“شبه الجزيرة العربية الخضراء” طريق هجرة للبشر الأوائل
تشير الأدلة الأثرية إلى وجود بحيرات ومساحات خضراء وارفة في شبه الجزيرة العربية
آماليا هارت – صحفيّة علميّة – مجلة كوزموس – 2 سبتمبر2021 / ترجمة: ديمة أبو ظهر
غالبًا ما ترتبط شبه الجزيرة العربيّة بالصحاري الحارة والقاحلة أكثر من ارتباطها بالأراضي المعشّبة والمزدّهرة، والممرّات المائيّة الخصبة، بيد أن الأبحاث الجديدة تظهر أن شبه الجزيرة العربية قد شهدت عدة موجات من الأمطار المتزايدة على مدى 400 ألف عام مضت.
لعل هذا قد أوجد ظروفًا رعويّة، وسهّل انتشار البشر الأوائل في آسيا.

موقع خال عميشان 4 في شمال المملكة العربية السعودية، حيث تم العثور على أدلّة على زيارات متكرّرة من البشر الأوائل على مدى 400 ألف عام الماضية، مرتبطة ببقايا البحيرات القديمة. المصدر: Palaeodeserts Project / Michael Petraglia
يتوصّل البحث الجديد إلى أن شمال شبه الجزيرة العربيّة كان طريق هجرة حيويّ في التاريخ الأسطوري لجنسنا البشري.
تشكّل فريق العمل الميداني الأثري من جامعة غريفيث ومعهد ماكس بلانك لعلم البيئة الكيميائية، بالتعاون مع باحثين من وزارة الثقافة السعوديّة في صحراء النفود، وقد اكتشف مواقع أثريّة مرتبطة ببقايا البحيرات القديمة. وقد تم تأريخ المواد التي عُثر عليها في المواقع بطريقة تسمى تأريخ التلألؤ، ووجد أنها تزامنت مع أوقات زيادة هطول الأمطار. جرى -إضافة إلى ذلك- دفن جميع الأدوات الحجريّة التي عُثر عليها حول هذه البحيرات الجافة في نوع مميّز من الرواسب التي توجد في المياه العذبة.
تشكّلت هذه البحيرات عندما جلبت أوقات هطول الأمطار الغزيرة الأراضي المعشبة، والثدييات الكبيرة كالفيلة وأفراس النهر إلى شبه الجزيرة. وقد وجد الفريق أنه خلال كل مرحلة من مراحل “شبه الجزيرة العربيّة الخضراء”، عندما حولت الأمطار الغزيرة المنطقة الصحراويّة إلى أرض معشبة خصبة، بدأ البشر الأوائل بالاستقرار في المنطقة، جالبين معهم في كل مرة نوعًا مختلفًا من الثقافة الماديّة.

أداة حجريّة “يدويّة” تعود إلى 400 ألف عام من خال عميشان 4 / المصدر: Palaeodeserts Project / Ian Cartwright
شارك جوليان لويز Julien Louys، من جامعة غريفيث، في الحفريّات، وقام بتحليل سجل الحيوانات في الموقع.
يقول لويز: «كان العثور على أحافير لثدييات ضخمة وسط هذه الصحراء القاحلة تجربة فريدة من نوعها. وكان أكثر ما يميّز هذه الأحافير هو وجود عدة أجزاء من عظام فرس النهر. وتقتصر هذه الحيوانات حاليًا على البيئات الرطبة في أفريقيا، إلا أن وجودها في النفود خلال الـ (400) عام الماضية كان برهانًا ساطعًا على أن شبه الجزيرة العربيّة كانت أكثر رطوبة مما هي عليه اليوم».
ركزت الأبحاث الماضية في جنوب غرب آسيا في الحواف الساحليّة والغابات في المنطقة، ولكن ما قبل التاريخ البشري في المناطق الداخليّة الشاسعة ظلّ يفتقر إلى الفهم الواضح.
يصف المؤلف الرئيس للبحث هيو غروكت Huw Groucutt، من معهد ماكس بلانك، النتائج الجديدة، بما فيها أقدّم دليل مؤرخ لأشباه البشر في شبه الجزيرة العربيّة منذ 400 ألف عام، على أنها «تقدّم مهمّ في علم الآثار العربيّة».
قام باستكشاف مواقع “شبه الجزيرة العربيّة الخضراء” باحثون من مركز الأبحاث الأسترالي للتطوّر البشري في جامعة غريفين، وأسهموا في الدراسة التي نشرت في مجلة Nature بالتعاون مع باحثين من معهد ماكس بلانك لعلم البيئة الكيميائيّة.

البروفسور المساعد جوليان لويز / المصدر: Palaeodeserts Project