كيفية‭ ‬توريث‭ ‬الأمراض

أ‭.‬ د‭.‬ عبدالله‭ ‬العنقري طب أطفال – جامعة الملك سعود – السعودية

للوراثة والجينات دور مهم في جميع الأمراض تقريبًا.  ويتفاوت دورها حسب نوع المرض.  فمن الأمراض ما تكون الوراثة أو العطب الجيني (الطفرات الجينية) السبب الأساس في حدوثه، وتسمى الأمراض المندلية نسبة إلى عالم الوراثة الأسترالي جريجور يوهان مندل (Gregor Johann Mendel) الذي كان أول من وصف هذا النوع من الوراثة.  ومنها ما تكون عاملًا مساعدًا في حدوثه أو في شدته.

أولًا: الوراثة المندلية:

وتشير إلى الأمراض الوراثية الناتجة عن عطب في جين واحد معين، ويبلغ عدد الأمراض الجينية التي تورث بهذه الطريقة المتعرف عليها حتى الآن أكثر من خمسة آلاف مرض.  والوراثة المندلية تكون على عدة أشكال من الاعتلالات: 

الاعتلالات الجينية السائدة (Autosomal Dominant Diseases):

تصيب هذه الأمراض الرجال والنساء على حد سواء.  كثيرًا ما تكون خفيفة ومتأخرة الظهور، ويكون في الأشخاص المصابين إحدى النسختين من الجين معطوبة والأخرى سليمة. وعليه فإن احتمال إصابة كل واحد من الأبناء هو 50% (انظر الشكل 1). وسميت سائدة لأن الجين المعطوب يسود ويطغى على الجين السليم. وقد تختلف نوعية الأعراض اختلافًا كبيرًا بين الأشخاص المصابين بهذا النوع من الاعتلالات وغالبًا ما تكون أسباب ذلك غير معروفه.  وكذلك يصعب توقع هل سيكون المرض شديدًا أم خفيفًا بناء على نوع الطفرة الجينية فقط؟ فقد يكون المرض خفيفًا عند الأب وشديدًا عند الابن أو العكس.  وفي بعض الحالات قد يصاب الشخص بالعطب الجيني ولا تظهر عليه أعراض المرض نهائيًا، ولكن قد يظهر المرض على أحد أبنائه.  وينبغي التنبه إلى أنه في بعض أنواع هذه الاعتلالات يمكن أن تحدث طفرات جينية في الشخص نفسه تسبب المرض ولا تكون موروثة من أحد الأبوين. 

أمثلة على هذه الأمراض: مرض هنتجتون (Huntington’s disease) في الأعصاب ومرض ارتفاع الكولسترول الأسريّ. 

   الاعتلالات الجينية المتنحية (Autosomal Recessive Diseases): 

أيضًا تصيب هذه الأمراض الرجال والنساء على حد سواء،  ولكن يلزم في الأشخاص المصابين أن تكون كلا النسختين من الجين معطوبتين. ويكون الأبوان سليمين ولكنهما حاملين للمرض؛ أي: أن كل واحد منهما يحمل نسخة معطوبة وأخرى سليمة ولا تظهر عليه أعراض المرض.  واحتمال إصابة كل طفل لأبوين حاملان للمرض هو 25% (انظر الشكل 2)، وسميت متنحية لأن الجين السليم هو الذي يطغى على الجين المعطوب. ولا يمكن لأحد الأبوين أن ينقل المرض لأبنائه حتى لو كان مصابًا إلا أن يكون زوجه حاملًا للمرض.  ولهذا تزيد نسبة الإصابة بهذه الاعتلالات في حال زواج الأقارب المتتابع جيلًا بعد جيل حيث يكون الجين المعطوب أكثر شيوعًا في بعض الأسر.  وبالمقارنة بالاعتلالات السائدة فإن هذه الاعتلالات تكون عادة أكثر شدة وتظهر بشكل مبكر ولا يكون هناك نفس القدر الكبير من الاختلاف في الأعراض بين الأشخاص المصابين.

أمثلة: الأنيميا المنجلية، الثلاسيميا. 

   الاعتلالات الوراثية المرتبطة بالجنس (X-linked (or sex-linked) diseases):

في هذا النوع من الاعتلالات يصاب الذكور دون الإناث؛ لأن لديهم نسخة واحدة فقط من كروموسوم (X)، بينما تنقل هذه الأمراض عن طريق الإناث الحاملات للمرض واللاتي يكن في العادة سليمات؛ لأن لديهن نسختين من كروموسوم (X).  ونسبة إصابة الأبناء الذكور لأم حاملة لهذا النوع من الاعتلالات 50% كما أن نصف بناتها يكن حاملات للمرض.  ويكون جميع بنات الأب المصاب حاملات للمرض (حيث يأخذون كروموسوم (X) من الاب) وجميع أبنائه سليمين (حيث يأخذون كروموسوم (Y).  وقد يكون بعض المصابين بأمراض مرتبطة بكرموسوم (X) غير قادرين على الإنجاب لشدة المرض (انظر الشكل 3).  في قليل من الحالات تظهر أعراض المرض على الأنثى الحاملة له عندما يكون نشاط الكروموسوم الحامل للجين المصاب أكثر من الكرموسوم السليم.

ثانيًا: دور الجينات في وراثة الأمراض المزمنة الشائعة:

تلعب الجينات (الطفرات أو التغييرات الجينية) دورًا مهمًا في الإصابة بمختلف الأمراض المزمنة الشائعة مثل السكري، والضغط، والربو وغيرها، وعليه يكون انتقالها في بعض الأسر أكثر من الأخرى.  ويضاف إلى ذلك الدور المهم الذي تلعبه البيئة في حصول تلك الأمراض. وعليه تكون الإصابة بتلك الأمراض نتيجة للتفاعل بين التركيبة الجينية للشخص والبيئة التي يعيش بها.  ولكن الدور الذي تلعبه الجينات هنا يختلف عن دورها في حالات الوراثة المندلية ففي الأمراض الوراثية المندلية تعزى الإصابة بالمرض إلى طفرة أو طفرات جينية في جين واحد معين بينما في الأمراض المزمنة الشائعة كالسكري مثلا يكون الإصابة بتغيرات في جين من عدة جينات قد تصل إلى العشرات تختلف باختلاف الأشخاص، سببًا في زيادة في احتمال الإصابة بالمرض في حال توافر الظروف البيئية المناسبة.  وسنأخذ هنا مرض الربو مثالًا لتوضيح المسألة.

الربو مرض مزمن يصيب الشعب الهوائية نتيجة التهاب تحسسي يصاحبه ضيق في تلك الشعب بسبب الانقباض المتفاوت في عضلاتها وزيادة كمية الإفرازات في المجاري الهوائية. في المتوسط يصيب هذا المرض 10-15% من الأشخاص في المجتمع، تختلف باختلاف الأعمار والمنطقة الجغرافية. وقد أوضحت عديد من الدراسات أن العوامل الجينية تلعب دورًا مهمًا في الإصابة بمرض الربو. حيث إن إصابة أحد الوالدين بالمرض يؤدي إلى زيادة احتمال إصابة أي من الأبناء إلى 25%. يعني 10% على الأقل فوق المعدل العام في المجتمع. كما أظهرت الدراسات على التوائم المتطابقة أن إصابة أحد التوأمين يزيد من احتمال إصابة الآخر إلى حوالي 80%. ليس هذا فحسب، بل إن دراسات التوائم المتطابقة كذلك أوضحت أن شدة أعراض مرض الربو يرجع 25% على الأقل لعوامل جينية. إضافة إلى ذلك فإن 50-90 % من التباين في الاستجابة لموسعات الشعب الهوائية يرجع إلى عوامل جينية. وحتى إنه يوجد أكثر من 20 جينًا تربطها علاقة بالإصابة بالربو.

أهم الطرق للتعرف على الجينات المتعلقة بالأمراض المزمنة الشائعة:  

  •    الطريقة الأولى:

 طريقة المسح الجيني حيث يُعمل مسح شامل للحمض النووي باستخدام معلمات محددة (تسلسلات معينة) على الجينوم للتعرف على المناطق المشتركة لدى المرضى المصابين ومن ثم تحديد الجينات التي لها ارتباط كبير بالمرض من الناحية الإحصائية بغض النظر عن الجانب الوظيفي للجين أو موقعه في الجينوم.  وتتطلب هذه الطريقة مشاركة الآلاف من المرضى.

  •    الطريقة الثانية: 

مقارنة مجموعة من المرضى بمجموعه سليمة لدراسة تأثير جينات مشتبه فيها أن لها علاقة بالمرض.  وينظر في التغيرات الجينية التي توجد عند المرضى ولا توجد عند الأصحاء.

وفي الحالتين الأولى والثانية ينبغي تعريف خصائص المرض عند الأشخاص المشتركين بالدراسات بدقة كبيرة.  وفي حال التعرف على طفرات جينية متعلقة بالمرض بدرجة عالية يتبع ذلك عادة دراسات وظيفية للتعرف على وظيفة الجين وطريقة تأثيره في المرض مما يساعد في فهم ميكانيكية المرض بدرجة أفضل وقد يؤدي في بعض الحالات لتطوير علاجات جديدة.  كذلك تهدف هذه الدراسات لإثبات نتائج الدراسات البحثية الأساسية الوظيفية. تستخدم في هذه الدراسات الوظيفية خلايا معينة تُزرع في المختبر وكذلك حيوانات تجارب تحمل طفرات متشابهة.

Share This