%
أعطت خمس دول فقط الجرعة الأولى
وُصِفَ الوضع بأنه سباق محموم بين حالات العدوى والحُقن. وإذا كان كذلك، فالعدوى ما زالت المتسابق الفائز إلى الآن. على مستوى العالم أجمع، تُسجَّل نحو 5 ملايين إصابة جديدة أسبوعيًا بفيروس كورونا المُستجد. وبدأت نحو 51 دولة في تطعيم شعوبها، وفق ما ورد على موقع «عالمنا بالبيانات» (Our World in Data) الإلكتروني (حتى 20 يناير 2021م).
وعلى مدار الأسبوع الماضي، تلقى 17 مليون نسمة اللقاح، غير أن إجمالي الجرعات العالمية كان لم يزل أقل من 50 مليون جرعة. وأعطت خمس دول فقط الجرعة الأولى لأكثر من 5% من سكانها.
وقد أثارت جهود التطعيم مشاعر خيبة الأمل والإحباط في بلدان مثل فرنسا التي بدأ التطعيم فيها بدايةً بطيئة جدًا، وشاعت مشاعر الفرح في بريطانيا التي أبلت بلاءً حسنًا في هذا الصدد حتى الآن.
وخيبة الأمل والفرح كلاهما سابقان لأوانهما. فكثير من الأحداث ستقع خلال الأشهر المقبلة قبل أن تصنع غالبية البلدان مناعةً كافية لدى شعوبها للحيلولة دون تفشي الفيروس. وخلال الفترة الفاصلة، ستعول أمور كثيرة على مدى نجاح الحكومات في إدارة عمليات الإغلاق الكامل.
في الوقت الراهن، تصب غالبية جهود تلك الحكومات في تسوية مسألة توزيع اللقاح التي تستطيع الحكومات السيطرة عليها بشكلٍ مباشر. غير أن توفير اللقاح هو بيت القصيد الآن، وهو الأمر الذي اكتشفته بريطانيا. والخبر السار هو أن الجرعات سُتتاح على نطاق أوسع، إذ زاد المصنِّعون من الكميات التي يصنعونها، وحصلت اللقاحات الجديدة على اعتماد نظامي. وهناك مصل تقدمه شركة جونسون آند جونسون، من المتوقع الإعلان عن نتائج تجاربه نهاية الشهر الجاري، من الممكن أن يصل إلى مليار نسمة خلال عام 2021م.
وبينما تنتظر الدول الإمدادات، سيُناط الدور المحوري للوقاية من الفيروس بالتدخلات غير الصيدلانيّة، بما في ذلك أقنعة الوجه والإغلاقات الكاملة. واستنادًا إلى نموذج بريطانيا، فإن فوائد التطعيم ستستغرق وقتًا طويلاً حتى تظهر على غرف العناية المُركزَّة المُتخمة بالمرضى الذين بلغوا الخمسينات والستينات من أعمارهم، وذلك لأن الأكبر منهم عمرًا غالبًا ما يكونوا أضعف من أن يتحملوا مشاق أجهزة التنفس الصناعي وغيرها من التدخلات الطبية.
وعندما تمتلئ غرف العناية المركّزة عن آخرها، يزيد معدل الوفيات عن المتوقع بمقدار الربع. وإذا أحكمت السلالات الجديدة الشديدة العدوى للفيروس قبضتها، فقد يقتضي الأمر تشديد التدخلات غير الصيدلانيّة، كما حدث في ألمانيا مؤخراً.
تلقى 17 مليون نسمة اللقاح
تَفْرِض عمليات الإغلاق الكامل عبئًا على الحريات، وتكبِّد الدول خسائر ماليّة جسيمة. ولذلك، ستتصاعد الضغوط على إتاحة حرية الحركة للأشخاص الذين حصلوا على اللقاح، حتى لو كان عددهم أقل من أن يُحدِث فارقًا كبيرًا في الاقتصاد.
ولو تجاهلت الحكومات دعوات استخراج «جوازات سفر للحاصلين على اللقاح» للسماح بذلك، فمن المرجح أن يغير الحاصلون على اللقاح سلوكهم، بغض النظر عن موقف الحكومات. وقد تستحدث بعض الشركات نظمًا غير رسميّة.
ولكن، كي يكون لجوازات السفر للحاصلين على اللقاح مسوغ ومنطق، على علماء الأوبئة فهم مدى نجاح التطعيم في الحيلولة دون إفشاء الناس للمرض، لأنه سيكون من المؤسف لو أصاب أولئك الآمنين من الفيروس آخرين ممن ما برحوا ينتظرون التطعيم. توحي الجهود الأولية المبذولة في إسرائيل التي حصَّنَت نسبة أكبر من سكانها من أي دولة أخرى بأن لقاح فايزر-بيونتيك يقلل حقًا من انتشار العدوى نوعًا ما، غير أن الحاجة تقتضي إجراء المزيد من الأبحاث لتسترشد بها منظومة جوازات سفر فعّالة.
وتثير جوازات سفر الحاصلين على اللقاح أيضًا أسئلة أخلاقية. فعندما يعوّل كثير على استخراجها، سيكتسب سؤال: مَن الذي يحق له الحصول على اللقاح؟ ومتى؟ أهمية أكبر مما يكتسبانه الآن. فإذا استُبعدت فئات إلى نهاية الصف، فسيُثار جدل واسع حول برامج إعطاء اللقاحات. لا بد أن يكون التطعيم مجانيًا للأثرياء والفقراء على حد سواء، ولا بد أن يُخصص لهم وفقًا لمدى فعاليته والضرورة السريرية له. وقد يكون من الصعب التوفيق بين هذه الشروط وشرط عدم إهدار الإمدادات النادرة المتاحة، الأمر الذي يسوغ الآراء المبنيّة على الأهواء.
وهناك تعقيدات أيضًا. فإذا كان بوسع الحاصلين على اللقاح التجول، فسيطالب الذين يتمتعون بمناعة مُكتسبه بالحريّة ذاتها: فهم ليسوا أكثر عدوى من الفريق الأول على أي حال.
ومع ذلك، فإن اختبارات الأجسام المضادة لا يعول عليها. وليس من الواضح إلى متى تستمر هذه المناعة، أو متى أصيب الأفراد بالعدوى حقًا وبدأت فترة إصابتهم. ويخشى بعضهم من تداعيات تلك الأحداث على الخصوصية إذا أمسى بوسع الدولة أن تتفقد الحالة الصحية لمواطنيها. إن جوازات سفر الحاصلين على اللقاح فكرة سديدة مبدئيًا. ومن الناحية العمليّة، تواجه الحكومات مجموعة من الأسئلة، بعضها يتعذر الإجابة عنه سوى عن طريق إجراء المزيد من أبحاث علم الأوبئة. وعلى الحكومات أن تشرع في إجراء تلك الأبحاث اليوم.