دور الذكاء الاصطناعي 

في تشخيص الأمراض القلبية

د. جليلة داودي – طب عام – جامعة باجي مختار عنابة – الجزائر

يُعد القلب العضو الأساسي في جسم الإنسان، وهو عضو عضلي يضخّ الدم في الجسم ويوزعه عبر الأوعية الدموية، ويزود الجسم بالأوكسجين والمغذيات، كما يساعد في إزالة مخلفات عمليات الاستقلاب. وتعتبر أمراض القلب من أكثر الأسباب المؤدية للوفاة حيث تتسبب في وفاة أكثر من سبعة ملايين شخص سنويًا حول العالم. وخلال السنوات الأخيرة، تم التوصل إلى تحليل الأمراض القلبية والتنبؤ بتوقف القلب باستخدام الذكاء الاصطناعي، من خلال تحليل عينات الدم ومدى سرعة دقات القلب للأشخاص الذين يعانون اضطرابات في القلب، لإيجاد أي علامات تشير إلى توقف عضلة القلب. إضافةً إلى طرق أخرى مبتكرة بالذكاء الاصطناعي سنتحدث عنها في مقالنا هذا.

دراسات وأبحاث:

تطرق العديد من الباحثين لدراسة إمكانية التنبؤ بالإصابة بحالات مرضية قلبية، أو حتى التنبؤ بتوقف قلب المريض، في عدة بحوث صحية في كثير من الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وحتى في الدول العربية من بينها السعودية التي تميزت هي الأخرى ببرنامج فريد في استخدام بيانات الذكاء الاصطناعي في طب أمراض القلب. على سبيل المثال، قام باحثون من بريطانيا بدراسة على أشخاص يعانون اضطرابات في القلب وارتفاع ضغط الدم الرئوي، بتوظيف الذكاء الاصطناعي، وتحليل عينات الدم، وقياس سرعة دقات القلب لإيجاد أي علاماتٍ تشير إلى أن عضلة القلب ستتوقف. يُحدِث ارتفاع ضغط الدم في الرئتين أضرارًا في جزء من القلب، بالإضافة إلى أن ثلث المرضى يموتون خلال 5 سنوات من تشخيص إصابتهم بالمرض. وزود الباحثون برنامجًا للذكاء الاصطناعي بصور الرنين المغناطيسي لعدد 265 مريضًا بالقلب وبنتائج تحليلات دمهم، وأوضحوا أن البرنامج عمل على قياس حركة 30 ألف جزء في تركيبة القلب خلال كل نبضة. وأشاروا أن برنامج الذكاء الاصطناعي استطاع معرفة العيوب الصحية التي قد تُضاعف من الحالة المرضية وتُنهي حياة المريض، فضلاً عن التنبؤ بصحة المريض على مدار 5 سنوات بنسبة دقة تصل إلى 80ا%. أما في أمريكا، قام باحثون لأول مرة بتجربة بحثية بطريقة عشوائية غير مرئية على مجموعتين من الأفراد لتطوير أداة قائمة على الذكاء الاصطناعي تقيس تراكم الترسبات في الشرايين التاجية بناءً على التصوير المقطعي المحوسب القياسي (CT). قاموا أيضًا بمطابقة النتائج مع الصور الملتقطة من اختبارين دقيقين للغاية في تقييم الشريان التاجي، وهما: الموجات فوق الصوتية داخل الأوعية الدموية، وتصوير الأوعية التاجية باستخدام القسطرة.

أخيرًا، اكتشف الباحثون، من خلال تجربة مطولة، أن القياسات المُجراه باستخدام خوارزمية الذكاء الاصطناعي وصور التصوير المقطعي المُحوسب للأوعية تنبأت بدقة بخطر الإصابة بنوبة قلبية في غضون 5 سنوات. علاوةً على ذلك، استخدموا الذكاء الاصطناعي لدمج معايير الصورة المُقاسة من تقنية التصوير المقطعي المحوسب القياسي لتحديد المرضى المعرضين لخطر الإصابة بانسداد الشريان التاجي، مما يسمح للأطباء بالتدخلات اللازمة التي يُمكن أن تمنع آلام الصدر والنوبات القلبية. وفي دراسة فريدة من نوعها، قام بها فريق من بريطانيا عام 2022، لتحديد مخاطر أمراض القلب، ومخاطر الإصابة بجلطة دماغية في دقيقة واحدة بفحص بسيط للشبكية، استخدم الباحثون أداة الكوارتز لفحص 88.052 مشاركًا تتراوح أعمارهم بين 40 و69 عامًا، وركزوا على وجه التحديد على عرض ومساحة الأوعية ودرجة انحناء الشرايين والأوردة الشبكية.

الهدف هنا كان تطوير نماذج للتنبؤ بالسكتات الدماغية، والنوبات القلبية، والوفيات الناجمة عن أمراض الدورة الدموية. استُخدمت هذه النماذج بعد ذلك على صور شبكية العين لعدد 7411 مشاركًا آخر، تتراوح أعمارهم بين 48 و92 سنة من دراسة Epic (التحقيق الأوروبي المرتقب في السرطان)؛ حيث راقبوا المعدلات الصحية للجميع لمدة تتراوح في المتوسط ما بين 7 سنوات إلى 9 سنوات. تتمتع تقنية الكوارتز بإمكانية الوصول إلى التاريخ الصحي للمشاركين، كمعرفة إن كان المشارك مدخنًا أم لا، والأدوية المستخدمة لعلاج ارتفاع ضغط الدم، والنوبات القلبية السابقة. 

استنتج الباحثون أنَّ بيانات شبكية العين التي حسبتها تقنية كوارتز ارتبطت بشكل كبير بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة والسكتة الدماغية. يشبه الأداء التنبؤي للذكاء الاصطناعي أداء درجة المخاطر السريرية في فرامنغهام، وهي تقنية حساب مرجعية تسمح بتقدير مخاطر القلب والأوعية الدموية على مدى 10 سنوات. أشارت دراسة حديثة إلى إمكانية الاستفادة من الأشعة السينية؛ للتنبؤ بأمراض القلب والأوعية الدموية للصدر تُسمى (CXR-CVD) باستخدام 147497 صورة شعاعية للصدر. بالإضافة إلى ذلك، أجرى فريق البحث تجارب مستقلة في مجموعة منفصلة ثانية من المرضى الخارجيين الذين من المحتمل ألا يكون لديهم أي حالات قلبية وعائية عكسية سابقة، باستخدام نموذج الذكاء الاصطناعي. خلص الباحثون إلى أنه باستخدام صورة شعاعية نموذجية للصدر، فإن نموذج الذكاء الاصطناعي قادر على التنبؤ بخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية لمدة 10 سنوات بكفاءة مماثلة، بل أعلى من المعيار الإكلينيكي المستخدم بقطاع الرعاية الصحية. 

النظرة المستقبلية للذكاء الاصطناعي واستخدامه في تحليل الأمراض القلبية

يمكن لنموذج التعلّم العميق بالذكاء الاصطناعي أن يتنبأ بخطر الوفاة خلال 5-10 سنوات بسبب السكتة الدماغية أو النوبة القلبية باستخدام القسطرة، وأشعة صدر واحدة بالإضافة إلى بيانات شبكية العين أيضًا. يستخدم الذكاء الاصطناعي أيضًا تقنية التعلم العميق والخوارزميات والبيانات في التشخيصات الطبية للاضطرابات الخطيرة والمهددة للحياة، ويقوم بأتمتة عملية التشخيص لتقليل عبء العمل على الأطباء وتطوير مجال الرعاية الصحية. 

Share This