هل يمكن للجينات
أن تطيل عمرك أو تنقصه؟
د. أمنية عجوة – علوم صيدلة – جامعة عين شمس – مصر
من منا لم يفكر من قبل كم سيعيش؟ وهل سيموت بطريقة طبيعية أم بتأثير المرض؟ فنحن لا ندري متى سنموت؟ ولكن ماذا عن تأثير الجينات؟ هل يمكن أن تطيل أعمارنا أو تنقصها؟ لطالما جذبت انتباهي فكرة الجينات وتأثيرها المميز وغير المتوقع أحيانًا على حياتنا من أمراض تصيب الإنسان، أو متلازمات غريبة تجذب العلماء لدراستها لسنوات طويلة، بالإضافة إلى أنها أحيانًا تؤثر على أعمارنا، فالعمر المتوقع لشخص طبيعي ليس كطفل مصاب بمتلازمة داون، أو بأمراض جينية تسبب مضاعفات، ومن ثَم الإصابة بأمراض أخرى تنقص العمر الافتراضي.
هل للجينات دور في طول عمر النساء؟
هل فكرت يومًا لماذا تعيش النساء عمرًا أطول من الرجال؟ أو لماذا تلاحظ وجود أرامل من النساء أكثر من الرجال؟ توجد عدة أسباب توضح زيادة متوسط عمر النساء المتوقع بالمقارنة بالرجال، ولكننا نهتم أكثر بدور الجينات، فهل لها تأثير؟
أجريت دراسة عام 2022 حاولت الإجابة عن سؤال: لماذا يموت الرجال في أعمار أصغر من النساء؟ وأوضحت الدراسة أن السبب يرجع إلى كروموسوم (Y) غير المتوفر عند النساء.
هناك عدة أدوار يلعبها الكروموسوم (Y) أكثر من كونه جينًا يحدد جنس الشخص، فإذا كان موجودًا في الخلايا يكون ذكرًا، وإذا كانت الخلايا تحوي كروموسومين (X) فهذا يعني أنها أنثى، ولكن يلعب كروموسوم الذكورة دورًا في الإصابة بالأمراض من عدمه، وله دور في تقليل عمر الرجال من خلال زيادة إصابات القلب مع التقدم بالعمر، بالإضافة إلى فشل القلب عند الرجال.
حاول العلماء تفسير هذه الظاهرة المتعلقة بكروموسوم (Y)، ووجدوا أنها تعود إلى اختلال الصيغة الصبغية لكروموسوم الذكور في خلايا الدم عندما يتقدم الرجل بالعمر، حيث يفقد جزءًا من كروموسوم (Y). ولا يعلم العلماء حتى الآن لماذا يفقد الرجال هذا الجزء عند تقدم أعمارهم؟ ولكنه يحدث بنسبة 40% للرجال بدءًا من عمر 70 عامًا، وينشأ أيضًا بنسبة تتجاوز50% لمن تخطوا عمر 90 عامًا.
اعتقد بعض الباحثين في البداية أن فقدان جزء من الكروموسوم الذكري أمرٌ طبيعي للتقدم بالعمر وليس له تأثير، ولكن مع زيادة الأبحاث، جاءت النتائج مختلفة بعض الشيء، حيث وجد أنه يقلل من العمر المتوقع للفرد، بالإضافة إلى أنه متعلق بزيادة خطر الإصابة ببعض الأمراض أيضًا مثل:
- مرض الزهايمر.
- الإصابة ببعض أنواع السرطان.
- أمراض القلب.
- لم تؤكد الأبحاث إذا ما كان فقدان جزء من الكروموسوم (Y) يسهم بصورة مباشرة في نشأة الأمراض، وكذلك هل هناك عوامل أخرى تحفز هذا الأمر؟ ولكن بالتجربة على الفئران وُجد أن فقدان جزء من الكروموسوم (Y) في خلايا الدم ساهم بصورة مباشرة في حدوث ما يلي:
- جعل أنسجة القلب عُرضة أكثر لِتكّون الندوب.
- الموت المبكر للفئران.
- تَكّون الندوب في الكلى والرئتين.
إذا فُقد جزء من كروموسوم (Y) فهذا يعني وجود نسبة أعلى لوفاة الفرد لأي سبب مرضي خلال 7 سنوات قادمة. ويصل معدل خطر الوفاة لديهم، من فشل القلب أو أمراض القلب المتعلقة بارتفاع ضغط الدم، إلى مرتين أو 3 مرات ضعف الأشخاص الطبيعيين ذوي كروموسوم (Y) مكتمل.
يعتقد العلماء أن فقدان جزء من الكروموسوم الذكري قد يغير من وظيفة الخلايا المناعية، لذا قد يكون هذا سببًا لتكوّن الندوب في الأنسجة.
إذا كنت تتساءل عن سبب فقدان جزء من الكروموسوم في بعض الرجال دونًا عن غيرهم، فمن المحتمل مساهمة التدخين في فقدان هذا الجزء، أو بسبب الجينات التي وُلدنا بها، ولكننا نحتاج إلى أبحاث أكثر للتعرف على الأسباب بدقة.
جينات العمر حقيقة أم خيال؟
أتعتقد بوجود جينات خاصة بالموت؟ أثارت مجموعة من الأسئلة عقول العلماء منذ عدة سنوات مثل: هل هناك طفرات جينية عند حدوثها تحفز موت الفرد؟ كذلك هل يمكن للطفرات الجينية أن تكون سببًا في إصابة الفرد بالأمراض مثل: الأمراض العقلية كالخرف وأمراض القلب؟
أجريت دراسة عام 2020 للتعرف على الطفرات الجينية المتوارثة والنادرة التي قد تعمل معًا وتسبب تدميرًا للفرد وتقلل من عمره الافتراضي أو مدى قوة صحته خلال سنوات الحياة، ونتج عن هذه الدراسة تحديد نوع خاص من الطفرات الجينية النادرة التي من شأنها تقليل العمر المتوقع للفرد ومدى صحته أيضًا مما يجعله أكثر عُرضة للإصابة بالأمراض.
حاول العلماء دراسة الجينات الخاصة بالمُعمّرين، وهم الأفراد الذين يعيشون لمائة عام فأكثر، ولكن لم يتمكنوا من معرفة الجين الخاص باستمرار حياة هؤلاء المُعمّرين.
حاول الباحثون في الدراسة اكتشاف الطفرات الجينية المتعلقة بالعمر، وسبب الإصابة بالأمراض من خلال دراسة الحمض النووي لمجموعة من 40 ألف شخص متوسط أعمارهم حوالي 50 عامًا.
عُثر على مجموعة من الجينات النادرة تعرف باسم متغيرات اقتطاع البروتين (PTVs) لها علاقة بالعمر، وهي من الطفرات الجينية الضارة التي تغير كمية البروتينات المهمة في الجسم ووظيفتها، ويتعلق زيادة هذه المتغيرات بالإصابة بأمراض عدة مثل: الفصام، والتوحد، والصرع.
إذا تراكمت كمية كبيرة من (PTVs) في جسم الشخص على مدار حياته، فإن ذلك يؤثر بالسلب على صحته العامة ومدة بقائه على قيد الحياة، حيث يقلل عمر الشخص حوالي 6 أشهر، أما صحته فينقصها مدة شهرين.
قد نولد بهذه الطفرات الجينية دون أن ندري، وكذلك تزداد الطفرات الجينية شيئًا فشيئًا داخلنا تلقائيًا كلما تقدمنا بالعمر، ولكن تأثير معظم الطفرات قد يكون بسيطًا ويتعلق بظهور علامات التقدم بالعمر والشيخوخة، أما تأثير (PTVs) فيكون أخطر من الطفرات الجينية الأخرى.
هل يمكن إطالة العمر بالتلاعب بالجينات؟
بالحديث عن الشيخوخة، حاول العلماء دراسة تأثير الجينات على أعمار البشر وتطور الشيخوخة، مع العلم أن عمر الأفراد متصل بعوامل أخرى مثل: الأمراض المصاب بها الفرد، ونمط حياته، ولكن وُجد جين واحد قد يسهم في حياة الكائن الحي.
يرى الباحثون أن اكتشاف هذا الجين نقطة هامة للبدء بفرضيات وأبحاث جديدة لدراسة تعديل مدة الحياة من خلال التلاعب الجيني والقضاء على الشيخوخة، فهل ذلك ممكن في المستقبل القريب؟ مع العلم أن هذا البحث أُجري على مجموعة من الديدان، ولا نعرف تأثير هذا الجين على عمر الإنسان والتلاعب به حتى الآن.
يعرف هذا الجين باسم (2–daf) ويُنتج بروتين يشبه إلى حدٍ كبير المُستَقبِل البروتيني الذي يستجيب لهرمون الإنسولين في جسم الإنسان، وينظم هذا الجين عدة أمور بالجسم مثل:
- مقاومة الإجهاد.
- الشيخوخة.
- التطور والنمو.
- التمثيل الغذائي.
لكن كيف لجينٍ واحد أن يؤثر على العمر الافتراضي للشخص؟ ببساطة يتحكم جين (2–daf) في عدة جينات أخرى، وهي التي تنظم مجموعة من العمليات الفسيولوجية في الحياة حيث تنتج بروتينات تطيل الحياة من خلال عملها كمضادات للأكسدة، وكذلك بإجراء تأثير مضاد للجراثيم، والعمل على تنظيم التمثيل الغذائي.
يؤثر جين (2–daf) على جين آخر وهو (16–daf) الذي يحدد أين ومتى يمكن تشغيل العديد من الجينات الأخرى بالجسم، حيث ينشط جين (16–daf) من خلال عملية الفسفرة، أي إضافة مجموعة الفوسفات بواسطة جين (16–daf)، وتعد خطوة الفسفرة ضرورية لتمديد فترة الحياة.
الأمراض الجينية والعمر الافتراضي
تحتوي خلايا أجسامنا على 46 كروموسومًا، وعندما يتغير هذا العدد بالزيادة أو النقصان نتيجة خلل في عملية الانقسام للجنين؛ ينتج عدة متلازمات مرضية، وكذلك قد يولد الفرد وخلاياه مكتملة العدد الطبيعي لكن هناك خللًا في جين محدد، فيصاب بإحدى الأمراض الجينية.
انطلقت الأبحاث لدراسة هذه الأمراض وأعراضها وطرق علاجها، لكن بعض الأبحاث اهتمت بالعمر الافتراضي أو المتوقع لهؤلاء المرضى، حيث إن متوسط العمر للإنسان الطبيعي دون أي أمراض جينية قد يتراوح ما بين 70 إلى 83 عامًا تبعًا للدولة، وعوامل أخرى مثل: الحالة الصحية، والنظام الغذائي، وممارسة التمارين الرياضية.
ضمور العضلات الشوكي
مرض ضمور العضلات الشوكي، هو مرض جيني يحدث فيه خلل في عملية نقل الإشارات العصبية الحركية، نظرًا لوجود جين تالف وبالتالي تتأثر خلايا العضلات، وقد نُشرت ورقة بحثية تحاول معرفة العمر الافتراضي لهؤلاء المرضى، خاصةً المصابين بالنوع الأول وهو الأشد في الأعراض، ووجد أن متوسط العمر أقل من عامين فقط!
هناك بعض الأدوية المستخدمة لعلاج ضمور العضلات الشوكي لهؤلاء الأطفال على اختلاف نوع المرض، سواء من النوع الأول أو الثاني أو الثالث، وقد ارتفعت معدلات نجاحها في زيادة العمر المتوقع لهم، لكن ما زالوا يعانون ومتوسط أعمارهم خاصةً للنوع الأول قليلة للغاية.
متلازمة داون
تعد متلازمة داون من الاضطرابات الجينية الشهيرة، وفيها تحتوي خلايا الجسم على كروموسوم واحد إضافي في زوج الكروموسومات رقم 21، ليصبح عدد الكروموسومات داخل الخلية 47 كروموسومًا بدلًا من 46.
وجود كروموسوم واحد يسبب خللًا كبيرًا، ولا يقتصر على وجوده في صورة اختلاف الملامح فقط، بل يتعلق بالقدرات العقلية وزيادة خطر إصابتهم بالأمراض التي من شأنها تقليل العمر الافتراضي لهم، فهم أكثر عُرضة للإصابة بعيوب خلقية بالقلب، الأمر الذي يجعلهم عُرضة للوفاة خلال أول عام من الولادة بخمس أضعاف بالمقارنة بمصابي متلازمة داون دون الإصابة بعيوب القلب الخلقية.
يولد هؤلاء الأطفال بوزن قليل وجسد هزيل عند الولادة، فقد يصل المولود إلى كيلو ونصف جرام، وكان متوسط عمر طفل داون حوالي 10 سنوات فقط وذلك في عام 1960، لكن مع الرعاية الطبية والبحث لفهم طبيعة المرض وصل الآن متوسط العمر المتوقع لمرضى متلازمة داون إلى 47 عامًا لكنه ما زال أقل من المتوسط الطبيعي.
يؤدي الخلل الجيني لمرضى متلازمة داون إلى زيادة فرص الإصابة ببعض الأمراض منها:
- سرطان الدم أو ما يعرف باللوكيميا.
- خلع الورك وفيه ينزلق عظم الفخذ من تجويف الورك.
- توقف التنفس المؤقت في أثناء النوم.
أمراض وراثية وعلاقتها بالأورام
أُجري بحث لدراسة متوسط العمر المتوقع، خاصةً لمصابي الأمراض الوراثية المسببة للإصابة بالأورام، وعلاقتها بالوفاة في وقتٍ مبكر نتيجة ظهور السرطان، ووجد أن هناك علاقة وطيدة حيث إن الإصابة بهذه الأمراض تقلل من العمر المتوقع للفرد بسبب أنها تزيد خطر الإصابة بالأورام في عمر مبكر.
كان من بين الأمراض الجينية المسببة للإصابة بالأورام، ومن ثَم تقليل العمر المتوقع للفرد ما يلي:
- متلازمة فون هيبل لينداو.
- متلازمة غورلين.
- أورام الغدد الصماء المتعددة.
- متلازمة لينش.
- الورم العصبي الليفي من النوع الأول والثاني ويتراوح العمر الافتراضي تبعًا لنوع الورم، فالنوع الأول تتراوح الأعمار ما بين 54 إلى 72 عامًا، أما النوع الثاني فيتراوح ما بين 62 إلى 69 عامًا.
- داء السلائل الورمي الغدي العائلي (FAP)، وفيه قد يتراوح العمر المتوقع ما بين 63 إلى 70 عامًا.
- طفرة جين (2/1BRCA) وهو جين يستخدم للكشف عن خطر الإصابة بسرطان الثدي، وقد يصل العمر المتوقع إلى 62 عامًا.
- أسفرت الدراسة عن وصف لانخفاض متوسط العمر في هذه الأمراض التي تؤدي لظهور أورام مبكرة، ويختلف متوسط العمر تبعًا لشدة المرض، وبالتالي يختلف العمر الافتراضي من فردٍ لآخر، لكن يجب متابعة هؤلاء المرضى باستمرار لاكتشاف أي أورام وعلاجها سريعًا قبل التفشي والانتشار في الجسم.
في النهاية، لا أحد يعلم متى سيموت؟ أو كم عدد الأعوام التي سيحياها؟ لكننا أمام حقيقة تأثير جيناتنا على أعمارنا الافتراضية بتحفيز الأمراض المسببة للوفاة. وهنا يبقى السؤال الأهم هل يمكن للعلم التلاعب بالجينات والتحكم بالأعمار والأمراض في المستقبل؟