كيمياء الصابون
جاسينتا بولر – مجلة – COSMOS العدد 91/ ترجمة: ديمة أبو ظهر
من الذي أصبح أكثر إلمامًا بالصابون مؤخراً؟ إذا كان عام 2020م هو العام الذي تعلمنا فيه أن نغسل ما بين أصابعنا بدقة حتى أعلى سواعدنا، فقد كان أيضًا العام الذي اكتشفنا فيه وقوفنا مدة 20 ثانية أمام مرآة الحمام.
لكن هل توقفت يومًا لتتساءل كيف تعمل قطعة صابون اليد المتواضعة؟ كيف بقيت تلك “الكعكة” الزلقة التي تم اختُرعت منذ آلاف السنين على قدم المساواة مع معقم اليدين أو أيٍّ من منتجات التنظيف الحديثة الأخرى التي نستخدمها لمقاومة الفيروس الذي أصبح وباءً؟
صابون اليد، ببساطة، هو مجرد مزيج من الدهون أو الزيت مع مادة قلوية. كان سكان بلاد ما بين النهرين القدامى أوَّل من استخدم رغوة الصابون بهذه الطريقة، إذ مزجوا الدهون الحيوانية بالماء ورماد الخشب لإنتاج مادة، على الرغم من أنها بلا شك دهنية وكريهة الرائحة جدّاً، إلا أنها قادرة على إزالة الأوساخ والقذارة بطريقة أشبه بالمعجزة.
ببساطة، يقسم رماد الخشب الدهون الحيوانية أو الزيت (المسمى بالدهون الثلاثية) إلى جزيئات تسمى الأمفيفيلات (الجزيئات مزدوجة الألفة)، ولهذه الأمفيفيلات نهاية تحب الماء وأخرى تكرهه.
لفيروس كورونا غشاء من جزيئات الدهون الزيتية، ينتأ منه بروتينات تساعد الفيروس على إصابة الخلايا
يوضح بروفسور الكيمياء (بول ثوردارسون) في جامعة نيو ساوث ويلز: «عادة ما يكون أحد طرفيها ضخمًا وقصيرًا؛ نقول إنه أليف للماء – إنه يتفاعل بقوة مع الماء، ثم هناك نهاية طويلة وكارهة للماء؛ نسميها “ذيل دهني”».
يشكل نوع مشابه جدّاً من الجزيئات – يسمَّى الفوسفوليبيد – أغشية الخلايا لدينا.
اخترع سكان بلاد ما بين النهرين منتجًا لا زلنا نستخدمه بعد 5000 عام. لا يزال صابون اليوم، المعزز بالمنعّمات الغريبة والزيوت والألوان والروائح، يستخدم الآلية الأساسية ذاتها – الأمفيفيلات.
قد لا تعرف (ثوردارسون)، لكنه في الواقع انتشر بسرعة في أوائل عام 2020م بفضل خيط تويتر حول كيفية عمل الصابون ضد جزيئات الفيروسات، لذلك فهو يعرف شيئًا أو اثنين عن هذا الموضوع.
ويفسر «لقد كانت تجربة رائعة، لطالما كنت مهتمّاً بالدهون منذ أيام ما قبل شهادة الدكتوراه».
في خيطة الشهير، الذي كان بالأصل منشوراً في فيسبوك باللغة الأيسلندية، قام العالم بتفكيك الكيمياء فوق الجزيئية وراء فعالية الماء والصابون.
تخيل لو أنك تستطيع الرؤية على مستوًى جزيئي أثناء غسيلك ليديك.
بمجرد شطف يديك بالماء ورغي الصابون عليهما، تبدأ الأمفيفيلات في العمل. تحاول النهايات الكارهة للماء تجنب الماء بأي ثم، لذلك تبدأ في التجمع بجانب بعضها بعضًا، لتشكل في النهاية كرة مع النهايات المحبة للماء التي تواجه الماء والنهايات الكارهة للماء بداخلها.
ولكن الأمفيفيلات تنجذب أيضًا إلى جزيئات أخرى غير مائية، مثل الأوساخ والشحوم والبكتيريا وخلايا الجلد الميتة – وحتى الفيروسات.
يقول (ثوردارسون): «إنَّ الفيروس هو في الحقيقة مجرد جزيئات لحم صغيرة دهنية على نطاق نانوي، وستحاول الذيول الدهنية الموجودة في جزيئات الصابون تجنب الماء عن طريق الالتصاق بالفيروس الدهني”.
لأنَّ معظم البكتيريا والفيروسات لها أغشية خلوية (تسمى “مغلفات” في حالة الفيروسات)، يمكن للأمفيفيلات أن تفلع الجزيئات مثل العتلة، فتنسكب المحتويات وتثبط نشاط الفيروس أو البكتيريا. ثم تشكل الأمفيفيلات كرات صغيرة حول المحتويات المنسكبة، وتكون جاهزة لغسلها في البالوعة عند شطف يديك.
عن قرب: كيف يعمل الصابون في مواجهة فيروس كورونا
لجزيئات الصابون بنية هجينة، برأس أليف للماء يرتبط به وذيل كاره للماء يتجنبه.
تجاهل كل الروائح والألوان المختلفة والعبوات الفاخرة وستجد أنَّ معظم أنواع الصابون تعمل بنفس الطريقة. يقول (ثوردارسون): “صناعة الصابون بأكملها تعتمد على التسويق بنسبة 99% لأنهم يبيعون بشكل أو بآخر الشيء نفسه».
ولكن هناك فئة من الصابون ظهرت في السنوات القليلة الماضية تدعي أنها “مضادة للجراثيم” أو “مضادة للميكروبات”. على الرغم من أنَّ هذا قد يبدو حيلة إعلانية – وهو فعليّاً كذلك – إلا أنَّ أنواع الصابون هذه في الواقع مختلفة قليلاً في طريقة عملها. تحتوي بعض أنواع الصابون التي يتم التسويق لها على أنها مضادة للبكتيريا على “مكونات نشطة” مثل التريكلوسان والكلوروكسيلينول، ولكن كانت هذه المكونات مثيرة للجدل. في عام 2016، بعد أن عجز المصنعون عن إثبات أنها آمنة للاستخدام اليومي على المدى الطويل، أو أنها في الواقع أفضل من الصابون العادي، حظرت إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة 17 مادة كيميائية بما في ذلك التريكلوسان ومضاد آخر للبكتيريا يسمى تريكلوكاربان – لذلك لن تجدها في الصابون. ومع ذلك، قد لا تزال تجد مكونات أخرى مثل حمض اللاكتيك في أنواع الصابون التي يتم التسويق لها على أنها “مضادة للبكتيريا”.تجاهل كل الروائح والألوان المختلفة والعبوات الفاخرة وستجد أنَّ معظم أنواع الصابون تعمل بنفس الطريقة. يقول (ثوردارسون): “صناعة الصابون بأكملها تعتمد على التسويق بنسبة 99% لأنهم يبيعون بشكل أو بآخر الشيء نفسه».
لكنَّ معظم أنواع الصابون المضادة للبكتيريا تتجنب الآن استخدام هذه المكونات المثيرة للجدل. يوضح (ثوردارسون): «بعض التركيبات المضادة للبكتيريا التي تُباع في الواقع تحتوي على الإيثانول. بمعنى ما، إنهم في الأساس يأخذون الصابون ومعقم اليدين ويمزجونهما معًا. هذا كل شيء حقّاً، وهو يعمل بشكل جيد».
يعمل الإيثانول بشكل مختلف عن الصابون عن طريق تغيير طبيعة البروتين الناتئ الموجود على السطح الخارجي للفيروس. يشبّه (ثوردارسون) ذلك بالزلزال، حيث يهتز كل شيء لدرجة انهيار الغلاف البكتيري والفيروسي.
إنَّ عمل كل من الإيثانول والصابون معًا يخلق فريقًا مذهلاً. على الرغم من أنَّ الصابون في حد ذاته يمكن أن يقضي على فيروس كورونا، إلا أنَّ الفيروسات والبكتيريا الأخرى تحتوي على أغلفة أكثر صلابة، ويمكن للإيثانول والصابون معًا إزالة المزيد من أنواع البكتيريا والفيروسات من يديك.
قد تعتقد أنَ تغيير طبيعة كل هذه الخلايا قد يسبب مشكلة بالنسبة إلينا أيضًا، بحسبان أنَّ جلدنا مصنوع أيضًا من خلايا ذات أغشية خلوية، ولكن في هذه الحالة يكون وجود كثير وكثير من الخلايا أمرًا مفيدًا.
تتكون الطبقة الخارجية من جلدنا – الطبقة القرنية – من نحو 15 طبقة من الخلايا الميتة المسطحة التي تفتقر إلى أغشية الخلايا. بدلاً من ذلك، لديها غلاف أكثر صلابة من البروتينات الهيكلية يسمى “الغلاف المقرن” الذي لا تهتم به الأمفيفيلات بنفس القدر.
هذا لا يمنع الصابون من إحداث ضرر بسيط لبعض الخلايا، ولكن مع تساقط الطبقة القرنية باستمرار، يمكننا تحمُّل فقدان بعض الخلايا هنا وهناك. من ناحية أخرى، فإنَّ البكتيريا والفيروسات – التي يبلغ عدد خلاياها خلية واحدة – لا تعمل بشكل جيد.
مع تقدم البحث في كوفيد-19، تعلَّمنا أنَ غسل أيدينا بالصابون أو المطهر – مع أنه جيد – ليس الطريقة الوحيدة لحماية أنفسنا. لكن هل من المحتمل أن نرى شيئًا أفضل من الصابون في المستقبل؟ لا يعتقد (ثوردارسون) ذلك.
ويوضح قائلاً: «إنه زهيد الثمن، وآمن، ولا يسبب لنا أي ضرر، ولا يلحق أذىً بالبيئة التي يمكننا رؤيتها، ويتحلل بسرعة. أنا أتطلع لإيجاد طريقة لتحسينه».