الألم:

 الشعور والعلاج

د. ناصر العرفي – كلية الصيدلة – جامعة أم القرى – السعودية

يختلف الشعور بالألم بين أفراد البشر بدرجة كبيرة بحسب نوع الجنس، والعمر، والحالة الصحية وكذلك الوزن. فهل تساءلنا يومًا عن الألم، ومدى الشعور به، وأنواعه، والأسباب التي تزيد من حدته، وكذلك الحلول الدوائية وغير الدوائية المتوفرة لإدارته؟ 

يُعرّف الألم في المراجع الطبية بأنه الشعور بإحساس غير مريح سواء كان ماديًا كإصابة جسدية أو اعتلال عصبي، أو عدم ارتياح نفسي؛ فهذا يتم تصنيفه كنوع من أنواع الآلام أيضا. يرافق الألم تغييرات في المستقبلات العصبية بجسم الإنسان للتكيف مع الحالة الجديدة في الجسم. ويُصنّف إلى صنفين أساسيين، هما: ألم مؤقت وإن طالت مدته، وألم مزمن. يعتبر الألم إحساسًا طبيعيًا في بعض الحالات، مثل ردة فعل الجسم تجاه ماء حار منسكب على الجلد، فذلك طبيعي لوجود مستقبلات عصبية تتفاعل مع هذا المؤثر، والتي بدورها تنقل الألم (الإحساس) عبر الحبل الشوكي انتهاءً بالدماغ، الذي يقوم بإدراك هذا الإحساس والتعامل معه بتهدئة طبيعية، وتستغرق هذه العملية جزءًا من الثانية. قد لا تتم هذه العملية لدى البعض بصورة طبيعية، فيظل الألم مستمرًا لفترة طويلة، وهذا أشد أنواع الألم صعوبة وتأثيرًا. 

وبالحديث عن المستقبلات العصبية يظل الجلد هو أكثر مناطق الجسم امتلاءً بالمستقبلات العصبية، التي عادةً ما تتصدى للمؤثرات الخارجية حمايةً له، قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ * إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا)، وهذا دليل علمي أن الشعور بالألم عملية حسية بالجلد نظرًا لانتشار المستقبلات العصبية فيه. ولو أوردنا الحالات الأكثر شيوعًا للآلام لنبدأ بالواقع، فأصحاب الأمراض المزمنة لديهم إحساس عالٍ بالألم، وذلك لأسباب من أبرزها زيادة عوامل الالتهابات بالجسم، التي ترتفع بنسبة كبيرة في حال وجود حالات مرضية أو صحية غير مستقرة، مما يجعل الجسم أكثر عرضة لمخاطر صحية مقلقة. يتصدر تلك الأمراض مرض السكري، الذي يسهم عدم التحكم فيه إلى تدهور صحة العديد من الأوعية والشعيرات الدموية الرئيسة بالجسم والطرفية، لذلك تنسمع كثيرًا مقولة (أشعر بحرارة بأطرافي) من قبل مرضى السكري، وهي أحد أكثر الأعراض شيوعًا لديهم. كذلك البُدناء، ففي دراسات حديثة أثبتت أن زيادة الوزن تؤدي لشعور أكثر بالألم، ويعود ذلك لعدة أسبابٍ منها، زيادة الوزن على مفاصل الجسم مما ينتج عنه زيادة بالآلام، كذلك يصاحبه زيادة في السيتوكينات المسببة للالتهاب، وبعضها للألم خصوصا في منطقة الزيادة (الدهون البيضاء) التي تعتبر مصدرًا غنيًا لإفراز العديد من العوامل ذات الضرر البالغ على الجسم، أيضا يزداد لدى البُدناء الألم بسبب الضغط الناجم عن زيادة الوزن على المفاصل مما يسهم في زيادة الآلام بنسبة كبيرة.

يبرز أيضًا في مجتمعنا الآلام المصاحبة للصداع بشكل عام، والصداع الناتج عن الإجهاد وقلة النوم بالمرتبة الأولى، وتختلف باختلاف المسبب، حيث يُعد النصفي أو ما يسمى بالشقيقة من أكثر الآلام شيوعًا، ولها مسببات بعضها وراثي وبعضها مكتسب. ومن الحالات المعروفة للألم عالميًا هو حالة فرط الإحساس لمسببات في الأصل لا تسبب ألمًا، فمن رحمة الله بنا اعتدال الإحساس، فقد يشعر البعض من مسبب بسيط بحالة مستمرة من الألم وإن كانت لمسة بسيطة، ويُسمى طبيًا إحساسًا مفرطًا. 

ويُعد الوزن الصحي مثال سليم لتقليل الشعور بالألم والتحكم به. كما أن التحكم بمسببات الأمراض ومنها التحكم بمستوى سكر الدم يساعد في التحكم بالألم. وتتمثل الحلول العلاجية في مسكنات غير أفيونية ومتداولة مثل: أدوية باراسيتامول، و أيبو بروفين، و ديكلوفيناك، و أسبرين، حيث تُعد من الأكثر استخدامًا كأدوية لا وصفية (أي لا تتطلب وصفة طبية للحصول عليها). كذلك بعض الأدوية التي تستخدم لبعض الحالات النفسية وهي بالواقع تستخدم لبعض حالات الصداع مثل باروكيستين، يبرز في هذه الأدوية الأمان العالي، وذلك في حالة استخدامه في النطاق المسموح به وفق الارشادات المقدمة مع الدواء. على الجانب الآخر كذلك توجد بعض المسكنات الأفيونية التي تُستخدم في أضيق الحدود الطبية لحالات محددة، يصفها الفريق الطبي المعالج تفاديًا للإدمان ويأتي في أبرز استخداماتها حالات الكسور، والولادة، والحروق، والآلام المصاحبة لإصابات الحوادث والطوارئ. 

إن الألم ظاهرة طبيعية في حياتنا اليومية، ويُعد تنبيهًا يتوجب التركيز عليه والاهتمام بتقصي أسبابه. كما أن بعض الآلام تسبب للمريض خللًا عاطفيًا كظهور الاكتئاب، وفقدان الشهية للطعام، وتغير في أسلوب النوم، لذلك ينبغي التنبه لحاجة المريض للدعم النفسي، والتركيز على تحسين جودة الحياة لدى المريض.

Share This