الأسمدة النانوية
مستقبل واعد في المجال الزراعي
أ. عائشة الأصفر – كيمياء فيزيائية – جامعة الملك عبد العزيز – السعودية
مع تزايد الخسائر الاقتصادية في إنتاجية المحاصيل الزراعية سنويًا بسبب نقص المغذيات للنباتات، وعدم كفاية الأسمدة المستخدمة، إضافةً إلى تقلبات المناخ الذي قد ينجم عنه تحديات أكبر ستواجها البشرية كمشكلة المجاعات، ونقص الغذاء بسبب تزايد السكان. مما شجع الباحثين للجوء إلى تقنية النانو التي فرضت نفسها حلَّا بديلًا في مختلف القطاعات، كالصحة، والهندسة، والطاقة، وغيرها، وقد شمل ذلك القطاع الزراعي. قد استنتج الباحثون من خلال عدة تجارب أن الأسمدة النانوية أثبتت كفايتها أضعاف الأسمدة التقليدية، وأن المستقبل واعد لهذا النوع من السماد، وما يزال العلماء يجرون البحوث والتجارب لتجنب الآثار الضارة الناجمة عن هذه التقنية الجديدة سواء للبشر أو للبيئة.
أهمية الأسمدة للنباتات
قبل أن نتناول موضوع الأسمدة النانوية وما تحمله من مميزات تفوق الأسمدة التقليدية، لعل من المناسب الإجابة أولًا عن تساؤل ما أهمية الأسمدة للنباتات؟ إن الأسمدة مهمة للنباتات لأنها تزود النبتة بالمغذيات الضرورية التي تساعدها على النمو بشكل صحي، مثل الزنك، والنيتروجين، والبوتاسيوم، والفسفور، وغيرها من العناصر. وحيث إن الكثير من هذه العناصر الغذائية الموجودة في التربة تذهب مع المحصول عند حصاده فيجعل التربة فقيرة للمغذيات للجيل الثاني من النبات، فإن الأمر يستدعي إضافة كميات من السماد تعوض هذا النقص الحاصل. الأمر الثاني فإن ما نسبته 35-40 %من إنتاجية المحاصيل تعتمد على الأسمدة. بالإضافة لذلك، فإن السماد يزيد من جودة الثمار الناتجة من النباتات، فمثلًا نقصان مادة الزنك يؤدي إلى مشاكل عدة للنبتة، حيث يؤدي نقصه إلى وقف النمو وفقدان الماء الممتص، وتقليل حجم الأوراق، وخلل في الزهور، وفقدان الخصوبة. لذلك فإن وضع أسمدة باستمرار يضمن جودة المحاصيل الزراعية الناتجة ويحافظ على توازن المعادن والمغذيات في التربة.
مميزات الأسمدة النانوية
تمتاز الأسمدة النانوية بعدة مزايا يجعلها تتفوق على الأسمدة التقليدية المستخدمة وهي:
- الكفاءة العالية؛ لأن نسبة مساحة السطح إلى الحجم كبيرة جدًا، فبعض الدراسات أشارت إلى أن كفاية السماد النانوي تفوق السماد التقليدي المستخدم بثلاثة أضعاف.
- تقليل تكلفة استخدام كميات كبيرة من السماد التقليدي الذي يحتاج إليه المزارعون عند زراعة المحاصيل، حيث إن 80-90 %من الفسفور، و50-90 %من البوتاسيوم، و40-70 %من النيتروجين يُفقد في البيئة المحيطة ولا يصل إلى النباتات، وهذه الميزة مهمة من الناحية الاقتصادية.
- حجم جسيمات النانو متناهي في الصغر، مما يجعله سهل الدخول إلى أجزاء النبتة والاستقرار فيها، وإمدادها بالمغذيات اللازمة، كما تستهدف المواقع بدقة عند إيصال الغذاء لأجزاء النبتة من دون أن تسبب تلوث في البيئة أو المياه الجوفية كما يحدث مع الأسمدة التقليدية وهو ما يدعى بنظام التوصيل الذكي.
- تحسين التركيبة النوعية للأسمدة، مما يعزز قدرتها على امتصاص المواد الغذائية المهمة من التربة، كالنيتروجين، والبوتاسيوم، والفسفور، والزنك، وغيرها من العناصر.
- تحسين إنتاجية المحاصيل بتعزيز معدل إنبات البذور، ونمو الشتلات، والتمثيل الغذائي.
- الأسمدة النانوية ذات توتر سطحي أعلى من الأسمدة التقليدية، مما يزيد كفايتها في التحكم بإطلاق المغذيات للنباتات.
- الأسمدة النانوية لها قابلية على تحمل الإجهاد الذي تسببه الملوحة والجفاف، والتي تؤثر سلبًا في إنتاجية المحاصيل. حيث يؤدي الإجهاد إلى اختلال توازن المغذيات وتلف الأغشية، كما تضر ملوحة التربة إمدادات المياه، إلا أن جسيمات الزنك النانوية، على سبيل المثال، تزيد من تغلغل الجذور وامتصاص العناصر الغذائية في ظل هذا الإجهاد.
طرق تصنيع الأسمدة النانوية
تنقسم طرق تحضير الأسمدة النانوية إلى ثلاث طرق رئيسة:
- طرق فيزيائية، وتتسم بالسرعة، ولكن من عيوبها أنها تحتوي على شوائب كثيرة.
- طرق كيميائية، وتتسم بالدقة في التحكم بحجم جسيمات النانو، وتحتوي على كمية قليلة من الشوائب مقارنةً بالطرق الفيزيائية، إلا أن من عيوبها السمية العالية، نظرًا لاستخدام المواد الكيميائية فيها.
- الطرق الحيوية، التي تُدعى أحيانًا بالطرق الخضراء الصديقة للبيئة، وتتسم بأنها عديمة السمية ودقيقة في التحكم بجسيمات النانو، وعلى الرغم أنها أفضل الطرق إلى الآن وأكثرها رواجًا، حيث جارٍ العمل على تعميمها في مجال التنمية المستدامة، إلا أن تحضير الجسيمات النانوية بهذه الطريقة تكون عادة بطيئة، ومع ذلك فهي تعد طريقة واعدة وآمنة مقارنةً بالطرق الفيزيائية والكيميائية.
السلامة في استخدام الأسمدة النانوية
لقد زاد رواج استخدام تقنية النانو بشكل ملحوظ في المجال الزراعي، خاصةً في تصنيع الأسمدة نظرًا لمميزاتها السابق ذكرها، إلا أن الدراسات حتى الآن أثبتت أهمية تقييم المخاطر قبل القيام بتسويق أي سماد نانوي وطرحه في السوق، ومعرفة آثاره على البيئة والتحقق من سلامته لصحة الإنسان والكائنات الحية. وكما هو متداول بين الباحثين، فإن سمية المواد النانوية تعتمد على مواد التصنيع، وحجم الجسيمات ومراعاة كمية الجرعة المعطاة للنبتة، حيث إن استخدام كمية قليلة من جسيمات النانو يكون مفيدًا للنبات، في حين أنه قد ثبت ضرره عند زيادة الجرعة في نفس الظروف.
تجارب ناجحة في استخدام الأسمدة النانوية
أشارت إحدى الدراسات إلى أن رش محصول البطاطا بأسمدة نانوية من السيليكون قد زاد من جودة ونضارة الثمار وحسّن من نموها. وفي دراسة أخرى حديثة، فقد أدى دمج نوعين من السماد النانوي إلى زيادة رأس حبة الملفوف أكثر بثلاث مرات خلال 75 يومًا، بالإضافة إلى أن محتوى الكلوروفيل في الملفوف كان أعلى وأشد نضارة، مقارنةً باستخدام نوع واحد من الأسمدة النانوية. وفي دراسة ثالثة، حُضّر سماد نانوي من قشور الموز وطُبّق على نوعين من المحاصيل هما: الطماطم والحلبة، وقد لوحظ أن نسبة إنبات البذور زادت من 14 % إلى 97 %بعد سبعة أيام فقط من زراعة الطماطم، ولوحظ نفس الأمر مع نبات الحلبة، حيث زاد معدل الإنبات من 25 % إلى 93 %. وهذا يؤدي إلى إعادة تدوير النفايات الغذائية لصالح القطاع الزراعي، مما يعني بيئة نظيفة وطرق مستدامة مبتكرة. وفي تجربة أخرى أيضًا عولج نبات الذرة بسماد من جسيمات الكبريت النانوية، وقد نتج عن ذلك زيادة معدل إنتاجية نبات الذرة مع محتوى جيد من الكلوروفيل، وكمية وافرة من الأوراق بعد عشرة أسابيع فقط من زراعة المحصول، مقارنةً مع نفس نبات الذرة الذي لم يتلقَّ هذه الجرعة من السماد النانوي تحت نفس الظروف. وقد لاحظ باحثون آخرون أن نبتة الفول السوداني المعالجة بأسمدة النانو احتوت على نسبة عالية من البروتين، وأدت هذه الأسمدة أيضًا إلى زيادة محتوى النشا، والسكريات الذائبة الكلية، والزيت في بذور الفول السوداني. بالإضافة إلى ذلك، أدى الرش الورقي للزنك النانوي إلى زيادة غلة محصول الذرة ومكوناته في ظل الإجهاد المائي.
وختامًا، فإن الأسمدة النانوية قد تكون بديلًا للأسمدة التقليدية، للمميزات التي تحملها، ككفايتها العالية وقدرتها على امتصاص المغذيات، ومنع التلوث وقلة تكلفتها الاقتصادية، ومعالجتها لمشكلة الانفجار السكاني الذي يزداد يومًا بعد يوم، والذي قد يوقع العالم في أزمة نقص غذاء. ولكن مازالت طرق تصنيع الأسمدة النانوية تحت الدراسة، لتقليل آفاتها حيث إن بعض الطرق لها من العيوب، مما قد يجعلها تشكل خطرًا على البيئة أو البشر، كبعض طرق التحضير الكيميائية إن لم تؤخذ الجرعة المناسبة. لكن في المقابل، فإن استخدام النهج الأخضر الصديق للبيئة قد يكون الحل الأمثل لتخطي عيوب الأسمدة التقليدية المعتمدة على التصنيع الكيميائي للمواد في حجمها العادي، وعيوب الأسمدة النانوية ذات الحجم المتناهي الصغر المعتمد أيضًا على التصنيع الفيزيائي أو الكيميائي.