتساءل بعضنا عن مدى فاعلية اللقاح، حيث يعاني بعض من تلقوا اللقاح من أعراض مشابهة للأنفلونزا خلال السنة، وقد يكون سبب ذلك عدم تطابق فيروسات الأنفلونزا المستخدمة في اللقاح مع الفيروسات المنتشرة في بعض المواسم.
كما أن هناك كثيرًا من الأمراض الأخرى التي تسبب أيضًا أعراضًا مشابهة للأنفلونزا، ومنها الزكام الذي تسببه فيروسات أخرى.
تهدف الهيئات الصحيّة في الدول المتقدّمة إلى توسيع برنامج لقاح الأنفلونزا الموسميّة ليشمل الجميع بهدف الحدِّ من تأثير الأنفلونزا في الصحة العامة من خلال توفير الحماية المباشرة، وخفض معدلات العدوى، ما يؤدي الى تجنُّب كثير من حالات الأنفلونزا الحادة، والوفيات المرتبطة بها لدى كبار السن، والأشخاص الذين يعانون عوامل الخطر السريريّة.
ومن منظور اقتصادي، تبيّن أن لقاح الأنفلونزا مُجدٍ اقتصاديًّا من خلال تقليل تكلفة العناية الصحيّة بالمرضى المصابين. ومن هذا المنطلق، تسعى وزارة الصحة في المملكة العربية السعودية جاهدةً إلى توفير اللقاح مجانًا للمواطنين والمقيمين في الدولة.


لقاح الأنفلونزا يدعم لقاح كورونا
خلال عام 2020م تعرض العالم لجائحة كوفيد- 19؛ وهو مرض معد يسببه فيروس آخر من سلالات فيروس كورونا، وله أعراض مشابهة لمرض الأنفلونزا السنوية، فالمصاب قد يعاني احتقانًا في الأنف، وصداعًا، والتهابًا في الحلق، وسعالًا، وارتفاعًا في الحرارة؛ وهذا ما يصعب تمييز الأعراض من فيروس الأنفلونزا.
هذا الجائحة شكّلت عبئًا شديدًا على القطاع الصحي من ناحية توفير الأَسِرَّة، والعناية المركّزة في المستشفيات؛ ولهذا توصي منظمة الصحة العالميّة الجميع بأخذ لقاح الأنفلونزا.