كيف تصنع بدلة فضاء؟
ديبرا ديفيز – ترجمة: د.أ – COSMOS – العدد 90 – 21 يونيو 2021م
ولعله يساعد أكثر لو بدت جميلة وجذابة حقًا. عادة ما نفكر بلباس نيل آرمسترونغ (Neil Armstrong) الضخم على أنه «الأفضل»، ولكن ليس هناك بدلة فضاء وحيدة وكاملة. والقضية ليست قضية تطور بدلة واحدة؛ إذ تلبي بدلات سبيس إكس (SpaceX) التي جرى الكشف عنها مؤخرًا هدفًا مختلفًا تمامًا عن هدف بدلة آرمسترونغ.
ولكن هنا بيت الداء في تاريخ بدلات الفضاء وتصميمها: لا يمكنك أن تحصل على واحدة دون الأخرى.
طيارون في العُلا
قبل الرحلات الفضائية، ارتدى رواد الطائرات النفاثة إصدارات أوليّة لبدلات اليوم لتساعد في التغلب على مشكلات الضغط وانخفاض الأكسجين في الارتفاعات الشديدة. ولكونها مصنوعة من المطاط المغطى بقماش قاسٍ، كانت هذه البدلات منفوخة لتحافظ على الضغط ثابتًا داخل البدلة في حال فشل القمرة المضغوطة. ويجري ضخ الأكسجين من خرطوم موصول بأسطوانات مضغوطة.
استخدمت (ناسا) هذا المبدأ في برنامج بروجيكت ميركوري (Project Mercury) (1958 -1963)، ولكنها أضافت طبقات من النايلون المطلي بالألمنيوم، وحذاءً بأربطة، وقفازات، وخوذة جديدة.
يقول ليس باديلا (Les Padilla)، مدير الأجهزة في وحدة التنقل خارج المركبة (EMU) التابعة لوكالة (ناسا): «كانت أكبر مخاوفنا الحرارة والإشعاع. ستجد موادًّا مصنوعة من الألمنيوم على البدلة منذ وقت مبكر، لأنهم أرادوا حقًا أن يتأكدوا من حماية الرجال. وبينما تلقينا المزيد من البيانات، اكتشفنا أننا لسنا بحاجة لها».
ساعد كلٌّ من البدلة والخوذة على دخول الأكسجين إلى الجهاز من خلال «حبل سري» عند الخصر، وعلى خروجه من خرطوم في يمين الخوذة. يعني لم يعدّ رائد الفضاء بحاجة إلى سدادة مطاطية كبيرة مربوطة إلى وجهه، ووفر الأكسجين تبريدًا إضافيًا.
كما أبقت وحدة تبريد خارجية البدلة باردة. كانت البدلات قاسية، وكانت الحركة فيها صعبة، ولكن المرونة في تلك المرحلة لم تكن أولوية.
أتى برنامج مشروع جيميناي (Project Gemini) التابع لـ(ناسا) (1965-1966م) بتحدٍّ آخر: المشي في الفضاء. جرى تحديث البدلات بنفاخة مطاطية داخلية لكي تُحكِم الضغط في الداخل، وبحبل سري ممتد لإدخال الهواء. كانت ساخنة وصلبة جدًّا؛ إذ أنهى رواد الفضاء المشي في الفضاء بجهد بالغ. ولكن لكل شيء بداية.


نيل آرمسترونغ
الأيقونة
استخدم مشروع أبولو (1973 Project Apollo) (1961-)
بدلات مشابهة لتلك التي استخدمت في مشروع جيميناي، ولكن مع تنبيه إضافي: كانت بحاجة إلى أن تكون مقاومة للقمر. وهكذا وُلدت بدلات وحدة التنقُّل الخارجية (EMU).
يقول مالكولم كولم (Malcolm Collum) رئيس القيمين على متحف (سميثسونيان) الوطني للطيران والفضاء: «البدلة بحد ذاتها معجزة هندسية، فكل تفصيل فيها له وظيفة محددة». لم يعدّ الحذاء عاديًا. الأحذية الفوقية الجديدة لها نعل سيليكوني أقوى مَحيك مع جزء علوي من الفولاذ المقاوم للصدأ. وتحمي الطبقات الإضافية من الوقاية الحرارية والكعب اللباد أقدام رواد الفضاء من الصخور القمرية الوعرة.
كما يمكن أن يصبح الجو حارًا ومتوهجًا جدًّا على سطح القمر – لأن الافتقار إلى الغلاف الجوي سيؤدي إلى هذا. يقول باديلا: «الواقي الذهبي للبدلة هو نظارات شمسية فخمة، فهو يحدب الأشعة فوق البنفسجية والإشعاعات الأخرى المؤذية القادمة من الشمس. كما أن الطبقة الخارجية للبدلة بيضاء تعكس الحرارة، ولو كانت سوداء لكانت ستسخن أكثر في وقت أسرع».
كتب آرمسترونغ نفسه إلى «عصبة وحدة التنقل الخارجية» التي صممت البدلة: «لقد كانت متينة، وموثوقة ومحببة نوعًا ما. إلى كل من أسهم في صنعها، أرسل لكم ما قيمته ربع قرن من الشكر والتهاني».
يقطين في الفضاء
قبل التفكير بأن تبدو وسيمًا في الفضاء، عليك الوصول إليه فعلًا.
يقول جيمس والدي (James Waldie)، الشريك المؤسس، والمدير التنفيذي لمؤسسة كيب بيونيكس (Cape Bionics) وأستاذ مساعد في معهد ميلبورن الملكي للتكنولوجيا (RMIT): «أصبح لدينا الآن بدلات للأنشطة داخل المركبة (IVA)، ويمكن ارتداؤها أثناء الإقلاع، والدخول مجددًا في الغلاف الجوي، وعند الهبوط».
مع حلول موعد مهمة المكوك الفضائي الخامس (كولومبيا) «Colombia» عام 1982، تم التخلي عن بدلات الضغط. بالنهاية، لم يمت أي أمريكي لعدم ارتدائه إياها. ارتدى فريق (كولومبيا) بدلات طيران زرقاء مع خوذة لتغذية الأكسجين بدت كمحار، وكانت مريحة أكثر.
ولكن في عام 1986م، تحطم المكوك الفضائي تشالنجر (Challenger) بعد إطلاقه بـ 73 ثانية فقط. واستخلصت التحقيقات التالية أنه بينما كان السبب الدقيق للوفاة مجهولًا، هناك دليل على أن بعض أفراد الطاقم قد نجوا من الانفجار الأولي – ولم يكن من الواضح إن كانوا قد ماتوا نتيجة الاصطدام بالمحيط أو بسبب فقدان ضغط القمرة. لو أنهم كانوا يرتدون البدلات ذات الطراز القديم التي كانت تنتفخ عند فقدان ضغط القمرة، ربما لنجا بعض أفراد الطاقم. ثم أصبحت بدلات الإقلاع وعودة الدخول إلى الغلاف الجوي معيارية، مما دعا إلى انقسام تطور بدلات الفضاء إلى طريقين مستقلين هما بدلات الأنشطة داخل المركبة (IVA)، وبدلات الأنشطة خارجها (EVA).
عُدّت مهمة مكوك ديسكفري (Discovery) في عام 1988م طريقة لاستعادة الروح المعنوية لاستكشاف الفضاء بعد خسارة (تشالنجر). وكانت السلامة أبرز الأولويات. صُنعت البدلات من مادة نومكس، وهي مادة صناعية تستخدم أيضًا في أقمشة الدروع الجسدية وفي تقوية هياكل السفن. وتُصنع أليافها، التي تسمى بالأراميد، من سلسلة جزيئات عطرية (تشكل حلقة من الكربون) يمكنها أن تتلاءم مع اتجاه الألياف، مما يصنع روابط كيميائية تزيد من قوة الألياف – فهي لا تذوب حتى تصل إلى درجات حرارة تفوق 500° س.
ولإسعاد عشاق البقاء على قيد الحياة، جرى تزويد الفِرَق أيضًا بسكين، ومؤشر لتحديد المواقع، ومستلزمات إشارات تضم إشارات ضوئية، وصفارة، ومرآة، وطوافة نجاة. أحدث البدلات هي (نظام نجاة طاقم أوريون) OCSS من صنع (ناسا)، والتي سيتم استخدامها في برنامج آرتيمس (Artemis). فبإمكانها إبقاء رائد الفضاء على قيد الحياة في قمرة خالية من الضغط لمدة تصل إلى ستة أيام. وهي مقاومة للحريق، وتضم ألبسة داخلية حرارية يتم تبريدها من خلال أنابيب مبطنة من السائل.
مع أن (ناسا) لم تفصح عن المواد المستخدمة في هذه البدلات، لكنها تزعم أن الخوذ مصنوعة من مواد أخف، وأقسى، وكاتمة للضوضاء. ولكننا نعلم أن بدلة (OCSS)، (الملقبة بالبدلة اليقطين نسبة إلى لونها البرتقالي الفاقع)، مصممة بسحاب منزلق لتساعد رائد الفضاء على التملص منها بسهولة في حالة الطوارئ.
كما أن البدلة الروسية سوكول (Sokol) بمعنى «الصقر» مشابهة للبدلة اليقطين هذه، باستثناء أنها بيضاء بشكل بارز مع زركشة زرقاء. وقد تم ارتداء بدلة سوكول على متن سويوز (Soyuz) المكوك الذي سجل 140 رحلة منذ ستينات القرن الماضي.
وقد جرى تحديث الطبقة المطاطية الأصلية بمادة نايلون 6 (بولي كابرولاكتام)، وهي مادة أخف من المطاط – تزن بدلة سوكول 10 كغ فقط. بينما يبلغ وزن البدلة اليقطين 42 كغ – يعود معظم وزنها إلى عدة النجاة ومظلة الهبوط التي تصل إلى 29 كغ.

سبيس إكس: عصر نخبة التكنولوجيا
كانت هذه البدلة التي ارتُديت على متن دراغون (Dragon) التابع لسبيس إكس (SpaceX) هي الأولى التي صُمِّمت مع أخذ الجمالية في الحسبان.
في الواقع، جرى تصميم بدلة ستارمان (Starman) بشكل جزئي على يد المصمم الهوليوودي خوسيه فيرنانديز (Jose Fernandez)، الذي، على ما يبدو، لم يدرك في البداية أنه كان يصمم لرحلة فضائية حقيقية – بل ظن أنها لفيلم.
يقول فيرنانديز: «ثم أدركت أنه برنامج فضائي حقيقي، وكان لدي أسبوعان فقط لتقديم البدلة إلى إيلون ماسك (Elon Musk). فأخبرتهم لا أستطيع تقديم بدلة كاملة في أسبوعين، ولكن قد أكون قادرًا على تقديم خوذة».
كانت الخوذة أنيقة، وبيضاء، ومصنوعة من النومكس والكفلر (مادة صناعية أخرى من الأراميد) بوزن 9 كغ. وهي مزودة بنقطة اتصال عند الفخذ تسمح بدخول الهواء والطاقة من المقعد.
صُمِّمت بدلة ستارمان مثل اليقطين بشكل فردي لرواد الفضاء لتحقيق الراحة المثلى، واستكملوها بخوذة عليها طبعة ثلاثية الأبعاد. وتتوافق قفازات البدلة مع شاشة اللمس للعمل على لوحة تحكم المكوك. يقول كريس تريغ (Chris Trigg)، مدير المعدات وبدلات الفضاء لفريق سبيس إكس: «إنها ليست مجرد قطعة من المعدات، إنها شيء شخصي جدًّا. إنها بدلة (بوب)، وبدلة (دوغ)».
وأضاف فرنانديز: «أراد إيلون ماسك أن تبدو أنيقة، يجب أن تكون عملية، ولكن لا بد أن تبدو جذابة، بحيث نظهر كالأبطال فيها».
ألبسة الترفيه في عصر الفضاء
الوصول من وإلى الفضاء أمر، ولكن البقاء هناك لأي مدة من الزمن أمر آخر يأتي بتحديات أخرى. بينما يبدو أنَّ الفريق في المحطة الفضائية الدولية (ISS) يرتدون بدلات رياضية مريحة، إلا أن الواقع أكثر تعقيدًا مما يبدو.
تكيفت أجسامنا مع جاذبية الأرض؛ لأننا مخلوقاتها، وهذا يعني أن صحتنا تتأثر بغياب الجاذبية أيضًا، إذ يسبب فقدان الجاذبية خسارة رائد الفضاء للكتلة الجسدية، لذا عليه أن يرتدي بدلة تحميل الجاذبية.
يقول (والدي): «صُمِّمت هذه البدلات لتحمل الجهاز الهيكلي بالطريقة نفسها التي يحمل فيها وزن الجسم العظام هنا على الأرض. يخسر رواد الفضاء ما يصل إلى ٪2 من كتلة العظام شهريًا في الفضاء، لأنهم يطفون في الهواء، ويصابون بضمور في العظام والعضلات في أثناء تكيفهم مع البيئة الجديدة. علينا أن نفكر في حجم جسد كل رائد فضاء ووزن أطرافه، حتى نتمكن من حساب نظام التحميل الطبيعي على الأرض، ثم علينا الأخذ في الحسبان الحجم عند كل ملليمتر من الطول لكي نصمم بدلة يمكنها تحمله عموديًا، على أن تتمتع بالقدرة الأفقية المناسبة لتمسك بالبدلة بشكل مريح في مكانها ولتنقل الأحمال».
يزداد تعقيد هذه العملية لأن حسابات تحمُّل الجاذبية التي تُؤخذ على الأرض لرائد الفضاء تختلف عن شكل جسدهم في الفضاء.
يقول (والدي): «في الفضاء، تعيد السوائل التوزُّع بشكل متساوٍ على طول الجسم، فتحصل على أرجل أرفع، ووجه منتفخ. ولأن حجم الساق يتناقص، علينا أن نلائم هذا الأمر في تصميم البدلة».


المشي في الفضاء
تثير بدلات النشاطات الخارجية (EVA) الجدل لكونها أكثر البدلات تعقيدًا من حيث التصميم، لأنها وحدها المسؤولة عن بقاء رواد الفضاء على قيد الحياة أثناء المشي في الفضاء. يقول (باديلا): «هدفها كهدف طائرة مصغرة، ولكنها يجب أن تسمح بالحركة والمرونة والقدرة على المناورة، بحيث يتمكن أفراد الفريق من الإنجاز في عملهم».
يختلف الضغط في الفضاء عن سطح الأرض؛ على الأرض، يتوافق الضغط الداخلي لأجسادنا مع الضغط الخارجي للهواء، مما يخلق توازنًا. أما في الفضاء، لا يوجد ضغط تقريبًا، وسيتمدد الهواء داخل أجسادنا بنحو خطير بينما يحاول ملء هذا الخواء، في الوقت ذاته تنخفض نقطة غليان السوائل لدرجة يمكن فيها للدم أن يغلي حرفيًا. للتغلب على هذه المشكلة، لا بد من ضغط بدلات النشاطات خارج المركبة (EVA).
ولكن كما يشرح (والدي)، عندما تنتفخ البدلة تصبح صلبة، كإطار سيارة. «وكلما نفختها، أصبحت أكثر صلابة، لذلك فإن التحدي الأكبر هو تصميم بدلات مضغوطة بالغاز توفر حركة مناسبة، ولكن خفيفة وصلبة في الوقت ذاته».
كما يتغير حجم أجسادنا عندما نتحرك؛ فإذا ثنيت عضلة لتحرك ذراعًا، يزداد حجم جسدك ويأخذ مساحة أكبر. وهذا الهواء يضيّق على رائد الفضاء، فيصبح المشي في الفضاء متعبًا جدًا.
يقول (باديلا): «لقد كان منهكًا، فالضغط على يديك، وعلى جسدك، ولكي تتحرك، لديك 1.95 كغ من الضغط على كامل جسدك تحاول التحرك في مواجهته».
صُمِّمت بدلات الأنشطة الخارجية (EVA) لمهمات خارجية مختلفة، فمن غير العملي وضع كل الأدوات في بدلة واحدة. يقول (والدي): «تتوفر بدلات النشاط الأنشطة الخارجية بأحجام مختلفة، ثم يمكن تعديل العناصر لاحقًا».
كانت البراعة والمهارة الحركية الدقيقة الضرورية لتشغيل الأدوات لصيانة وإصلاح المركبة الفضائية من الخارج أمر جوهري، وهذا ما يجعل القفاز عنصرًا مفتاحيًا. يقول (والدي): «يمر القفاز على وجه التحديد بعملية ضبط دقيقة. حيث يجب تعديل طول الأصابع لتمنح رائد الفضاء أقصى قدر من الحركة والقدرة على اللمس. إن تصميم القفاز صعب جدًّا، لأن اليد هي ربما أعقد هندسة مفصلية في الجسم».
المهارة ليست جوهرية فحسب، بل من الخطورة ألا يكون قياس القفازات مناسبًا. يفسر (والدي): «لقد عملتُ في (ناسا) على دراسة تقوم على النظر في الإصابات التي لحقت برواد الفضاء من المستخدمين الذين استخدموا قفازات (EVA)، بالبحث بشكل أساسي في انفصال الأظافر- أي موت الظفر وسقوطه أثناء استخدام القفازات في التدريب أو الطيران. المشكلة سيئة جدًا حتى إن أحد رواد الفضاء أزال أظافره قبل الرحلة».
وذلك لأن الأصابع تتغير في طولها وحجمها عند ثنيها، لذا لا بد من تصميم القفاز على نموذج لليد في وضعية مثالية يكون فيها طول الأصابع مثاليًا، ولكن عندما يفتح رائد الفضاء أصابعه ويغلقها، تتغير وضعيتها في القفاز.
يمكن أن تفقد أطراف الأصابع الاتصال بالقفاز، وهذا ما يجعل العمل صعبًا جدًّا، كما يمكن أن يسبب احتكاك الظفر بالقماش بوقوعه.
لا بد أن تكون القفازات من مادة ناعمة لتساعد على المرونة، ولكن لا بد أن يحمي جسم وحدات التنقل الخارجية التابعة لـ(ناسا) المصنوع من الألياف الزجاجية، والخوذ المصنوعة من البولي كربون رواد الفضاء من الحطام الفضائي.
مقدمة الخوذة من البلاستيك الشفاف مع مجال عريض للرؤية، بما أن حركة العنق صعبة، كما أنَّ لها صمام تطهير لإخراج ثاني أكسيد الكربون الذي يصبح سامًّا في المستويات العالية. وتتمتع الخوذة بقشة قاسية متصلة بعلبة شراب، لأن الترطيب أمر جوهري، كما أنَّ البدلة تراعي البقاء لعدة ساعات، وهي مزودة بحفاظ للفضاء.

رائدا الفضاء جيمس إروين (على اليسار)، وجون بول يبرهنان على بدلة الفضاء أبولو (A-6L) تشتمل بدلة بول (على اليمين) على طبقة واقية من النيازك الحرارية البيضاء الخارجية، ونذا ما أسهم في تطوير (IVA) إلى (EVA)
ماذا عن النساء
أول عملية سير نسائية في الفضاء جرت في عام 2019م، وقد ألقت الضوء على مشكلة وُجدت منذ 36 عامًا عندما أصبحت سالي رايد (Sally Ride) أول امرأة أمريكية في الفضاء، وبصريح العبارة، فقد صُمِّمت بدلات الفضاء للرجال.
كان من المفترض تنفيذ السير في الأصل في مارس 2019م، ولكن أدركت رائدتا الفضاء كرستينا كوخ (Christina Koch) و آن مكلين (Ann McClain) أنهما لا تمتلكان البدلات المناسبة.
لاحظت مكلين أن «قميص» (EVA) ذا المقاس المتوسط ناسبها أكثر من المقاس الكبير، ولكن لم يكن هناك ما يكفي لكلٍّ منهما. وبما أن تبديل رائد الفضاء أسهل من تبديل البدلة، تم استبدالها بزميل ذكر. وهذا لم يكن حلًا مفاجئًا.
يشرح كين باورسوكس (Ken Bowersox)، القائم بأعمال المدير المشارك في الاستكشاف البشري في (ناسا): «ثمة بعض الأسباب الجسمانية التي تجعل من الصعب على النساء في بعض الأحيان المشي في الفضاء، وهذا الأمر أشبه تقريبًا باللعب في الاتحاد الوطني لكرة السلة. كما تعلم، أنا أقصر من أن ألعب في الاتحاد الوطني لكرة السلة، وفي بعض الأحيان قد تصنع السمات البدنية فرقًا في أنشطة معينة. والمشي في الفضاء هو أحد هذه المجالات، فبمجرد تكوين شكل الجسم، يصنع فرقًا في مدى جودة صنع بدلة».
حقًا يا كين؟ في النهاية، يمكن صنع البدلات وليس الأجسام، طالما تمكنا من صنع مركبة فضائية لتعمل من أجل الناس دون الحاجة لأن «نصنع» أشخاصًا من أجل المركبة الفضائية، ألا يمكننا أن نفعل الأمر ذاته بالنسبة للبدلات؟ تقول دافا نيومن (Dava Newman)، نائب المدير السابقة في (ناسا)، التي تعمل على تصميم بدلة فضائية جديدة في (MIT): «يمكن تنفيذ هذه الإصلاحات والمهام من قبل أي فرد في سلك ريادة الفضاء، هذا مؤكد، وذلك إن كانوا يرتدون البدلة المناسبة».
قد يُعالج هذا الأمر في آرتيمس بما أن الجيل التالي من بدلات (xEMU) التابعة لـ(ناسا) تتلاءم مع نطاق أجسام من «الأنثى الأولى في المئة حتى الذكر التاسع والتسعين في المئة» بحسب قول كريستين ديفز (Kristine Davis)، مهندسة بدلات مرموقة في (ناسا).
ويضيف جيم برايدنستن (Jim Bridenstine) مدير (ناسا): «نحن نريد من كل فرد يحلم بالذهاب إلى الفضاء أن يكون قادرًا على إقناع نفسه بأنه يملك الفرصة».


مهندسة الطيران في ناسا (آن ماكلين) ترتدي بدلة (سوكول) الروسية أثناء استعدادها لإطلاق (سويوز) إلى محطة الفضاء الدولية، في عام 2018م
النظر إلى المستقبل
سيركز الجيل التالي من بدلات الفضاء في المشي على الأجرام السماوية.
يقول (والدي): «تصميم البدلات الفضائية العملية، التي تسمح بالحركة في آنٍ معًا، يشكل تحديًا كبيرًا، وعلى وجه الخصوص إن كنا نتطلع إلى بدلات القمر والمريخ، التي تتطلب أحذية خفيفة ومرنة». لكلٍّ من القمر والمريخ جاذبية أقل من الأرض، ولكنها أكبر من الفضاء، لذا سيحتاج المستكشفون بدلات تؤمن مستوىً دقيقًا من تحميل الجاذبية.
يملك العلماء معلومات جيدة عن الجاذبية على الأرض والجاذبية في الفضاء، ولكن لا يعلمون الكثير عن مستوى الجاذبية فيما بينهما.
يقول (والدي): «سيكون من المهم التفكير في وقت الذهاب إلى القمر لفترات طويلة، فنحن لا نعلم إن كانت الجاذبية المريخية كافية للحفاظ على صحة شخص في مهمة تدوم لسنتين ونصف السنة»، تحتاج مهمات الهبوط إلى رواد فضاء يستطيعون «القيام بأكثر من مجرد التحليق والاستمتاع بالمناظر، يجب أن نكون قادرين على فك (الصوامل)، وأن نكون قادرين على سحب البطاريات الكبيرة واستبدالها، لذلك هم بحاجة إلى بدلات توفر البراعة والحماية من البيئة الفضائية القاسية».
ربما ستشابه هذه العملية تطور (IVA). خطوة صغيرة، ثم خطوة صغيرة أخرى، وربما خطوة متوسطة من وقت إلى آخر.
ولكن الوظيفة الجوهرية ليست الإلهام، أو الأزياء، أو الهوى، إنها المنتج النهائي لعقود من التطور وآلاف الأشخاص المساهمين في مهمة واحدة، ألا وهي إبقاء رائد الفضاء على قيد الحياة.

البدلات تُحاك، ولا تنمو
لا يتم «بناء» بدلات الفضاء. في الواقع، تجري حياكتها. إذًا كيف تحيك بدلة فضاء؟
حيكت بدلات أبولو على يد خياطات محترفات، مثل: جين ولسون، التي حاكت يدويًّا بإتقان جذع بدلة الهبوط على القمر، وذراعيها، وساقيها.
في عملها السابق في خياطة الحقائب، كان كل شيء يتم بسرعة، بحسب قولها، ولكن بالنسبة إلى بدلات الفضاء أبولو، «كان كل شيء بطيئًا جدًّا. في كل مرة تخيط فيها درزة، كان لا بد من فحصها بسبب أهمية ما كنا نفعله».
«كان لا بد من إجراء فحص بالأشعة السينية للتأكد من خلو البدلة من الدبابيس أو أي شيء آخر. كانت هناك ليالٍ كنا نذهب فيها إلى المنزل ونشعر بالقلق (يا إلهي، هل تركت فيها دبوسًا؟)، وربما ستفقد القدرة على النوم بعض الشيء أحيانًا. في الواقع لقد شعرت بالانهيار، وصرخت: (أعلم أنني تركت دبوسًا)».
استدعى شكل القفاز وطبيعته الشديدة التعقيد وجود خيّاطات مختصّات.
تقول جوان تومبسون المتخصصة في القفازات: «كل رائد فضاء له قالب مصنوع بشكل خاص لشكل يده، كان لجزء راحة اليد أشرطة طويلة تصل إلى الأصابع، وتتصل بجزء العقلة، وهناك فتحة للإبهام، وكان علينا الخياطة حول كل هذا».
اشتملت القفازات على حواف نسيجية، مثل: الأكورديون، تسمى ملتوية، حتى يتمتع رائد الفضاء بأقصى قدر من المهارة. كان لا بد من صنع قفازات متعددة لجميع مراحل الاختبار، قبل أن يصعد رواد الفضاء مركبة الفضاء بمدة طويلة.
تقول تومبسون: «كان علينا عمل أنواع مختلفة من عينات الدرزات، وكانوا يختبرونها حتى تتمزق. وقد اعتدنا أن نصنعها طوال اليوم، وكنا نعلم أنها ستُلقى في القمامة، لكننا كنا نعلم أنَّ حياة رجل ستعتمد عليها، لذلك واصلنا العمل».
