كيف تفتح رحلة مروحية المريخ التابعة لوكالة ناسا باب الطموح؟

طارق‭ ‬راشد‭ – ‬باحث‭ ‬وإعلامي – 21 يونيو 2021م

المريخ بيئة قاسية لمحاولة إطلاق طائرة مروحية. فهناك عامل الحرارة التي تبلغ 90- درجة مئوية (130- درجة فهرنهايت) والقادرة على تجميد أي آلية وإيقافها. وهناك عامل البُعد أيضًا؛ فالمريخ يبعد من الأرض حاليًا مسافة 287 مليون كم (178 مليون ميل)، وهذا يعني أنَّ موجات الراديو، يرغم تحرُّكها بسرعة الضوء، تستغرق نحو 16 دقيقة لتسافر باتجاه واحد فقط بين العالمين.

وهناك عامل المناخ المريخي الهش البالغة كثافته نحو ٪1 كثافة مناخ الأرض، وهذا ما يجعل من الصعب على الشفرات الدوّارة للمروحية أن تتشبث به مطلقًا.

غير أنَّ إطلاق مروحية على كوكب المريخ هو ما أنجزته وكالة ناسا لأبحاث الفضاء بالضبط عندما ارتفعت المروحية الصغيرة إنجينيويتي (Ingenuity) عن سطح فوهة جيزيرو (Jezero Crater) في الثالثة وأربع وثلاثين دقيقة صباحًا بالتوقيت الشرقي الصيفي (بعد الظهر مباشرةً بتوقيت المريخ)، وحلّقت على ارتفاع ثلاثة أمتار (10 أقدام) لمدة 40 ثانية، وعادت لتحط على السطح برشاقة، فأثارت سحابةً من غبار المريخ الأحمر.

لقد كانت تلك أول رحلة طيران لطائرة مُسيَّرَة على كوكب آخر بعد 118 عامًا من إنجاز الأخوين رايت للمهمة ذاتها على الأرض. وتسجيلاً للحظة، فإنَّ إجمالي المدة التي حلقتها إنجينيويتي بلغت ثلاثة أمثال المدة التي حلَّق بها الأخوان رايت وامتدت 12 ثانية.

يقول ستيف جوركزيك (Steve Jurczyk) المدير القائم بالأعمال في وكالة ناسا لأبحاث الفضاء: «إننا نقارن هذا الإنجاز بإنجاز الأخوين رايت نوعًا ما. لقد استخدمت أول رحلة مُسيّرة بالطاقة مروحة مُزدوجة متضادة الدوران ذات شفرتَيْن في محركَيْن يعملان بالغاز على هيئة طائرة. وإننا نستخدم مروحتين مزدوجتين متضادتي الدوران طول الواحدة منهما أربعة أقدام على المروحية، تعملان بالكهرباء».

إنَّ الرحلة المتواضعة التي انطلقت على المريخ تحققت بآلة متواضعة بالقدر ذاته. فارتفاع إنجينيويتي يبلغ 0.49 متر (19 بوصة) فقط لا غير، وتزن 1.8 كجم (4 أرطال)، أي أنها صغيرة وخفيفة بما يكفي حتى إنها أمضت مدة الرحلة الكاملة من الأرض إلى المريخ مطوية في بطن المركبة الجوالة بيرسيفيرانس (Perseverance) التي يضارع حجمها حجم سيارة.

غير أنَّ الأبعاد المتواضعة للمروحية إنجينيويتي تتنافى مع تركيبها الهندسي المُعقد وتكلفتها البالغة 80 مليون دولار. فالمروحية تحتوي على حاسوب وجهاز تسخين ونظام توجيه وكاميرات ومقياس ارتفاع يعمل بالليزر. وتدور شفراتها البالغ طولها 1.2 متر بسرعة 2537 دورة في الدقيقة – أو خمسة أضعاف سرعة شفرات المروحية الأرضية – وهو الأمر الضروري لإكسابها القدرة على الارتفاع في الهواء المريخي الرقيق.

ولقد رصدت كاميرتان على متن إنجينيويتي – إحداهما تصور بالأبيض والأسود والأخرى بالألوان – وأخرى على متن المركبة بيرسيفيرانس التي ابتعدت من منطقة انطلاق المروحة البالغة 10×10 أمتار مسافة 65 مترًا، صورًا ثابتة ومقطع فيديو بتقنية التصوير المُتقطع للرحلة. ولقد حاول مكبر صوت على متن بيرسيفيرانس أيضًا رصد صوت محرك المروحية، ولو أنَّ هذه البيانات لم تُعالج حتى وقت كتابة هذه المقالة.

ولَمَّا كانت رحلة اليوم لتحدث مطلقًا لو لم يحل مسؤولو التحكم مشكلةً نشأت عندما حاولت المروحية إنجينيويتي أول مرة اختبار شفراتها بسرعة عالية في التاسع من أبريل. فبينما كان النظام بصدد الانتقال من وضع ما قبل الطيران إلى وضع الطيران، أوقفه «مفتاح رصد» بعد أن رصد شذوذًا في النظام. وفي نهاية المطاف، قررت وكالة ناسا أنَّ الحل يكمن في تحميل برامج تصحيحيّة على المروحية لإصلاح الأخطاء.

وقد كانت درجة التحوُّط متماشيةً مع الطريقة الوئيدة التي تم بها التعامل مع المروحية إنجينيويتي منذ البداية. فقد استغرقت مهمة تحرير المروحية من المركبة الجوالة وإنزالها على السطح ستة أيام، وتكوّنت من عدة خطوات شملت تفعيل جهاز كسر براغي، وإشعال مُركّب ناري قاطع للكابلات، وتدوير إنجينيويتي لموضعها المستقيم، وبسط أرجلها الأربع وأخيرًا إنزالها مسافة الـ 13 سم (5 بوصات) الأخيرة إلى السطح. ولقد جعل الوزن الخفيف للآلة ممزوجًا بجاذبية المريخ الأقل نسبيًّا – والبالغة ٪38 فقط من جاذبية الأرض – الهبوط عملية تضمن الصمود للمروحية.

ستكون هذه الرحلة المُختصرة أول رحلة على الإطلاق للمروحية إنجينيويتي. ومن المقرر أن تنطلق في أربع رحلات أخرى على مدار الشهر المقبل، جميعها من موقع أطلقت عليه وكالة ناسا اسم (JZRO) تيمنًا بـفوهة جيزرو على سبيل المزح. وسيزداد ارتفاع كل رحلة ومسافتها بانتظام، وتزداد المناورات الجوية تعقيدًا.

يقول جوركزيك: «سنعمل حتى مدى تصاعدي مقداره 300 متر، ورحلات تصل مدتها إلى 90 ثانية». ولن يكون أيٌّ من هذه الرحلات يسيرًا بما أنَّ تأخُّر الإشارة اللاسلكية يجعل من المستحيل إطلاق المروحية في الزمن الحقيقي؛ وإنما لا بد – كما هي حال المركبة الجوّالة – من إرسال الأوامر كلِّها لاسلكيًا وتحميلها مُسبقًا.

وخلافًا للمركبة بيرسيفيرانس التي أُرسلت إلى المريخ لإجراء أبحاث، فإنَّ المروحية إنجينيويتي ليست لديها القدرة على إجراء أي أبحاث تتجاوز مسح محيطها بكاميراتها. ورحلتها الأولى كرحلة الأخوين رايت الغرض منها استعراضي بحت، وتحديدًا اختبار ما إذا كان في الإمكان يومًا ما استخدام طائرات مريخية ككشافة استطلاع للمركبات الجوالة والبشر، وكوسيلة لإجراء الأبحاث على التلال والمُنكشفات الصخرية البعيدة المنال. وفي لمحة تقديرية اعترافًا بنَسَبِها الهندسي، تحمل المروحية إنجينيويتي شحنةً صغيرةً ليست ضرورية: قطعة قماش صغيرة من طائرة الأخوين رايت الأصلية مُلصقة بالجزء السفلي منها، وهي القطعة التي حلّقت منذ مدة طويلة فوق شواطئ نورث كارولاينا، وحلَّقت اليوم مجددًا داخل فوهة على سطح كوكب المريخ البعيد.

Share This