“النّوموفوبيا”
هل أصبحتْ مرض العصر؟!
حسام حسني بدار- مترجم
هل تواجه مشكلة في ترْك هاتفك الذكي أو تشعر بالقلق عندما تعلم أنك ستفقد الخدمة لبضع ساعات؟ هل التفكير في عدم وجود هاتفك معك يسبب لك الضيق؟
إذا كان الأمر كذلك، فمن المحتمل أن تكون مصابًا بالرّهاب أو الخوف الشديد من عدم وجود هاتفك معك، أو من عدم قدرتك على استخدامه.
ربما تثير لديك عدم القدرة على العثور على هاتفك المخاوف بشأن كيفيّة التعامل مع فقدان الصور، وجهات الاتّصال والمعلومات الأخرى. لكنّ “نوموفوبيا” (Nomophobia)، وهي اختصار (no mobile phone phobia) “الرهاب من عدم وجود الهاتف المحمول”، تصف الخوف المستمرّ والشديد من فقدان الهاتف الجوال أو تعطله أو انقطاع تغطيّة الشبكة عنه، وكذلك نسيانه في أي مكان؛ ممّا يؤثّر في حياتك اليومية. تشير نتائج دراسات متعدّدة موثوقة نُشِرت عام 2019 إلى أنّ هذا الرهاب أصبح أكثر انتشارًا، وأنّ ما يقرب من 53 بالمئة من البريطانيين الذين امتلكوا هاتفًا في عام 2008 شعروا بالقلق عندما لم تكن لديهم هواتفهم، أو أنّ بطاريّات تلك الهواتف كانتْ فارغة، أو لم تكن لديهم خدمة.
الأعراض المحتملة لرهاب “النوموفوبيا”
الأعراض العاطفية:
- قلق أو خوف أو ذعر عندما تفكر في عدم وجود هاتفك معك، أو في عدم القدرة على استخدامه.
- هلع أو قلق إذا لم تتمكّن من العثور على هاتفك لمُدًّة وجيزة.
الأعراض الجسديّة:
- ضيق في صدرك.
- صعوبة في التنفس بشكل طبيعي.
- رعْشة أو اهتزاز.
- زيادة في التعرّق.
- ضربات قلب سريعة.
إذا كان لديك “نوموفوبيا”، أو أيّ رهاب من أيّ نوع، فقد تدرك أن خوفك شديد. بالرّغم من هذا الإدراك، قد تواجه صعوبة في التعامل أو التعايش مع ردود الفعل التي يسبّبها ذلك.
العوامل المسبّبة لرهاب “نوموفوبيا”:
يُعدُّ رهاب “نوموفوبيا” حديثًا. ومن المرجّح أن يكون نابعًا من الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا، والقلق بشأن ما قد يحدث، إذا لم تتمكن فجأة من الوصول إلى المعلومات المطلوبة. لم يكتشف الخبراء بعد سببًا محدّدًا لرهاب “نوموفوبيا”. بالأحرى، هم يعتقدون أن عدة عوامل يمكن أن تسهم في ذلك.
قد يؤدّي الخوف من العزلة، وهو أمر مفهوم، دورًا في تطوّر الرهاب. إذا كان هاتفك طريقتك الرئيسة للاتّصال بالأشخاص الذين تهتمّ لأمرهم، فمن المحتمل أن تشعر بالوحدة الشديدة من دونه. إن عدم الرغبة في تجربة هذه الوحدّة يمكن أن يجعلك ترغب في إبقاء هاتفك قريبًا في جميع الأوقات. سببٌ آخر قد يكون هو الخوف من عدم إمكانيّة الوصول إليك. إننا جميعًا نبقي هواتفنا قريبة إذا كنا ننتظر رسالة أو مكالمة مهمّة. ويمكن أن تصبح هذه عادة يصعب التخلص منها. لا يتطوّر الرهاب دائمًا استجابة لتجربة سلبية، لكنّ هذا يحدث أحيانًا. على سبيل المثال، إذا تسبّب فقدان هاتفك في الماضي بإزعاجٍ أو مشكلات كبيرة لك، فقد تقلق بشأن حدوث ذلك مرّة أخرى.
طريقة تشخيص رهاب “نوموفوبيا”:
إذا تعرّفت إلى بعض علامات رهاب “النوموفوبيا” في نفسك، فقد يساعدك التحدث إلى المعالج. استخدام هاتفك بشكل متكرّر أو القلق بشأن عدم امتلاكه لا يعني أنك تعاني من رهاب. لكن من الجيد التحدث إلى شخص ما إذا كنت تعاني من الأعراض لمدة ستة أشهر أو أكثر، بخاصة إذا كانت هذه الأعراض:
- متكرّرة ومستمرّة طوال اليوم.
- تؤذي عملك أو علاقاتك.
- تتسبّب في صعوبة حصولك على قسطٍ كافٍ من النوم.
- تسبّب لك مشكلات في أنشطتك اليوميّة.
- لها تأثير سلبيّ في الصحة أو نوعية الحياة.
لا يوجد تشخيص رسميّ لرهاب “نوموفوبيا” حتى الآن. ولكن يمكن لاختصاصي الصحة العقلية المدرب التعرّف إلى علامات الرهاب والقلق، ومساعدتك على تعلّم كيفية التعامل مع الأعراض بطريقة مثمرة.
كيفيّة معالجة رهاب “نوموفوبيا”
من المحتمل أن يوصي المعالج بالعلاج إذا كنتَ تعاني من ضائقة شديدة أو واجهتَ صعوبة في إدارة حياتك اليوميّة. ويمكن أن يساعدك العلاج عادةً على معالجة أعراض الرهاب. وقد يوصي المعالج الخاصّ بك بالعلاج السلوكيّ المعرفيّ (cognitive behavioral therapy) أو العلاج بالتعرض (exposure therapy).
العلاج السلوكي المعرفي
يمكن أن يساعدك العلاج السلوكي المعرفي (CBT) على تعلّم كيفية إدارة الأفكار والمشاعر السلبيّة التي تنتابك عندما تفكر في عدم وجود هاتفك معك.
قد تجعلك فكرة “إذا فقدتُ هاتفي، لن أتمكّن أبدًا من التحدّث إلى أصدقائي مرة أخرى” تشعر بالقلق والمرض. لكن العلاج المعرفي السلوكي يمكن أن يساعدك على أنْ تتعلّم كيف تتحدّى هذه الفكرة منطقيًا.
علاج التعرّض
يساعدك علاج التعرض على تعلّم مواجهة خوفك، من خلال التعرّض التدريجي له. إذا كان لديك رهاب “نوموفوبيا” فسوف تعتاد ببطء تجربة عدم امتلاك هاتفك.
لكن الهدف من العلاج بالتعرّض ليس تجنّب استخدام هاتفك تمامًا، إلّا إذا كان ذلك هو هدفك الشخصيّ. بدلًا من ذلك، يساعدك ذلك على تعلّم معالجة الخوف الشديد الذي تشعر به عندما تفكر في عدم وجود هاتفك الخاصّ معك.
الأدوية
يمكن أن تساعدك الأدوية على معالجة الأعراض الشديدة لرهاب “نوموفوبيا”، لكنها لا تعالج السبب الجذري. عادةً لا يكون علاج الرهاب بالأدويّة وحدها مفيدًا.
استنادًّا إلى الأعراض التي تعانيها، قد يوصي الطبيب النفسي باستخدام الأدوية لمُدّة قصيرةٍ، بينما تتعلم كيفية التعامل مع الأعراض في العلاج.
الرّعاية الذّاتيّة
يمكنك أيضًا اتّخاذ خطوات للتعامل مع رهاب “نوموفوبيا” بنفسك . حاول القيام بما يأتي:
- اغلق هاتفك ليلًا؛ لتحصل على نومٍ أكثر راحة.
- حاول ترْك هاتفك في المنزل لمُدد قصيرة من الوقت، على سبيل المثال: عند التسوّق من متجر البقالة، أو تناول العشاء، أو المشي.
- امضِ بعض الوقت كلّ يوم بعيدًا من جميع الوسائل التقنيّة. جرّب الجلوس بهدوء، أو كتابة الخطابات، أو المشي.
- شجّع الأصدقاء والأحبّاء على إجراء تفاعلات شخصيّة، إن أمكن. استضف لقاءً، أو تمشَّ، أو خطِّط لقضاء عطلة نهاية الأسبوع.
- إذا كان أحباؤك يعيشون في مدنٍ أو دولٍ مختلفة، حاول الموازنة بين الوقت الذي تقضيه على هاتفك والأنشطة الأخرى.
- حاول إجراء المزيد من التفاعلات الشخصيّة مع الأشخاص القريبين منك. قم بإجراء محادثةٍ قصيرةٍ مع زميلٍ في العمل، أو مع زميلٍ في الفصل، أو مع جار، أو امتدح ملابس شخصٍ ما. الناس لديهم أنماط مختلفة من التواصل مع الآخرين. إذا كان من الأسهل لديك تكوين صداقاتٍ عبر الإنترنت، فهذا ليس بالضروري مشْكلة.
ولكن إذا كانت التفاعلات عبر الإنترنت واستخدامات الهاتف الأخرى تؤثّر فيي حياتك اليوميّة ومسؤولياتك أو تجعل من الصّعب إكمال المهام الضروريّة، فقد يساعدك التحدّث إلى اختصاصي الصحة العقلية. من المهمّ بشكلٍ خاصٍّ الحصول على المساعدة، إذا كنتَ تواجه صعوبة في التحدّث إلى الآخرين بسبب آثار التنمر أو الإساءة، أو أعراض مشكلات الصحة العقليّة، مثل: الاكتئاب أو القلق الاجتماعي أو التوتّر . يمكن للمعالج أن يقدّم الدعم، ويساعدك على تعلم كيفية التعامل مع هذه المشكلات، ويرشدك إلى موارد أخرى إذا لزم الأمر.