تسلسل‭ ‬الجينوم‭ ‬البشري

من‭ ‬الصحة‭ ‬إلى‭ ‬المرض

د‭.‬ سهام‭ ‬الشهري علم‭ ‬ما‭ ‬فوق‭ ‬الجينات‭ ‬–‭ ‬جامعة‭ ‬الملك‭ ‬سعود‭ ‬–‭ ‬السعودية

شكل عام 2001 التحول الحقيقي لأكبر الإنجازات العلمية في تاريخ الإنسان؛ حيث كانت نقطة التحول في عالم الوراثة البشرية ونقطة انطلاق علم الجينوم البشري.  وبعد مرور ثلاث سنوات من الاكتشاف أثمرت الجهود الدولية في مجال بحوث الجينوم البشري (HGP) بتقديم مجموعه تسلسل الجينوم البشرية متكاملة بنسبة 99%.  وبالرغم من أن نتيجة كشوفات تسلسل الجينوم البشري كانت الأكثر جودة من بين بقية جينوم الكائنات الحية التي فُكَّتْ شفرتها الجينومية، إلا أن الجينوم المرجعي البشري عبارة عن توليفة مجموعة من أفراد بشرية من أعراق مختلفة احتوت عديدًا من الاختلافات في بنية الجينوم تبعًا لاختلاف الأعرق البشرية(1)

كما أن مشروع الجينوم البشري دُمج مع مشروع خريطة قاعدة بيانات المتغيرات القاعدية (SNPs) بين البشر المعروف بـ(HapMap) والذي يحتوي على حوالي عشرة ملايين متغير مشترك جيد بين مختلف سكان العالم كما أن هذه الخريطة قدمت العمود الفقري للأنماط الفردانية الشائعة في الجينوم البشري.

التباين البنيوي في الجينات البشرية

خلال العقد الذي تلا مشروع الجينوم البشري أدى التطوير التقني والتكنولوجي إلى التمكن من إحراز التنميط الجيني الشامل لتحديد المتغيرات المهمة في أمراض كبيرة معقدة مثل السرطان والأمراض الأخرى وقد مهد لمزيد من الكشوفات الجديدة في حقبة علم الجينوم البشري.  بدأت الفترة بسلسلة من الأمثلة الرئيسة للجينومات الفردية التي خصصت لمشاريع قراءة وتحليل جينومات فردية مثل جينوم فنتر وجينوم واتسون والجينوم الإفريقي والجينوم الآسيوي، والتي أرست الأساس لتحليل الجينومات اللاحقة التي بدورها شكلت أداة مفيدة للطبيب الممارس حيث تساعد في التشخيص التفريقي والتوجيه الاستباقي والطب الجيني الوقائي.

قدمت إعادة ترتيب قراءة تسلسل الجينوم البشري الفردي أو الشخصي مزيدًا من التبصر في مدى أهمية الاختلافات في التباين الهيكلي.  في عام 2004 نشر مقالان علميان(2)(3) شكلا نقطة التحول في تقديرنا وفهمنا للتنوع الجيني البشري حيث غيرت الفكرة السائدة التي تمحورت حول إمكانيه إعادة ترتيب الجينوم البشري، وقدمت اعتبارات جديدة نادرة ممكن أن تكون سببًا لمتلازمات تعرف باسم الاضطرابات الجينية. كان من المفهوم أن إعادة ترتيب الجينوم يمكن تحفيزه بهندسة الشكل الفراغي الإجمالي لهيكل الجينوم الذي يُنْتج في كثير من الأحيان بإعادة التركيب المتماثل غير المتوازي بين أجزاء متطابقة للغاية من الجينوم تسمى تكرارات النسخ المنخفضة.

في عام 2001 قُدِّر أن الجينوم البشري كان غنيًا بالقطع المتكررة، ولكن في عام 2004 استخدمت مجموعتان بحثيتان فحوصات على مستوى الجينوم لتقويم وتصوير الاختلافات الجينومية على مستوى الجينوم بشكل منهجي في عدد النسخ من المناطق في الأفراد العاديين الأصحاء غير المتقاربين.  لوحظ أن التنوع في النسخ وأعدادها في صور قطع مكتسبه أو مفقود على أجزاء الجينوم قد تمتد من بضع آلاف من القواعد النيتروجينية وإلى عدة مئات الآلاف من القواعد النيتروجينية.

وحتى القواعد الضخمة في الحجم بالميغابايت.  وقد لوحظ أن ما يقرب من 3440% من التنوعات في عدد النسخ المكتشفة في هذه الدراسات الأولية في أكثر من فرد، وبعضها في أكثر من 10% من الأفراد.  كما وجد أن عديدًا من مناطق التغيرات الجينومية تتداخل مع الازدواجات القطاعية في الجينوم وحُدِّدت حوالي عشرين منطقه في الجينوم البشري وكشفت المزيد من الدراسات على مستوى الجينوم المزيد من التنوعات في عدد النسخ في جينومات متعددة وأدت المصفوفات عالية الدقة على مستوى الجينوم إلى كشف تقدير أنه في المتوسط يمتلك الفرد حوالي 1000 متغير متعدد الأشكال يتراوح حجمها من 500 قاعدة نيتروجينيه إلى 1.2 ميغابايت.  في عام 2011 أيضًا أشارت قاعدة البيانات للمتغيرات الجينومية (Database of Genomic variations) إلى 15963 موقعًا متغيرًا هيكليًا في الجينوم وتنتشر هذه المواقع في جميع أنحاء الجينوم على الرغم من أنها تتجمع في مناطق معينه مثل المناطق المحيطة بالوسط التيلوميري والفرعي في الجينوم حيث إن التيلومير منطقة من تسلسل نووي كثير التكرار في نهاية الكروموسوم يعمل كنهاية مغلقة. تكمن أهمية هذه المتغيرات بأنها مصدرٌّ مهمٌّ للتغيرات الكيميائية الحيوية والتمثيل الغذائي والظاهري بين الأفراد والسكان.

تسلسل الجينوم الكامل للتشخيص وإدارة المرضى

قدمت مشاريع الجينوم الشخصية الأولية عددًا من الجينومات البشرية الفردية ثنائية الصبغيات، ولكن جميعها كانت من أفراد ليس لديهم نمط ظاهري سريري واضح.  على الرغم من أن مشروع قراءة تسلسل الأكسوم وهي المنطقة الجينومية المشفرة للجينات والبروتينات قد حدد بنجاح الطفرات المسببة لأمراض مندلية مختارة إلا أنه لا يوضح سوى جزء من الترميز في المناطق المانحة للمرض.  يكمن التحدي الحقيقي لعلم الجينوم الشخصي في تحديد الطفرات المسببة للأمراض بين ما يقرب من 33.5 مليون متغير وما يقارب من 1000 متغير في الجينوم ثنائي الصبغة.

تباين الجينات البشرية: وجهة النظر الحالية

كشف تسلسل وتحليل الجينوم البشري الشخصي أن كل فرد يختلف عن التسلسل المرجعي للجينوم البشري عند 3.5 مليون متغير في القواعد النيتروجينية في المتوسط. بعض المتغيرات التي حُدِّدتْ في الجينوم الشخصي قد مثلت في الواقع أليلات شائعة في السكان.  بالنظر إلى أنواع التباين المختلفة، وجد أنه في المعدل أن الكروموسومات المتجانسة للفرد تبلغ حوالي 99.5% على عكس افتراض أن أي شخصين بشريين يتطابقان على مستوى الحمض النووي بنسبة 99.9%.  كما أن مجموعة المعلومات الجينومية البشرية وكتالوج التنوعات البشري والتنوعات السكانية أفادت جميعها بإعطاء دروس فيما يتعلق بهندسة الجينوم.

تسلسل الجينوم الكامل للتشخيص الجيني وإدارة المرضى

على الرغم من أن الأكسوم قد حدد بنجاح الطفرات المسببة لأمراض مندلية مختارة شديدة الاختراق، إلا أنه يستجوب المتغيرات في القواعد النيتروجينية فقط لجزء ترميز من الجينوم وظيفي، ويمكن للعديد من المتغيرات الأخرى مثل التغيرات الشكلية والنسخ المتكررة في المناطق غير المشفرة أو غير وظيفية أن تمنح عديدًا من الأمراض كالسرطان والسكري والتي لا يمكن تحليلها بالأكسوم.

مع تحليل المزيد من الجينومات الفردية وإتاحتها للجمهور تظهر مزيدُ من التباينات الجينومية بين البشر.  هذا التباين سيلقي الضوء على المزيد من كيفية حساب مجموع التباين الجينومية للسمات متعددة الأشكال والأمراض المعقدة والمندلية.

أهم الدروس المستفادة من تحاليل الجينوم الفردي:

  • الجينوم البشري متغير للغاية، يختلف كل جينوم شخصي عن التجميع البشري المرجعي في حوالي 3.5 مليون تعدد للقواعد النيتروجينية وحوالي 1000 شكل تركيبي.
  • القواعد النيتروجينية المتغيرة أكثر شيوعًا في الكروموسومات الجسدية عنها في الكروموسومات المتعلقة بتحديد الجنس.
  •  في المتوسط يحتوي الجينوم لأي فرد على ما يقارب 20 ألف إلى 25 ألف جينٍ منها 9 آلاف إلى 11 ألف جين غير مترادف وعدد أعلى قليلًا مترادف؛ أي موجود بنسختين.
  •   تشير التقديرات إلى أن الفرد السليم والصحي هو ناقل متغاير الزيجوت لـ 40100 من المتغيرات أي يمتلك نسختين متماثلتين من كل كروموسوم: إحداهما من الأم والأخرى من الأب ويتميز بأن الجين يحتوي نسختين تعرف بالأليل قد تكون ضارة شديدة الاختراق والتي يمكن أن تسبب مرض مندل.  عديد من مثل هذه الحالات حاملة متنحية، ومع ذلك فإن هذا التقدير يعتمد على مناطق للترميز وما يقرب من 510% من الجينات والأمراض التي نفهمها حاليا. وقد نكون جميعًا نحمل عديدًا من المتغيرات الضارة أو المتغيرات المسببة للأمراض أكثر مما نتوقعه الآن.
  •   التباين في الجينوم البشري مرتفع بشكل غير متوقع؛ فقد لوحظت أنماط واضحة مثل قمم ازدواج الشكل للعناصر القابلة للتبديل.

علم التخلق (Epigenome) والأمراض البشرية(4)

اكتُشِفت الأسباب الجينية للاضطرابات البشرية بوتيرة غير مسبوقة.  تضمنت فئة فرعية من الطفرات المسببة للأمراض عبر تغيير في التحرر اللاجيني أو في الإيبيجينوم (الإيبيجينوم هو المنطقة الجينومية غير المشفرة والتي لا تحتوي على الجينات).

أو في وفرة ونشاط البروتينات التي تنظم بنية الكروماتين وهو مزيج من الحمض النووي والبروتينات داخل النواة.  هناك عديد من الأمراض البشرية التي كشفت مؤخرًا وقد نجمت عن هذا التحرر اللاجيني.  قد يكون سبب المرض الأيبجينومي هو التغيرات المباشرة في العلامات اللاجينية مثل مثيلة الحمض النووي التي توجد عادة لتؤثر في تنظيم الجينات.  كما وُصِفَت الطفرات الجينية المسببة للأمراض في المعدلات اللاجينية التي تؤثر إما في الكروماتين أو تغيير تكوينه.

Share This