رقائق إلكترونية

تعمل كالخلايا الدماغية

Kurt Kleiner 2022/08/25 -Knowable

يمكن أن تزيد الدوائر العضوية اللينة التي تحاكي الخلايا العصبية البيولوجية من سرعة المعالجة؛ وربما يمكن شبكها في رأسك ذات يوم. العقل البشري آلةُ حوسبة مذهلة؛ إذ يزن واحد كيلوغرامًا ونيّفًا، مع ذلك يمكنه معالجة المعلومات بسرعة تفوق سرعة أسرع حاسوب عملاق بألف مرة، وتخزين معلومات تزيد عن أقوى كمبيوتر محمول بألف ضعف، ويقوم بهذا كله بطاقة لا تتجاوز طاقة مصباحٍ بقوة 20 واط. يحاول الباحثون تكرار هذا النجاح باستخدام موادَّ عضوية مرنة وليّنة يمكنها العمل كخلايا عصبية بيولوجية، وقد يتمكنون ذات يوم من الربط بينها. في النهاية، يمكن زرع الرقائق الحاسوبية «العصبية» الليّنة مباشرة في الدماغ، مما يمكّن الأفراد من التحكم بذراع اصطناعية أو شاشة الحاسوب بمجرد التفكير بالأمر.

تمامًا كالخلايا العصبية الحقيقية، ولكن على عكس الرقائق الحاسوبية التقليدية، تستطيع هذه الأجهزة الجديدة إرسال واستقبال الإشارات الكهربائية والكيميائية على حد سواء. يقول ألبيرتو ساليو (Alberto Salleo)، عالم المواد في جامعة ستانفورد، الذي كتب عن إمكانيات أجهزة الحوسبة العصبية في إصدار عام 2021 من المراجعة السنوية لأبحاث المواد: «يعمل الدماغ بالمواد الكيميائية، وبالنواقل العصبية كالدوبامين والسيروتونين. وموادُّنا قادرة على التفاعل معها كهروكيميائيًا». ابتكر ساليو وباحثون آخرون أجهزة إلكترونية باستخدام هذه المواد العضوية الليّنة التي يمكن أن تعمل كترانزستورات (تُضخّم وتُبدّل الإشارات الكهربائية)، وخلايا ذاكرة (تخزن المعلومات)، وعناصر إلكترونية أساسية أخرى.

\

جهاز ممريستور عضوي بدائي

المصدر: Y. Van De Burgt et al / Nature Electronics 2018 بتصرف يدفع الجهد المطبّق على البوابة (G)، من حساس مثلًا، الأيونات موجبة الشحنة من طبقة تسمى الإلكتروليت إلى طبقة مجاورة هي البوليمر العضوي؛ فتتغير مقاومة البوليمر إلى تيار يتحرك من المنبع (S) إلى المصب (D). يمثل مقدار المقاومة القيمة المُخزّنة.

نشأ هذا العمل من اهتمامٍ متزايدٍ بدوائر الحاسوب العصبي التي تحاكي طريقة عمل الاتصالات العصبية، أو المشابك لدى الإنسان. لا تعمل هذه الدوائر، سواء كانت مصنوعة من السيليكون أو المعدن أو المواد العضوية، كما تعمل تلك الموجودة في الحواسيب الرقمية تمامًا، بل تميل لتشبه طريقة عمل الشبكات العصبية في الدماغ البشري. تنفذ الحواسيب الرقمية التقليدية خطوة واحدة في الوقت الواحد، وتقوم طريقة هندستها على فصل جوهري بين الحساب والذاكرة. يعني هذا الفصل أن قيم 0 و1 يجب أن تتردد جيئة وذهابًا بين المواقع في معالج الحاسوب، مما يعيق السرعة واستخدام الطاقة. يعمل الدماغ البشري بشكل مختلف، إذ يستقبل عصبون واحد إشارات من العديد من الخلايا العصبية الأخرى، وتتراكم كل هذه الإشارات لتؤثر في الحالة الكهربائية للعصبون المستقبِل. في واقع الأمر، كل عصبون هو بمثابة جهاز حوسبة، إذ يدمج قيمة كل الإشارات التي استقبلها، وجهاز ذاكرة: إذ يخزن قيمة كل الإشارات المجموعة كقيمة تناظرية متغيرة بلا حدود، بدلًا من قيمة 0 أو 1 في أجهزة الحاسوب الرقمية.

طوّر الباحثون عددًا من أجهزة المِمريستور (مقاوم الذاكرة) المختلفة التي تحاكي هذه القدرة. عندما تشغّل تيارًا كهربائيًا عبرها، فأنت تغير المقاومة الكهربائية، وتمامًا كالعصبونات البيولوجية، تقوم هذه الأجهزة بحساب القيم المتراكمة لكل التيارات التي تعرضت لها. وتتذكر من خلال القيمة الناتجة محصلات مقاومتها. على سبيل المثال، قد يحتوي مِمريستور عضوي بسيط على طبقتين من المواد الموصلة كهربائيًا. فعندما يتعرض لجهد، يدفع التيارُ الكهربائي الأيونات موجبة الشحنة من إحدى الطبقتين إلى الأخرى، فيغير من مدى سهولة توصيل الطبقة الثانية للكهرباء في المرة التالية التي تتعرض فيها إلى التيار الكهربائي. (انظر الرسم). يقول ماثيو مارينيلا (Matthew Marinella)، مهندس الكمبيوتر في جامعة ولاية أريزونا في تيمبي، الذي يبحث في الحوسبة العصبية: «إنها طريقة للسماح للفيزياء بإجراء عمليات الحوسبة».

تحرر هذه التقنية الحاسوب من القيم الثنائية المقيِّدة. يقول ساليو: «في ذاكرة الحاسوب التقليدية القيمة إما 0 أو 1. نحن نصنع ذاكرة يمكنها أن تكون أي قيمة بين الصفر والواحد؛ لذا يمكنك ضبطها بطريقة تماثلية». في الوقت الحالي، معظم المِمريستورات والأجهزة ذات الصلة ليست مبنية على موادَّ عضوية، بل تستعمل تقنية رقائق السيليكون العادية. ويُستخدم بعضها تجاريًا لتسريع برامج الذكاء الاصطناعي. ويمكن للمكونات العضوية القيام بالمهمة بسرعة أكبر وبطاقة أقل، حسبما يقول ساليو. والأفضل من هذا أنه يمكن تصميمها لتُشبك داخل دماغك؛ فالمواد ليّنة ومرنة، كما تتميز بخواص إلكتروكيميائية تمكّنها من التفاعل مع الخلايا العصبية البيولوجية.

على سبيل المثال، تُطوٍّر فرانشيسكا سانتورو (Francesca Santoro)، المهندسة الكهربائية في الجامعة التقنية في آخن في ألمانيا، جهاز بوليمر يأخذ مدخلاته من خلايا حقيقية، و«يتعلم» منها. في هذا الجهاز، يفصل فراغ صغير بين الخلايا العصبية والعصبونات الاصطناعية، يشبه المشابك التي تفصل الخلايا العصبية بعضها عن بعض. مع إنتاج الخلايا للدوبامين، وهي مادة كيميائية تساعد في إرسال الإشارات إلى الأعصاب، يغير الدوبامين الحالة الكهربائية للنصف الاصطناعي من الجهاز. كلما ازداد إنتاج الخلايا من الدوبامين، تغيرت الحالة الكهربائية للعصبون الاصطناعي، تمامًا كما يمكن أن تجد في عصبونين بيولوجيين. (انظر الرسم). تقول سانتورو: «أقصى هدفنا هو تصميم أجهزة إلكترونية تبدو كالخلايا العصبية، وتعمل مثلها».

يمكن أن يقدم هذا المنهج طريقة أفضل لاستعمال نشاط الدماغ في توجيه الأجهزة التعويضية أو شاشات الحواسيب. تستعمل أنظمة اليوم الإلكترونيات العادية، من بينها الأقطاب التي يمكنها التقاط الأنماط العريضة فقط من النشاط الكهربائي. عدا عن أن المعدات جسيمة وتحتاج إلى حواسيب خارجية للعمل. يمكن أن تُحسِّن الدوائر العصبية المرنة هذا الأمر بطريقتين. إذ ستكون أكثر دقة في ترجمة الإشارات العصبية، والاستجابة إلى الإشارات من الخلايا العصبية. كما يمكن أن تكون الأجهزة قادرة على معالجة بعض عمليات الحوسبة الضرورية بنفسها، مما يوفر الطاقة ويقوّي سرعة المعالجة، حسبما يقول ساليو.

يقول ساليو وسانتورو إن الأنظمة اللامركزية منخفضة المستوى من هذا النوع، بحواسيب عصبية صغيرة تعالج المعلومات كما تتلقاها من المستشعرات الداخلية، وسيلةٌ واعدة في الحوسبة العصبية. تقول سانتورو: «حقيقة أنها تشبه العملية الكهربائية التي تقوم بها الخلايا العصبية تجعلها مثالية للاقتران الكهربائي والفيزيائي مع الأنسجة العصبية، ومع الدماغ في نهاية المطاف».

\

طريقة عمل العصبون الهجين

المصدر: S.T. Keene et al / Nature Materials 2020 بتصرف يطلق العصبون البيولوجي الدوبامين (الكريات الحمراوات) عند نقطة اتصاله مع العصبون الاصطناعي. يعطي محلول في الفجوة الدوبامين شحنة موجبة (الكريات الذهبية) تسمح لها بالتدفق في الجهاز. تعتمد المقاومة الكهربائية على مدى سرعة إطلاق الدوبامين، ومدى تراكمه في العصبون الاصطناعي.

Share This