طاقة الجيل الخامس من الشبكات اللاسلكية ..
تمهِّد الطريق أمام تطبيقات الأمان المُستقبلية من قناة السويس إلى جائحة عالمية
طارق راشد – باحث وإعلامي – 1 سبتمبر 2021م
إنَّ الثورة التقنية التالية على وشك أن تندلع، فقد سمعنا عن اقتصاد الجيل الخامس من شبكات الاتصالات منذ بضع سنوات، غير أنّ الذين لا يتابعون أخبار العلوم والطفرات التقنية عن كثب ربما قلَّلوا من شأن أهميتها. وعلى الرغم من أنه كانت هناك مزايا جمّة ترتبط بإطلاق تقنية شبكتي الجيلين الثالث والرابع، فيمثل الجيل الخامس من الشبكات ثورةً لها تبعات أكبر بكثير.
بحسب ما جاء في مقالة نُشرت في مجلة «إم آي تي تكنولوجي ريفيو» منذ عاميْن، الجيل الخامس من شبكات الاتصالات «تحوُّل تقنيّ نموذجي أشبه بالتحول من الآلة الكاتبة إلى الكمبيوتر. وهي لا تتمثل في شبكة وحسب. سيصبح الجيل الخامس من شبكات الاتصالات النسيج الأساسي لبيئة عمل مُتكاملة من المستشعرات والأجهزة الذكية المُتصلة القادرة على قلب موازين السياسات الاقتصادية وسياسات الأعمال، وطمس الحدود الجغرافية والثقافية بقدرٍ أكبر من ذي قبل».
وسيكون أثرها في الأعمال، عبر مختلف الصناعات، بما في ذلك التصنيع، عميقًا بالقدر ذاته. وللجيل الخامس من شبكات الاتصالات القدرة على تسريع النمو ودفع عجلة الابتكار بسرعة الصاروخ، إذ يُولِّد كميات مهولة من البيانات، ويساعد على الاتصال السلس عبر تطبيقات الأعمال المُختلفة. ويُقدِّر معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أنَّ إسهام الجيل الخامس من الشبكات في الناتج المحلي الإجمالي العالمي سيوازي تقريبًا حجم اقتصاد الهند بأكمله اليوم.
ولكن، لندرك رؤية اقتصاد الجيل الخامس من شبكات الاتصالات بالكامل، فإننا بحاجة إلى طريقة أفضل لتشغيل جميع الأجهزة والمستشعرات التي ستدفع عجلة قدرات توليد البيانات المهولة لهذا الجيل. إنَّ البطاريات وتوصيلات الكهرباء السلكيَّة تعرقلنا. ومن حسن الحظ أنَّ الطاقة اللاسلكية الحقيقية – وأعني الطاقة التي تُنقل بشكلٍ آمن إلى الأجهزة لمسافات بعيدة – ظهرت بوصفها حلاً لهذه المعضلة. ومن أبرز الطرائق التي ستغيّر بها هذه الطاقة قطاع التصنيع ما يأتي:
تشغيل المستشعرات لاسلكيًا
تتباين التقديرات الحالية، غير أن بعض المحللين يتوقعون أن يبلغ إجمالي عدد أجهزة إنترنت الأشياء المُتصلة إلى 75 مليار جهاز بحلول عام 2025م؛ أي ما يمثِّل زيادة قدرها خمسة أضعاف ما كان عليه هذا العدد منذ عقد مضى. وتُحدِث تطبيقات إنترنت الأشياء بالفعل تحولاً في الطريقة التي يعمل بها المُصنِّعون، وترقى بسلاسل الإمداد ونظم التحكم في المخزون، غير أنّ التطبيقات تعتمد على مستشعرات تُولِّد بيانات، وهذه المستشعرات بحاجة إلى طاقة.
وعلى المصانع ومرافق المخازن التي تُعمّم حاليًّا أصولاً لإنترنت الأشياء أن تتحمل تكاليف عالية جدًّا إذ تمدُّ أسلاك الكهرباء إلى الأماكن التي توجد فيها أصولها، أو تكاليف عمالة للموظفين القائمين إما على تغيير أو شحن البطاريات التي تمد المستشعرات بالطاقة. وهناك أيضًا العبء البيئي المهول المرتبط باستخدام البطاريات.
وقد تمنع هذه العوامل أيضًا المُصنِّعين الذين يستفيدون عادةً من الاتصال الأوسع نطاقًا للأجهزة من تعميم إستراتيجية إنترنت الأشياء بالكامل. ستكون الطاقة اللاسلكية الآمنة التي تحافظ على شحن الأجهزة شحنًا سلبيًّا دون أسلاك أو بطاريات عاملاً مُبدِّلاً للمشهد بالكامل، إذ ستمكِّن المُصنعين من تبنِّي إنترنت الأشياء بالكامل عبر مرافقهم كافة، والاستفادة من البيانات بطرائق لا تُعدُّ ولا تُحصى.
طاقة لاسلكية لأغراض الأمان
تشدد شركات التصنيع على عامل الأمان في جميع جوانب العمليات. وتتجلى الأجهزة السلكيَّة أو التي تعمل بالبطاريات بوضوح في سياق الحفاظ على بيئة عمل آمنة، بدايةً من أجهزة رصد الدخان أو الغازات الضارة إلى المُستشعرات المُدمجة في المعدات لمراقبة السلامة الهيكلية تحت الضغط. وتمديد أسلاك لهذه الأجهزة والمستشعرات أو توظيف عمّال لتغيير البطاريات أمر باهظ التكلفة.
من الممكن أن تحدَّ الطاقة اللاسلكية من هذه التكلفة، ولكن الأهم من ذلك أنها سترقى بعامل الأمان، إذ ستضمن ألا تتوقف الأجهزة والمستشعرات عن إصدار التنبيهات أو بثِّ البيانات المحورية. ويمكن أن تُحسِّن الطاقة اللاسلكية أيضًا عامل الأمان، إذ تغني عن الحاجة إلى أن يرتقي العُمَّال السلالم لتغيير البطاريات أو شحنها، وتغني أيضًا عن الحاجة إلى أسلاك تمديد الكهرباء لتشغيل أجهزة الأمان السلكيّة.
الطاقة اللاسلكية تمنع فترات الأعطال
تُكلِّف فترات الأعطال المُصنِّعين نحو 650 مليار دولار سنويًّا. وللحدِّ من فترات الأعطال، تُعمِّم المصانع مستشعرات على الأجهزة لرصد أي ظواهر غير تقليدية، وهذا واحد من التطبيقات الأساسية لإنترنت الأشياء، وتبناه المصنعون في مرحلة مبكرة لأنَّ الحدَّ من فترات الأعطال أولوية قصوى لديهم. غير أنَّ تكاليف تمديد أسلاك أرضيات المصنع أو تركيب وشحن وإحلال البطاريات يقيِّد استخدام هذه المستشعرات.
إنَّ الطاقة اللاسلكية الحقيقية التي تنقل القدرة الكهربائية بأمان إلى المستشعرات دون الحاجة إلى منصات شحن في مرمى البصر، أو مناطق حظر وجود البشر ستجعل التعميم الأوسع للمستشعرات لتنفيذ إستراتيجيات الصيانة التنبُّؤية أكثر كفاءةً بكثير من حيث التكلفة.
الطاقة اللاسلكية الحقيقية بين أيدينا
إنَّ اقتصاد الجيل الخامس من الشبكات يلوح في الأفق، ومن بين أصول البنية التحتية المهمة التي ستدفع عجلته حرفيًّا الطاقة اللاسلكية الحقيقية. لقد بدأ بالفعل المُصنِّعون أصحاب الفكر الاستباقي، وقادة عمليات المخازن في تعميم الطاقة اللاسلكية للحفاظ على شحن المستشعرات والأجهزة التي تُنسِّق سير العمل، وتساعد على جميع البيانات بشكل انسيابي، وضمان جاهزيتها للعمل.
وفي القريب العاجل، ستكون الطاقة اللاسلكية الحقيقية متفشيةً في كل مكان، شأنها شأن تقنية الواي فاي، إذ تقدِّم قدرة لاسلكية لمسافات طويلة تُمهِّد الطريق لاستخدام مليارات الأجهزة والمستشعرات الجديدة. وسيبدِّل ذلك مستقبل التكنولوجيا، إذ سيلهم الناس عددًا لا حصر له من الابتكارات. وبناءً على ما تقدَّم، نتوقع أن يُحدِثَ الجيل الخامس من شبكات الاتصالات تحوُّلاً في الاقتصاد ويغيِّر المُستقبل، وسيعمل هذا الجيل اعتمادًا على الطاقة التي لا تزوِّدها الأسلاك أو البطاريات.