هواوي وتقنية الجيل الساس

م‭.‬هيثم‭ ‬السيد‭ – ‬باحث‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الصينية

لم تعد المنافسة بين البُلدان تتعلّق بالاقتصاد والكثافة السكانية فحسب، بل أصبح البحث العلمي والتطور التكنولوجي هو الأساس في خلق المنافسة الحالية بين الدول، لما يمثله ذلك من أساس في بناء التطور المستقبلي خصوصًا في ظلِّ تغيّر موازيين القوى: «من يملك المعلومات يملك القوة».

ولقد أصبحت الصين إحدى الدول الكبرى في العالم بفضل ما أولته من اهتمام للبحث العلمي، وإصرارها على تجاوز الدول التي سبقت، وفي هذا الإطار مثلت تقنية الجيل الخامس مجالاً خصبًا لإثبات الذات.

الجيل الخامس

استطاعت شركة هواوي والجيل الخامس أن تحقِّقَ اكتشافاتٍ رائدة في تقنية الجيل الخامس، وهذا ما يراه الصينيون السبب الرئيس وراء استهداف شركتهم من بعض الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

لا تريد أمريكا من وجهة نظر الصينيين لأيِّ دولة أن تتطوّر بشكل أسرع من قدراتها الخاصة، خوفًا من أن تزعزع أوضاعها، وتدمر تفوقها، وتنزع عنها الهيمنة التي لطالما كانت في صفِّها، لذا فقد بدؤوا سلسلة من التحركات المعادية.

بعد فترة وجيزة من ظهور تقنية الجيل الخامس، ذكر مؤسس هواوي (Ren Zhengfei) أنَّ الشركة ستتصدر تقنية الجيل الخامس، ويحتاج منافسوها من سنتين إلى ثلاث سنوات للحاق بما أنجزوه؛ أي أنَّ الإنجازات التكنولوجية التي حققتها هواوي في ذلك التاريخ لن تتحقق إلا بعد عامين إلى ثلاثة أعوام من التطوير المستمر في البلدان الأخرى (1).

تعدّ إنجازات هواوي ومكاسبها من تقنية الجيل الخامس واضحة للجميع، وهو ما صنع الزخم الإعلامي تجاه هذه الشركة. في العشر سنوات الماضية، استثمرت هواوي ما مجموعه 4 مليارات دولار أمريكي لدعم البحث والتطوير في تقنية الجيل الخامس، وحصلت على عدد هائل من براءات الاختراع في هذه التقنية يُقدَّر بـ 2570 براءة اختراع، وهو ما يمثّل أكثر من 20٪ من براءات اختراع الجيل الخامس عالميًّا، لتتفوَّق بفارقٍ كبيرٍ على الشركات الأخرى.

تقنية الجيل السادس

يقول (Ren Zhengfei): «إنَّ هواوي تمتلك الثقة للدخول بقوة في أبحاث 5G. فهي لا تزال تقود العالم تكنولوجيًّا. فمَن لديه التكنولوجيا المتطوّرة سيكون له جزء من الهيمنة على العالم. يمثِّل تقدُّم الصين التكنولوجي تقدُّمًا للبلاد في المجالات كافة اليوم، وقد احتلت الصين مكانةً في مجال البيانات، وتمسك زمام المبادرة في بحث وتطوير شبكة 6G» (2).

ويستخدم 6G اختصارًا لمعيار تكنولوجيا الاتصالات المتنقلة من الجيل السادس، وهو امتداد لتقنية الجيل الخامس الحالية، ولا تزال تقنية الجيل السادس في مرحلة التطوير المختبري، وهي تعزّز بشكل أساسي من سرعة الإنترنت وتطوّرها.

لقد بدأ البحث عن تقنية الجيل السادس أول مرة في فنلندا في 2018م، وعقد مؤتمر دولي حول تقنية الجيل السادس في (لابلاند، فنلندا) في الفترة من 24 إلى 26 مارس 2019م.

في منتصف أغسطس من العام نفسه، وأفادت وسائل إعلام كندية أنَّ شركة هواوي أكدت لها بدء مرحلة البحث في تقنية الجيل السادس في (أوتاوا، كندا)، وبدأت مرحلة المناقشات وتصوُّر شكل التقنية الجديدة مع عدد من الباحثين في الجامعات الكندية.

يقول مؤسس شركة هواوي (Ren Zhengfei) في لقاء سابق: «إنَّ تقنية الجيل السادس لن يجري استخدامها إلا بعد عشر سنوات. في السنوات العشر المقبلة، ستزيد هواوي استثماراتها في البحث والتطوير بنسبة 15٪ لدعم أبحاث تقنيّة الجيل السادس، وتعتزم بيع ما وصلت إليه من تقنيات الجيل الخامس إلى الشركات العالميّة مقابل توفير مبالغ ماليّة أكبر لدعم التقدُّم المستمر لها، وخصوصًا في مجال البحث والتطوير للوصول إلى الجيل السادس.

لا تتصدر الصين شبكات الجيل الخامس 5G فحسب، بل إنها تقود مجال 6G، فوفقًا لـ «تقرير تطوير براءات الاختراع لتكنولوجيا الاتصالات 6G»، يبلغ إجمالي عدد براءات الاختراع المتعلقة بشبكات 6G في العالم نحو 38 ألف، وتستحوذ الصين على ثلث الحصة، إذ تصل نسبتها إلى 35٪، إذ يوجد لديها 13449 براءة اختراع. مقارنةً مع حالة براءات الاختراع في تقنية 6G لدى الدول الثلاث المتطوّرة في هذا المجال بعد الصين، والتي جاءت أرقامها على النحو الآتي: 6926 براءة اختراع في الولايات المتحدة، و3796 براءة اختراع في كوريا الجنوبية، و4.756 براءة اختراع في اليابان. وهذا يُظهر مدى تقدّم الصين في عدد براءات الاختراع عن منافسيها(3).

شكل تقنية الجيل السادس

تدّعي هواوي أنها قادرة على تحقيق تغطية شبكة عالمية مترابطة. يمكن أن تصل إشارة الشبكة إلى أيِّ مكانٍ ناءٍ في العالم. وقد تصل سعة الإرسال إلى أعلى 100 مرة من قدرة الجيل الخامس، كما يمكن أيضًا تقليل تأخير الشبكة من ميلي ثانية إلى ميكرو ثانية. وتستخدم التقنية المتوقعة للجيل السادس نطاق تردّد تيراهيرتز (Thz)، وهو نطاق تردّد أعلى بكثير من الجيل الخامس؛ لذا فإنَّ النطاق الترددي المسموح به كبير جدًّا، وكمية البيانات التي يمكن نقلها لكل وحدة زمنية كبيرةٌ أيضًا. في الوقت نفسه، ستستخدم شبكة الجيل السادس «تقنية تعدّد الإرسال المكاني» للوصول في وقت واحد إلى مئات أو حتى الآلاف من المحطات الأساسية اللاسلكيّة، وستصل سعتها إلى 1000 ضعف سعة محطات الجيل الخامس الحاليّة.

خلاصة القول: لم تعد تقنية اتصال الجيل السادس اكتشافًا جديدًا وزيادةً في معدلات الإرسال وقدرات الشبكة فقط، بل أضحى الأمر ذا أبعادٍ أكبر لتضييق الفجوة الرقمية، وكلُّ هذا يصبّ في تحقيق «الهدف النهائي» لشركة هواوي وهو «إنترنت الأشياء»(4).

Share This