الإمكانات غير المُسْتَغلة لتقنية النانو

للوقاية من أمراض الفم:

 الثورة التالية في طب الأسنان

طارق‭ ‬راشد‭ – ‬باحث‭ ‬وإعلامي – 1 اكتوبر- 2021م

لماذا لم تتغير الرعاية الوقائيّة كثيرًا طيلة المئة عام المنصرمة؟ إننا نعلم أن الوقاية من تسوّس الأسنان يبدأ بفهمٍ أساسيّ للمفاهيم المستندة إلى درجة الحموضة التي تؤثر تأثيرًا كبيرًا في قدرة الغشاء الحيوي الفموي الرقيق على إذابة بنية الأسنان، والقدرة على توجيه البيئة الفمويّة الدقيقة رجوعًا إلى الصحيّة الكلية للجسم.

ورغم أن كثيرين أقدّموا على محاولات كثيرة لتغيير البيئة الفمويّة الدقيقة، ما زالت هناك تحدّيات عند التعاطي مع قضايا أساسيّة تتعلق بالأغشية الحيويّة المُسببة للتسوّس والأمراض الفمويّة المُترتبة عليها. وفي حين أن هذه المشكلات معروفة للمجتمع العلمي، لم يتوافر إلى الآن نظام صحي فموي قادر على اختراق الغشاء الفموي الرقيق، وحقن عوامل تحييد داخله بنجاح.

وفي ظلّ الطفرات الأخيرة في تقنيّة النانو، أصبح بالإمكان الآن تجاوز وتثبيط آليات الغشاء الفموي الرقيق التي اشتهرت في السابق بمنعها من امتصاص عوامل التحييد، وتعطيل سلسلة الآليات البكتيريّة المُسببة للتسوس، مما يؤدّي إلى الإصابة بالأمراض الفمويّة.

وباء الأمراض الفمويّة 

منذ نحو مئة عام، اتبّع طب الأسنان النظام الصحي الفموي ذاته لمنع الإصابة بأمراض الفم. ورغم أن العلاجات بالفلوريد وموانع التسرُّب كان لها أثر إيجابي كبير في صحة الفم، ما زالت هناك فجوة كبيرة في الوقاية من أمراض الفم. ويدلّل على ذلك معدل تآكل الأسنان الحالي الذي يصل إلى مستوى وبائي، دنا من 50% لدى الأطفال، وزاد إلى 92% لدى البالغين. علاوة على ذلك، فإن أكثر من 80% من البالغين يعانون من التهاب اللثة، وأكثر من 50% منهم يعانون من أمراض ما حول الأسنان(1). وهذا المستوى الفادح للمرض لا يمارس ضغطًا فحسب على وقت الناس، ووضعهم المالي، وإنما يمكن أن يؤدّي أيضًا إلى مستوى مثير للقلق من فقدان الأسنان. ومسارات المرض هذه مُعتمدة على الغشاء الحيوي الرقيق، ومن الممكن الوقاية منها إلى حدٍ كبير.  

التحدّي الماثل أمام التوازن الحيوي الفمويّ

لدعم التوازن الحيوي، لا بدّ من وضع الأهداف والغايات الآتية في الحسبان:

  • زيادة تدفق اللعاب.
  • زيادة قيمة درجة حموضة سائل لويحات الأسنان، واللعاب في مُدَّة زمنيّة قصيرة.
  • زيادة نشاط أيونات الكالسيوم على مقربة من سطح الأسنان (والحفاظ على درجة من التشبُّع).
  • تعطيل نزوع الغشاء الحيوي الرقيق إلى الإمراض.
  • خلق حالة نَهَمْ لدى البكتريا المسببة للتسوّس (بتكسير واختراق وتحفيز تحلُّل الغشاء الحيوي الرقيق لطبقة عديد السكاريد الخارجي).
  • استغلال آلية ما لحقن عوامل إعادة تَمَعْدُن الأسنان في الغشاء الحيوي الفموي.

إن كثيرًا من المواد القادرة على اختراق الغشاء الحيوي الرقيق، كالكلورهيكسيدين، قد تتداخل مع عملية إعادة تمعدُن الأسنان، مما يحدّ من القدرة على استخدامها مع عوامل أخرى.(2) فضلاً عن ذلك، فقد ثبت أن الفلوريد والكالسيوم قدرتهما ضعيفة جدًا على اختراق الغشاء الحيوي الفموي عند استخدامهما وحدهما(4)(3). وقد شكَّلَت هذه العوامل تحدّيًا جديدًا لمسار إعادة تمعدُن الأسنان للسماح بنشاط أيونات كالسيوم مثالي، على مقربة من سطح السن.

تقنية النانو… وقدرات الوقاية غير المُستغلة

بالتزامن مع ابتكار تقنية النانو المُهَندَسَة، يمكننا الآن اختراق الغشاء الحيوي الفموي بتعمقٍ، وفي الوقت ذاته الحفاظ على توازن درجة الحموضة.(4)(5) لقد صُمِّمَت الجسيمات النانويّة الفضيّة، (AgNPs) لشركة إليمينتا (Elementa) وغُطِّيت خصيصًا بطبقة خاصّة نباتيّة الأساس تحاكي طبقة عديد السكاريد الخارجيّة للغشاء الحيوي الفموي. وهذا لا يسمح وحسب بالتوغل اليسير داخل الغشاء الحيوي الفموي، وإنما يُحسِّن أيضًا مستوى استقراره وتوافقه الحيوي. وفور دخول الجسيمات النانويّة الفضيّة الغشاء الحيوي الفموي، يمكنها ترك آثار تحييديّة بشكلٍ مباشر وغير مباشر باختراقها وفتحها قنوات داخل هذا الغشاء تنفذ منها العوامل النافعة الأخرى.

وتستغل منتجات شركة إليمينتا كثيرًا من منتجات إعادة تمعدُن الأسنان، مثل الزيليتول والكالسيوم، التي يساعد وجود الجسيمات النانوية الفضية على نفاذها إلى الأغشية الحيويّة الفمويّة.(4) وهذا المزيج من المعادن يوفر قدرةً وقائيّة عالية ضد هجمات الأحماض، وهو مُصمَّم لاستهداف مناطق أعمق من الغشاء الحيوي الفموي تُساير الظروف المسبّبة لتسوّس الأسنان. 

وقد دُرِسَت الجسيمات النانويّة هذه، وثبت أنها ليست سامّة للأنسجة الفمويّة، والفضل في ذلك يرجع إلى غلافها المتوافق حيويًا وإفرازها البطيء لأيونات الفضة بمرور الوقت.(6) وثبت أيضًا أن الجسيمات النانويّة الفضيّة عوامل قَلْوَنَة ممتازة مضادة للبكتريا وخارِقة للغشاء الحيوي. علاوة على ذلك، فقد دُرِست هذه الجسيمات الفريدة للوقوف على إمكانات إعادة معدنتها لطبقة المينا التالفة، إذ ظهرت نتائج واعدة ترشحها لأن تكون بديلاً للفلوريد.(7) في الماضي، لم يتسنَ المزج بين التركيبات التي تحتوي على جسيمات الفضة النانويّة مع غيرها من العوامل؛ لافتقارها الاستقرار في كثير من الوسائط. ولذلك، لم تشهد الجسيمات النانويّة الفضيّة (AgNPs) استخدامًا واسع النطاق في العلاجات المُركَّبَة للرعاية الفمويّة حتى وقت قريب(8).

 وباستخدام أساليب هندسية مُتقدّمة، أصبح الآن بالإمكان خلط الجسيمات النانويّة الفضيّة بالزِيليتول وعوامل التحييد، مثل: أملاح الكالسيوم؛ لتعزيز عمليّة إعادة تمعدُن الأسنان، وتحقيق الاستقرار لمعدّلات درجة الحموضة. ولقد فتح هذا الكشف مجالاً جديدًا للوقاية الاستكشافيّة من الأمراض الفمويّة. لقد بدأ بحثنا عن تغيير الواقع بتقنية النانو الأحدث على الإطلاق التي ثبت فعاليتها الكبيرة في كثير من المجالات الطبيّة الأخرى. وقد بدّلَ ما اكتشفناه مشهد منتجات الوقاية من الأمراض الفمويّة بالكامل. إن استخدام الجسيمات النانويّة الفضيّة في منتجات الرعاية بالفم يحمل في ثنياته إمكانات زيادة حقن مكونات بالغة الأهميّة إلى حدٍ كبير، كالكالسيوم والزِيليتول، مباشرةً في أسطح الأسنان المعرضة للخطر. علاوة على ذلك، فإن محلول الفضة النانويّ المُصمم بعناية فائقة لديه القدرة على تحييد الأحماض الفمويّة بسرعة، وإعادة ضبط بيئة الغشاء الحيوي الفموي بطريقة صحيّة سليمة. 

Share This