تقنيات الجيل الخامس بالمملكة
الواقع والتطلعات الوطنية
رياض الصقير – مديرإدارة تمكين السوق بوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات
بينما يعدُّ التحوُّل الرقمي في طليعة الممكنات فإنَّ تقنيّات الجيل الخامس هي بالتأكيد العمود الفقري للتحوُّل الرقمي من اليوم، وستستمر خلال الأعوام العشرة المقبلة.
وقد أظهرت جائحة كوفـيد19- الأهمـية القصوى لوجود شبكات اتصال متينة، وواسعة الانتشار؛ وهذا ما زاد أهمية مواصلة الدولة في دعم التوجهات الوطنيّة؛ لتعزيز الاستثمار في التقنيّات الحديثة للاتصالات/ وتسريع تبنيها.
وللاختلاف الجوهري لتقنيّة الجيل الخامس عن الأجيال التي سبقتها من شبكات الاتصالات، فقد استعدت عدة دول، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، ليس فقط لنشر الشبكة جغرافيًّا وتعزيز الاستثمار فيها، ولكن أيضًا لتهيئة البيئة الداعمة لتبنّي حالات الاستخدام المتقدّمة والمعقدّة، التي قد تتطلّب تعديلات في الأنظمة والسياسات؛ وهذا ما يشكل تحديًّا وطنيًّا تسعى منظومة الاتصالات وتقنيّة المعلومات إلى تجاوزه، وتوفير الممكنات لخلق الطلب وتوليد الفرص الاستثمارية من هذه التقنيّات.
ما الجديد في تقنيّة الجيل الخامس؟
لم يعد يخفى على أحد أنَّ التطوّرات المتسارعة في شبكات الاتصالات والمعلومات وتقنيّاتها ستحدث تغيّرات اقتصاديّة هائلة على الصعيدين المحلي والعالمي.
هذه التطوّرات تتمحور في الأغلب حول البيانات ودورها الأساسي بوصفها جزءًا أصيلًا من مكوّنات الاقتصاد الرقمي، التي تتأثر بشكل خاص بتحوّلات أجيال شبكات الاتصالات. فقد بدأ الجيل الأول بالاتصال الصوتي الذي جرى تعزيزه في الجيل الثاني، ثم كانت القفزة الثانية في الجيل الثالث عندما بدأت البيانات بالتنقل عبر هذه الشبكات، وما تلاها من تحسينات كبيرة بمعدل الجودة والسرعة مع الجيل الرابع، الذي أحدث ثورة في عالم التطبيقات، وأسهم بشكل كبير في تعزيز التواصل، ورفع جودة الحياة، والتمكين الاقتصادي.
يعدُّ الجيل الخامس هو التطوّر الجوهري الثالث لأجيال الاتصالات، الذي سوف يتيح كثيرًا من التطبيقات العالية التقدُّم، وحالات الاستخدام النوعية في كثير من المجالات الحيويّة، مثل الرعاية الصحية، والعمليات الجراحية عن بعد، إلى القيادة الذاتيّة للمركبات، وإنترنت الأشياء. كما أنَّ هناك كثيرًا من التطبيقات والاستخدامات الهائلة والجديدة تمامًا، التي لا يمكن تصوّرها اليوم.
فبحسب تقرير صدر حديثًا عن منظمتي (gsma) و (tmg)، يُقدَّر التأثير الاقتصادي الإجمالي لـتقنيّات الجيل الخامس في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 2.2 تريليون دولار بحلول عام 2034م. لذا تعمل منظومة الاتصالات وتقنيّة المعلومات على تمكين مزيد من الاستثمارات في بناء قدرات شبكات الاتصالات، وزيادة مستويات الانتشار، والموثوقية، والإنتاجية، وزمن الوصول. ومن المرجَّح أن تكون الاستثمارات مبنيّةً على نماذج شراكات حكومية خاصة مبتكرة وفريدة لتعظيم الاستفادة الوطنيّة من القيمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي من المتوقع أن تقدّمها تقنيّات الجيل الخامس.


التطلعات الوطنية للجيل الخامس
تعدُّ تقنيّات الجيل الخامس، كما سبق إيضاحه، مكوّنًا أساسيًّا من مكونات البنية التحتيّة الرقميّة الوطنيّة التي تعدُّ مطلبًا أساسيًّا للتحوُّل الرقمي الوطني، فمن المتوقع، حسب دراسة أجرتها وزارة الاتصالات وتقنيّة المعلومات أن تسهم شبكات الجيل الخامس بالمملكة بحلول عام 2030 في ضخِّ أكثر من 30 مليار ريال سعودي كإيرادات في سوق الاتصالات، وأكثر من 71 مليار ريال سعودي في الناتج المحلي الإجمالي، وخلق نحو 20 ألف وظيفة جديدة في مجال الاتصالات وتقنيّة المعلومات.
كما يُتوقع أن تسهم شبكة الجيل الخامس في دعم 45 مليون جهاز جديد من أجهزة إنترنت الأشياء؛ وهذا ما يخلق سوقًا تتجاوز قيمته 45 مليار ريال سعودي بحلول عام 2030م.
وقد تجاوز إجمالي أبراج الجيل الخامس أكثر من 12 ألف برج موزعة في أكثر من 60 مدينة ومحافظة. كما تعدُّ المملكة العربية السعودية ضمن أفضل خمس دول عالميًّا من ناحية سرعات الجيل الخامس. وقد تحققت هذه المنجزات بفضل البيئة الاستثماريّة التي هيأتها منظومة الاتصالات وتقنيّة المعلومات، التي مكّنت شركات الاتصالات من التوسع في استثماراتها. ونتيجة لذلك، تعدُّ المملكة من الدول الرائدة إقليميًّا من ناحية تغطية شبكات الجيل الخامس وانتشارها.
التحدّيات أمام الجيل الخامس بالمملكة
تواجه شبكات الجيل الخامس اليوم كثيرًا من التحدّيات والمعوقات المختلفة، ويأتي في مقدمتها ما يأتي:
أولًا: ضعف مقدار الاستثمار في أنشطة البحث والتطوير؛ ويمثل ذلك عائقًا للابتكار، إذ يعدُّ المتطلب الأكبر والأهم لتبنّي تقنيّات الجيل الخامس.
ثانيًا: ضمان توافر الطيف الترددي اللازم للتوسع في الاستخدامات التجاريّة والتجريبيّة والابتكاريّة، وهو ما تعمل عليه حاليًّا هيئة الاتصالات وتقنيّة المعلومات.
ثالثًا: ضعف العائد الاستثماري للقطاع الخاص لبناء شبكات جيل خامس متطوّرة بسبب غياب الطلب في السوق لخدمات الجيل الخامس المتقدّمة. ويعدُّ بطء تبنّي الجهات الحكوميّة وشبه الحكوميّة لتقنيّة الجيل الخامس أحد أبرز العقبات لخلق الطلب. كما أنَّ توطين المعرفة في هذا المجال لا يوازي التطلعات الوطنيّة حول الجيل الخامس. إضافة إلى صعوبة وتعقيد عملية بناء نماذج الأعمال، وخصوصًا مشروعات الشراكات العامة والخاصة.

ممكنات تبني تقنيّات الجيل الخامس بالمملكة
يتوجّب العمل على بذل كثير من الجهود؛ لاغتنام المكاسب الاقتصاديّة والتنمويّة التي يحملها الجيل الخامس. هذه الجهود سوف تمتدُّ لنحو عشر سنوات (2020-2030م)، وتمثّل مراحل تبنّي تقنيّات الجيل الخامس واستخدامها.
ويتضمن ذلك قيام الجهات المشرفة على القطاعات الحيوية بتحفيز هذه القطاعات لتطوير الأنظمة البيئية لتبني تقنيّات الجيل الخامس، وضخ الاستثمارات فيه، ويتم ذلك عبر ثلاث مراحل رئيسة:
المرحلة الأولى: وفيها تتركز الاستثمارات حول المكونات الرئيسة للجيل الخامس، مثل: مراكز البيانات المرتبطة بحالات استخدام تتطلّب زمن استجابة منخفض، مثل: الألعاب السحابية، والواقع المختلط والافتراضي.
المرحلة الثانية: تُوجَّه الاستثمارات نحو تغطية الطرق السريعة ومسارات السكك الحديدية؛ لتمكين حالات الاستخدام المرتبطة بالمركبات ذاتية القيادة وإنترنت الأشياء. كذلك في هذه المرحلة سوف يزداد الاعتماد على الموجات المللي مترية (mmwave) في المدن الحضريّة. كما أنَّ شبكات النطاق التردّدي العريض سوف تستخدم لتغطية المدن الريفيّة والأماكن غير المأهولة.
المرحلة الثالثة: سوف تتمحور فيها الاستثمارات حول زيادة تكثيف التغطية للمستفيدين؛ لتقديم خدمات اتصال بكامل قدرات الجيل الخامس. كما ستتجه حالات الاستخدام الإستراتيجية لتمكين السوق المحلي في شبكات الجيل الخامس حتى عام 2023م عبر العمل على حالات استخدام ذات قيمة وعائد معرفي واقتصادي على مستوى المشروعات والقطاعات ذاتها، وعلى مستوى البنية التحتيّة الرقميّة الوطنيّة في المجالات الآتية:


المدن الذكية والمشروعات الحكوميّة الضخمه: ويشمل دعم منظومة المدن الذكيّة والمشروعات الحكومية الضخمه بحالات استخدام لتقنيّات الجيل الخامس في مجالها، مثل: الخدمات اللوجستيّة، والنقل، والحركة المروريّة، وغيرها. وأيضًا يشمل دعم الإستراتيجات الوطنيّة للمدن الذكيّة كمدينة الرياض، ومشروع نيوم، والقدية، وشركة البحر الأحمر، ومشروع آمالا. إضافة الى مشروعات الجهات الحكوميّة في مجال الجيل الخامس، مثل وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان.
الصحة الرقميّة: وتتضمن دعم منظومة الصحة بحالات استخدام لتقنيّات الجيل الخامس في مجالها، مثل الإسعاف المتصل، وحالات استخدام التطبيقات الصحيّة عن بعد. وكذلك دعم وزارة الصحة في مشروعاتها ذات العلاقة بحالات استخدام مرتبطة بتقنيّات الجيل الخامس.
الصناعة والطاقة والتعدين: تعد هذه القطاعات الثلاثة مجتمعة من أكبر المجالات ذات الأثر الاقتصادي المرتفع عند تبنّي الجيل الخامس، وسيجري دعم هذه المنظومة بحالات استخدام لتقنيّات الجيل الخامس في مجالها، مثل: العدادات الذكيّة، والأتمتة، والثورة الصناعية الرابعة، وتطبيقات التعدين الآمن.
السياحة والثقافة: يشمل ذلك دعم منظومة السياحة والثقافة بحالات استخدام لتقنيّات الجيل الخامس في مجالاتها المختلفة، مثل المتاحف الذكيّة، والواقع المختلط، والواقع الافتراضي، وتجربة السائح الرقميّة.
التعليم الرقمي: سيجري دعم منظومة التعليم بحالات استخدام لتقنيّات الجيل الخامس في مجالها، مثل: التعليم عن بعد، والتعليم التفاعلي، والتعليم بتقنيّات الواقع الافتراضي والواقع المختلط.
الزراعة: يشتمل على دعم منظومة البيئة والمياه والزراعة بحالات استخدام لتقنيّات الجيل الخامس في مجالها، مثل المزارع الذكيّة، واستخدامات تقنيّات المركبات الموجهة، وشبكات المستشعرات لمراقبة المحاصيل الزراعيّة.
وللإسهام في توفير هذه التطلعات، تعمل منظومة الاتصالات وتقنيّة المعلومات على توفير الممكنات الأساسية، مثل: السياسات والتشريعات اللازمة لعمل تقنيّات الجيل الخامس؛ بهدف تبنّي وإطلاق قدرات وإمكانيات الجيل الخامس، عبر تحقيق التوازن بين تحفيز المنافسة مع إبقاء أسعار الخدمات مناسبة، وتعدُّ سياسة البنية التحتيّة الرقميّة التي طرحت لمرئيات العموم في منتصف عام 2021م أحد المرتكزات نحو تمكين بيئة محفزة لتقنيّات الجيل الخامس.


وفي الختام، فإنَّ التطلعات الوطنيّة لتبني تقنيّات الجيل الخامس بالمملكة ستتركز حول ثمانية محاور إستراتيجية كما يأتي:
تمكين القطاعين العام والخاص من خلق فرص شراكة استثماريّة؛ لبناء سوق قوي لتقنيّات الجيل الخامس.
بناء هيكلة سوق للتقنيّات الناشئة، عبر زيادة أنشطة البحث والتطوير؛ للوصول إلى نماذج أعمال وتشغيل مبتكرة ومناسبة للتبنّي على المستوى الوطني.
إنشاء مركز لجذب الاستثمارات الخاصة المحليّة والإقليميّة والعالميّة.
تمكين التوسع للاستخدامات الفرديّة الترفيهيّة لخدمات الجيل الخامس.
تعزيز الإنتاجيّة والابتكاريّة في الشركات المحليّة الصغيرة والمتوسطة، والصناعات الرئيسة، من خلال دعم نماذج الأعمال المستخدمة، وتطويرها؛ لمساعدة السوق على الاستفادة القصوى من القدرات التقنيّة بشكل يعزز من السوق، والتنافسيّة، والربحيّة الجزئيّة والكليّة.
إصدار السياسات والتشريعات اللازمة لخدمات الجيل الخامس، مثل الطيف التردّدي، والتجزيء الشبكي والشبكات الخاصة.
تعزيز الوعي حول الأمن السيبراني الشبكي؛ للتأكد من بناء بيئة أكثر أمنًا لاستخدام تقنيّات الجيل الخامس.
بناء إستراتيجية التوسع؛ لتقديم خدمات الجيل الخامس التي تستهدف المستوى الوطني والإقليمي.