بروتينات‭ ‬التطابق‭ ‬النسيجي

أو‭ ‬معرفات‭ ‬كريات‭ ‬الدم‭ ‬البيضاء

أ‭.‬د. ‬علي‭ ‬حجير‭    ‬أمراض‭ ‬المناعة‭  ‬–‭ ‬جامعة‭ ‬الملك‭ ‬سعود‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬للعلوم‭ ‬الصحية‭ ‬–‭ ‬السعودية

يحتوي جسم الانسان على نوعين من بروتينات التطابق النسيجي النوع الأول (شكل 1) يتكون من ثلاثة بروتينات (HLA-A, B & C)، والنوع الثاني (شكل 2) يتكون من (HLA-DR, DQ & DP).

النوع الاول

ويتكون من سلسة ألفا والتي تأتي من مورثة على كروموسوم 6 ومن سلسلة داعمة تسمى «بيتا 2 مايكروجلوبيولين» وهي تأتي من مورثة موجودة على كروموسوم 15.

دور النوع الأول

يوجد هذا النوع على سطح كل الخلايا وكذلك على سطح الصفائح الدموية.  ومهمة هذا النوع هو مراقبة أي تغير حاصل داخل الخلايا وإبلاغ الجهاز المناعي بوجود الخطر.  هذا الخطر يكون على شكل تغير سرطاني أو فيروس ينقسم داخل الخلية أو أي خطر يهدد الجسم.  يقوم النوع الأول بتقديم أجزاء من بروتينات السرطان أو بروتينات الفيروسات إلى الخلايا اللمفاوية القاتلة من نوع (ت) المحتوية على مستقبلات «سي دي 8».  تقوم الخلايا القاتلة بتدمير الخلايا السرطانية أو الخلايا المصابة بالفيروس (صورة 1).  وهذا لا يمكن أن يحصل بدون تقديم أجزاء من البروتينات الغريبة بواسطة بروتينات التطابق النسيجي النوع الأول.

كيف يتكاثر السرطان بوجود هذه الآلية من الخلايا القاتلة؟

وجود الخلايا السرطانية وبقائُها في الجسم هي معركة كر وفر مع جهاز المناعة.  مع العلم أن جسمنا يكوّن خلايا سرطانية باستمرار نتيجة لاستنشاق الدخان والمواد الملوثة وغيرها، ولكنّ الجسم السليم ذا المناعة الطبيعية يتغلب على هذه الخلايا باستمرار.  إذن كيف يتغلب السرطان؟ هناك عدة آليات تستخدمها الخلايا السرطانية لتتجنب التعرف عليها من قبل الخلايا المناعية، منها مثلًا منع النوع الأول من بروتينات التطابق النسيجي من الخروج لسطح الخلايا السرطانية وكذلك تحفيز ظهور بروتينات تثبيط الخلايا المناعية من التعرف على الخلايا السرطانية وغيرها. وهذا الباب يحتاج إلى شرح أوفر في مقال ثانٍ.

دور النوع الثاني

تتكون مستقبلات النوع الثاني من سلستي بروتينات ألفا وبيتا تعملان معا لتقديم أجزاء من بروتينات غريبة عن الجسم لتعرف خلايا (ت) اللمفاوية المساعدة بها وتنشيطها. وتأتي سلسلتا ألفا وبيتا من مورثتين على كروموسوم 6.  يوجد هذا النوع من مستقبلات التطابق النسيجي (صورة 2) على سطح الخلايا المقدمة للمستضد المتخصصة أو (Professional Antigen Presenting Cells).

ويقوم هذا النوع بتقديم أجزاء من بروتينات فيروسات أو بكتيريا أو أي بروتين غريب بلعته الخلايا المقدمة للمستضد إلى الخلايا اللمفاوية حاملة المستقبلات نوع «سي دي 4» وهي خلايا ليمفاوية مساعدة تعمل كمنظم لكل جهاز المناعة وتساعد الخلايا المقدمة للمستضد المتخصصة على هضم أي جرثومة وتقطيعها وكذلك تساعد الخلايا اللمفاوية نوع (ب) لإفراز الأجسام المضادة التي تحارب الجراثيم وتفتك بها.

تنوع بروتينات التطابق النسيجي 

يوجد أنواع عديدة من كل واحد من بروتينات التطابق النسيجي وأكثر هذا التنوع موجود في بروتينات النوع الأول (HLAB).

فوائد تنوع بروتينات التطابق النسيجي

خلق الله هذه البروتينات لتساعد مناعة الجسم على التعرف على ما هو غريب عنه فكل واحد منا يرث مجموعة من هذه البروتينات من أمه ومجموعة مماثلة من أبيه وهذا يعني إن كل شخص عنده نوعان من كل من (HLA-A, B, C, DR, DQ, DP)، يعني 12 مُستّقبِلاً كل منها له القدرة على تقديم أجزاء من بروتينات الجراثيم مختلفة مما يزيد على قدرة الجسم من محاربة عدد كبير جدًا من الجراثيم حتى تلك التي لم يرَها الجسم من قبل.  كفيروس كورونا الجديد.

أيضًا تتنوع هذه المستقبلات مع تنوع الأعراق، فمثلًا النوع التالي يوجد فقط في شمال أوروبا ولا يمكن أن تجده في بلادنا وأن وجد دل على وجود عرق أوروبي في الشخص (HLA-A1-B8-DR3) وعند العرب يوجد (HLA-A2-B50-DR7)، ولو تتبعت انتشار النوع العربي من الهند إلى جنوب إسبانيا تجد هذه المستقبلات دليلًا على وجود العرق العربي وتمدده الجغرافي.

مستقبلات التطابق النسيجي في زراعة الأعضاء

خلق الله -عز وجل- هذه المستقبلات لوظيفة هي الحفاظ على الجنس البشري، حيث تقوم هذه المستقبلات بالتعرف على ما هو غريب من جراثيم وما شابه والتي تحاول أن تتغذى على جسم الإنسان، وتقديمها إلى الخلايا المناعية للمساعدة على القضاء على هؤلاء المعتدين.

لقد حصل التعرف على هذه المستقبلات بتجارب على الحيوان ونقل جلد من حيوان إلى آخر وكانت النتيجة أن نقل الجلد بين الأرانب تُرفض من قبل جهاز مناعي وكانت هذه التجارب ساعدت على بدايات التعرف على هذه المستقبلات وقام بهذه التجارب العالم من أصل عربي بيتر مدور الذي فاز بجائزة نوبل على عمله في التعرف على هذه المستقبلات.

أدت تجارب عديدة إلى التعرف على هذه المستقبلات. من أهم العلماء الذين ساعدوا في معرفتنا لهذه المستقبلات ووظائفها: روز بين، جون دوسيه، جورج سنيل وغيرهم.

إن نقل الأعضاء من شخص إلى آخر أوجد دورًا جديدًا للمستقبلات من النوع الأول والثاني.  حيث يُتَّعَرَّف على النوع الغريب من مستقبلات المتبرع ومعاملته كأنه النوع الشخصي، ولكن يحمل أجزاء من بروتينات من جسم غريب حيث يقوم جهاز المناعة للمريض بمحاربة العضو المزروع ومحاولة القضاء عليه.  ولكن تطور الطب وتوافر أدوية لها القدرة على تثبيط جهاز المناعة ساعدت على نجاح زراعة الأعضاء مثل القلب، والكلى والبنكرياس، والأمعاء، والرئة، والجلد، والرحم، والأيدي.

دور مستقبلات التطابق النسيجي في أمراض المناعة الذاتية

هناك علاقة وطيدة بين مستقبلات التطابق وأمراض المناعة، فمثلًا التهاب الفقار القسطي (Ankylosing Spondylitis) يرتبط بعلاقة وثيقة مع مستقبلات التطابق النسيجي بـ27 وكذلك التهاب المفاصل والذئيبة الحمراء وغيرها.  ولكن ما سبب هذه العلاقة؟ وضع العلماء كثيرًا من النظريات التي تحاول تفسير هذه الظاهرة ولم يجدوا حتى هذه اللحظة السبب الرئيس لهذه العلاقة.  باعتقادي مع التقدم والكشف الحديث عن سبب أمراض مثل الذئيبة الحمراء والتي وجد العلماء السبب الوراثي خلفها وكذلك الفيروسات التي ترتبط بعلاقة وثيقة بالمرض سيؤدي إلى فهم أفضل لارتباط مستقبلات التطابق النسيجي بأمراض المناعة الذاتية.

دور مستقبلات التطابق النسيجي في اختيار شريك العمر

قام علماء بدراسة تأثير نوع التطابق النسيجي في استحسان البنات أو عدم استحسانهم لرائحة عرق الأولاد الموجود على قمصان ملبوسة من قبل أولاد معهم في الدراسة.  وجد العلماء أنه كلما ازداد اختلاف نوع مستقبلات التطابق النسيجي بين الولد والبنت زاد استحسانها لرائحة عرق الولد وكلما تشابهت مستقبلات التطابق النسيجي بينهما ازداد عدم استحسانها للرائحة، هذا مع العلم أن بروتينات مستقبلات الشم عند الإنسان تقع في نفس منطقة مستقبلات التطابق النسيجي على كروموسوم 6.

في الختام تلعب مستقبلات التطابق النسيجي دورًا كبيرًا في الصحة والمرض، ولها دورٌ كبيرٌ في دراسة هجرة الناس على مدى العصور وربما في اختيار شريك العمر.

Share This