دوستارليماب

هل انتهى كابوس السرطان أخيرًا؟

د. هبة الشربيني صيدلية – جامعة المنصورة – مصر

هل ظهر قاهر السرطان أخيرًا؟ هل هو المُخَلِّص بحق؟! ضجَّت مسامعنا مؤخرًا بدواء دوستارليماب الذي قيل إنه علاج للسرطان، ولكن كم ضجت قبله عن الأساطير حول هذا المرض! إن هذا الداء، الذي حتى عهدٍ قريب كان بلا دواء، هو مجرد خلل في انقسام الخلايا، مما أدى إلى تكاثرها بمعدل يفوق الطبيعي مكونةً الأورام التي تظهر في الفحوصات والتي تتنوع خصائصها وطبيعتها من عضو إلى آخر، بل من نسيج إلى آخر!

وقف الطب عاجزًا سنواتٍ أمام هذا المرض، ولم نملك سوى أن نُجرِّعهم السم ونذيقهم آلامًا فوق آلامهم، خشيةً مما سيحدث إن لم نتدخل بشكل أو بآخر فلم نملك في وقتٍ ما سوى العلاج الكيميائي، والذي يعتمد على استخدام مواد كيميائية قوية تقتل الخلايا الحية؛ ولأن الخلايا السرطانية تتكاثر بمعدل أسرع من الخلايا السليمة، فإنها تتأثر بهذا النوع من العلاج تأثرًا كبيرًا. وعلى الرغم من الفائدة العظيمة لهذا العلاج في تحجيم الورم السرطاني ومنع انتشاره، إلا أن أضراره أكبر بكثير وتؤثر في سائر أنسجة وخلايا الجسم! والآن، ومع ظهور دواء دوستارليماب، لاح بصيص أمل في الأُفق مبشرًا بحقبةٍ جديدة، خالية من العجز، واليأس، والألم بلا طائل.

ما هو دواء دوستارليماب (Dostarlimab)؟

قبل التعرف على الدواء وآلية عمله لابد أولًا من التعرّف على الجهاز المناعي.

الجهاز المناعي

يتكون الجهاز المناعي من خلايا مختلفة عن سائر خلايا الجسم في التركيب والوظيفة، فهو شديد التعقيد والتنظيم في الوقت عينه. وتكمن أهميته في قدرته على اكتشاف الأجسام الغريبة، والتي عادةً ما تكون مسببة للمرض- مثل البكتريا والفيروسات- وتدميرها وذلك عن طريق نوع من البروتينات يُسمى «الأجسام المضادة»، حيث ترتبط بالأجسام الغريبة (كالخلايا السرطانية) فتعمل كشارةِ جذب لبقية خلايا الجهاز المناعي، والتي تُطبِق على الجسم الغريب وتتخلص منه بأكثر من طريقة.
وبالعودة إلى دواء دوستارليماب، فإنه يتعامل مع الخلايا السرطانية بنفس الكيفية تقريبًا؛ كيف لا وهو في الأصل جسم مضاد أُحادي النُسَيلة مُخلَّق معمليًا ليحاكي هجمات الجهاز المناعي ويعمل كأجسام مضادة بديلة في حال فشلت الأساسية في التعرف على الخلايا السرطانية، أو تأثرت بالإشارات التي تُطلقها الخلايا السرطانية، والتي تثبط الجهاز المناعي عن العمل على نحوٍ سليم.

ما آلية عمل الدواء؟

دوستارليماب، وأي دواء على شاكلته، يحاكي ويعزز ويُكمِل عمل الجهاز المناعي بأكثر من وسيلة، ونظرًا لكثرتها سنتناول ما يخص آلية عمله على الخلايا السرطانية فقط، وقد ورد في هذا الشأن وحده كثير من التفسيرات العلمية منها: •تحفيز الجهاز المناعي لتدمير الغشاء الخلوي للخلية السرطانية، فيسهل التعرف عليها من قِبَل بقية جنود الجهاز المناعي. •يمنع التفاعل بين بروتين (1Pd-L) الموجود على سطح الخلايا السرطانية وبروتين (1-PD) الموجود على سطح الخلايا التائية (T-cells) وهي أحد أهم وأنشط الخلايا المناعية، ولكن يؤدي ارتباط هذين البروتينين مع بعضهما إلى كبح نشاط البروتين المسؤول عن تحفيز الخلايا التائية فيثبط بذلك قدرة الجهاز المناعي على مقاومة السرطان.

فاعلية الدواء

استحق دوستارليماب لقب «المعجزة» عن جدارة؛ لنتائجه المبهرة في التجارب التي أُجريَت على 12 مريضًا كانوا يعانون من سرطان المستقيم، وكانت النتيجة هي الشفاء التام! وعلى الرغم من أنه صُنِّع في الأصل لعلاج سرطان الرحم، إلا أنه استُخدِم للمرة الأولى ضمن هذه الدراسة لعلاج سرطان المستقيم. والجدير بالذكر، أن هذه النتائج المبشرة جاءت في الوقت الذي تقرّر فيه خضوع هؤلاء المرضى للعلاج الكيميائي والإشعاعي، ثم التدخل الجراحي. فخضعوا للتجربة وتحقق المستحيل أخيرًا، فقد كشفت طرق الفحص المختلفة عن تعافيهم من السرطان واُعتمدت نتيجة التجربة بنسبة استجابة علاجية %100. ولازالت أجسادهم تخلو من أي ورم دون أي تدخل جراحي أو الخضوع لجلسات علاج كيميائي أو إشعاعي، على الرغم من مرور عامين تقريبًا على إجراء الدراسة.

الاسم التجاري والجرعة الموصى بها

أعطت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) موافقتها لشركة جلاكسو الدوائية (gsk) لاستخدام عقار دوستارليماب في علاج حالات الورم السرطاني الصلب، في أغسطس عام 2021، وطُرح العقار في السوق تحت اسم (Jemperli) في صورة محلول حقن وريدي (10مل) يُعطى كجرعة واحدة على مدار نصف ساعة بتركيز يساوي 50ملجم/ مل. تختلف الجرعة الدوائية من حالة لأخرى حسب نوع الورم، ومستوى تقدمه، وحالة المريض نفسه، ولكن بصفة عامة يمكن القول بأن الجرعة الموصى بها هي: 500 ملجم للحقن الوريدي البطيء لمدة نصف ساعة مرة كل ثلاثة أسابيع على مدار أربع دورات، ثم يُعطى 1000ملجم مرة كل ستة أسابيع، وهذه الفترة غير محددة بعدد جرعات معين، ولكن متروكة لقرار الطبيب المُعالِج.

الأعراض الجانبية

لا يمكن أبدًا الجزم على شيء أنه ذو فائدة مطلقة أو ضرر مطلق، لكن كلُّ سلاح ذو حدين وهنا ليس استثناءً، فكما ذكرنا فوائده لابد أن نعرض الوجه الآخر له، لتوفير رؤية شاملة عنه. أولًا، لابد من الانتباه جيدًا للمريض ومراقبته عن قُرب خشية أن يحدث أي تهيج أو تظهر أي أعراض حساسية، وكذلك المريض لابد أن ينتبه لنفسه ويخبر الطبيب أو الممرض في حال أحس بأي شيء غريب، خاصةً عند شعوره بأحد الأعراض التالية: دوار، ارتعاش، احمرار أو حمى شديدة، قِصر النفس، الحكة، آلام في الظهر والرقبة أو الإحساس بالإغماء. قد يقوم الطبيب بإبطاء الحَقن، أو حتى إيقافه ولو بشكل مؤقت، أو إدخال أدوية مساعدة وفقًا لاستجابة المريض.

وتنقسم الأعراض الجانبية إلى:

  • أعراض شائعة مثل: آلام في المثانة ووجود دم في البول، الإمساك، الاكتئاب، زيادة الوزن، فقدان الشهية، تساقط الشعر.
  • أعراض غير شائعة مثل: الحمى الشديدة، تشنجات، إسهال، الإحساس بالدوار، التعرق الشديد، مشكلات في النوم.
  • أعراض نادرة مثل: آلام في أماكن متفرقة من الجسم، كالعين أو الظهر أو القدم، الإحساس بالتوتر، وجود دم أو سواد في الفضلات، تشوش الرؤية واحمرار العين.

بعض الاحترازات

  • يجب أن يحرص كلٌ من المريض والفريق الطبي على المتابعة الدورية والاطِّلاع على أدق التفاصيل أولًا بأول.
  • لا يصلح هذا الدواء للحوامل وقد يتسبب في مهاجمة الجنين من قِبَل الجهاز المناعي للأم؛ لذا لابُد من المواظبة على استخدام موانع الحمل أثناء العلاج والاستمرار عليها لمدة لا تقل عن 4 أشهر بعد انتهاء العلاج.
  • لا يُنصح به للمرضعات، بالرغم من أنه لا يؤثر في إفراز الحليب ولا يُفرَز فيه ولا ينتقل إلى الرضيع، إلا أنه يُنصح بعدم الإرضاع أثناء تلقي العلاج وكذلك لمدة لا تقل عن 4 أشهر بعد انتهاء العلاج.
  • لا يُنصح به لكبار السن أو الرضع لعدة أسباب منها: أن الاستجابة والجرعة تختلفان باختلاف السن، وكذلك القدرة على تحمل الأعراض الجانبية التي قد تظهر والطرق المُثلى للتعامل معها.
  • لابد من الاطِّلاع الجيد على السجل المَرَضي للمريض والحذر من أي تفاعلات دوائية قد تنشأ بين دوستارليماب وأي دواء يتناوله المريض.
  • يجب الاهتمام برفع وعي المريض وتنبيهه بأهمية الحفاظ على صحته والإقلاع عن أي عادات سيئة، كالتدخين وغيره والالتزام التام بإرشادات الطبيب المعالج.

ما زلنا نجهل كثيرًا عن كلٍ من الداء والدواء، لكن لا شك في أن بارقة الأمل هذه ستمهد الطريق لمزيدٍ من الاكتشافات التي ستقهر هذا المرض الخبيث بجميع أشكاله وفي جميع أطواره، وحتى ذلك الحين ستستمر التجارب وفقًا للمعرفة الحالية، علَّنا نستطيع تطبيقه في علاج أنواع أخرى غير سرطان الرحم والمستقيم.

Share This