الإنسان والبيئة..
أثر وتأثير
آلاء لبني– جغرافيا – وزارة البيئة والمياه والزراعة
علاقة الإنسان والبيئة علاقة تبادلية الأثر والتأثير، فالبيئة تمثل مصدر الثروات التي يحصل منه الإنسان على مقومات حياته. لسنوات طويلة، كانت شعوب العالم المتقدمة والصناعية تستنزف الموارد الطبيعية، وتجهد قارات الأرض، دون اهتمام بالاستدامة، عبر تزايد الاستهلاك وتحويل الموارد بعمليات الإنتاج إلى سلع استهلاكية، ثم تعود المواد إلى البيئة في صورة مخلفات ونفايات، لذا، زادت الملوثات وتسربت في المياه والتربة وأصبحت بانبعاثاتها السامة في الهواء إلى درجة تفوق أحيانا قدرة الامكانات الطبيعية للبيئة لاستيعاب تلك الملوثات، مما أدى لبلوغ مستويات عالية التركيز تهدد الأرض. تعاني البيئة في أصقاع العالم من الإجهاد واختلال توازن الأنظمة البيئية الذي انعكس بصورة سلبية على التنوع الأحيائي وانخفاضه، وظهرت مشاكل زيادة معدلات النضوب والضغط على موارد المياه، وامتداد التصحر، وتراجع الغطاء النباتي، وإزالة الغابات، وتعرية وتدهور خصوبة التربة، وانخفاض قدرة انتاجيتها وتغيير أنماط النظام الحيوي والتغير المناخي. التضارب والتناقض بين إجهاد البيئة، ومصالح التنمية ومطالبها والاقتصاد والقوى الجيو سياسية تشكل التوجهات العالمية، وتحول دون تحقيق الاستدامة. النقاط التي يتم اللعب على وترها بكثير من الأحيان تطرح حلولًا انتقائية تمسك بطرف مشكلة وتتسبب بأخرى. ومن أبرز تلك القضايا البيئية التي تـأخذ زخمًا على ساحات النقاش العالمي التغير المناخي الذي يحتاج تناولا وحلولًا تنتفي بها التناقضات التي تزيد من إجهاد البيئة بطرق أخرى.


قضية المناخ تخضع لاعتبارات عديدة، الكثير منها سياسي، وليست حقائق علمية مناخية يقينية كاملة. النظام المناخي نظام معقد، ومؤثراته عديدة طبيعية وبشرية، يتشكل بمنظومة من العوامل وتَتَبُّع تغيرات المناخية على مر العصور كتأثير الدورات الزمنية المناخية الساخنة والفترات الزمنية الباردة التي شهدتها الأرض. والتنبؤات بمستقبل المناخ ليست عبارة عن حقائق علمية يقينية لا خلاف عليها، بل هناك الكثير من الاختلافات بين الأوساط العلمية في تفسير الظاهرة. فمثلًا إلى اليوم يصعب الجزم بالتقدير والتفريق بين التغيرات المناخية، الناتجة عن النشاط البشري، وتلك الناتجة عن التغيرات المناخية الطبيعية ومدى قوة تأثيرهما. وتتباين آراء العلماء كثيرًا، فهناك من يرى أن الأسباب الرئيسة المسببة للاحتباس الحراري تكمن في زيادة انبعاث الغازات الدفيئة الممثلة في الملوثات والغازات الصناعية السامة المنبعثة من المصانع وحرائق الغابات وإزالتها، بحيث أن الغازات الخطيرة المصنعة غير الطبيعية لا يتم تحللها أو امتصاصها طبيعيًا بل تبقى عالقة وهي المسؤولة عن الخلل البيئي، وليس ثاني أوكسيد الكربون المتهم الأول فقط. وتقل الدراسات العلمية المستفيضة لتأثير الغازات المصنعة والانبعاثات والسموم الناتجة عن قطاعات بأكملها. كما أن إزالة الغابات لصالح الأنشطة الزراعية وتربية الماشية وإنتاج اللحوم تتسبب بإطلاق انبعاثات الميثان وغيره، ولا نجد تسليط الضوء الكافي لهذه المشكلة . ومما يتفق العلماء عليه هو أن زيادة تركز نسبة غازات الاحتباس الحراري في طبقات الجو الدنيا ستؤدي إلى تغير مناخي دون تحديد لطبيعة هذا التغير وصورته ووقت حدوثه وتوزيع آثاره، فضلا عن عدم القدرة على تحديد حجم وأنماط التغير المناخي المتوقعة، ودرجة تباين آثاره على الأقاليم الجغرافية المختلفة.
وتتعدد صور تغير المناخ من حدوث موجات الفيضانات، وذوبان وارتفاع منسوب المياه وتغير اتجاهات الرياح، وزيادة شدة العواصف والأعاصير، وتهديد وتدمير النظام الحيوي للعديد من المناطق الساحلية، وغمر الجزر، وتغير معدلات الامطار وزيادة نسبة ملوحة الآبار وارتفاع درجة الرطوبة وزيادة التبخر. وتؤثر الخصائص الجغرافية والمناخية والظروف الاقتصادية والديموجرافية بقارات العالم في تفاوت اختلاف مدى تأثر الدول بالآثار البيئية المتوقعة من الاحتباس الحراري والقدرات المتوفرة للتكيف المناخي. بشكل عام تكون الدول الأقل نموًا أكثر عرضه لمخاطر المناخ، لضعف قدراتها الاقتصادية لمواجهة هذه التغيرات. وقد استوجب هذا الأمر اتخاذ إجراءات كفيلة بزيادة القدرات لمجابهة المخاطر المحتملة والتكيف والتأقلم مع التغيرات المتوقعة للمناخ. ويسعى المجتمع الدولي في قضية التغير المناخي من خلال بروتوكول كيوتو اتفاقية الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ إلزام البلدان الصناعية والاقتصادات التي تمر بمرحلة انتقالية بالحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وخفضه وفقا لأهداف يُتفق عليها. وتطلب من الدول أن تتبنى سياسات وتدابير للتخفيف من آثار تغير المناخ، وأن تقدم تقارير دورية توضح مدى الالتزام وتضمين سياسات التعامل مع قضايا تغير المناخ ضمن السياسات الوطنية والاقليمية والدولية وتقييم تأثيراته المحتملة، ووضع برامج للحد من آثارها والتكيف معها. لكن الوصول لحلول يتفق عليها معظم الأطراف باتفاقية المناخ أمر محال، في ظل العقبات الاقتصادية والعلمية والمصالح السياسية. يسعى المجتمع الدولي لتقليص انبعاثات الكربون وإحدى الطرق تقليص نمو الطلب على الوقود الأحفوري وتسعير الكربون وفرض الضرائب. ولاشك أن تطبيق ضرائب الكربون ستؤثر على العديد من الصناعات، بمعنى سترتفع قيمة كل شيء بالعالم. وذلك سيخلق المحفزات بالاستثمار في الطاقة المتجددة. تنشط المساعي الدولية في تفعيل التجارة الدولية للانبعاثات بإنشاء آليات سوق تستند على تجارة تصاريح الانبعاثات.


وتمخض مؤتمر (COP26) عن تسريع وتيرة مكافحة الاحتباس الحراري للحد من الإحترار العالمي لمواجهة المشاكل البيئية الناجمة عن تزايد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتقليص منها والحد من الكربون ودعم الصندوق الأخضر بـ 100 مليار دولار سنويًا وخطط مناخية طموحة تصل لصفر الانبعاثات والعمل السياسي لتوفير السبل الكافية لتحقيقها. التساؤل الذي يمكن طرحه، هل يستطيع العالم إيجاد التوازن بين تحقيق النمو وما يتبعه من احتياجات الطاقة والحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة؟ في الوقت الراهن لا. يجب التركيز على البحث عن أفضل الطرق لمواجهة آثار التغير المناخي بحلول علمية وعملية تنطلق من الواقع، وتضمن توازن بين تحقيق معدلات النمو، واحتياجات الطاقة، والحفاظ على البيئة بصورة تحقق مسارًا إيجابيًا للتنمية المستدامة. إن الفوائد البيئية عديدة لتفعيل دور التشجير في التكيف ومواجهة آثار التغير المناخي والمشاكل البيئية كتدهور الأراضي التي سيسهم التشجير في معالجتها وفي استعادة النظام البيئي والتنوع البيولوجي وإعادة إنتاجية الأراضي وإحداث التوزان البيئي حيث تسبب تضاؤل مساحة الغابات والغطاء النباتي في انخفاض التنوع الحيوي والحياة الفطرية واتساع مساحة التصحر. وتزداد أهمية التشجير في الأنظمة البيئية المكونة للمناطق الجافة وشبه الجافة التي لحق بها كثير من عوامل التدهور في النظام الإيكولوجي واختلال التوازن وتعرية التربة … الذي نتج من العوامل الطبيعية كقلة الأمطار وامتداد فترة الجفاف والممارسات البشرية الخاطئة تجاه البيئة بسوء استغلالها واقتلاع الأشجار والشجيرات وإزالة الحشائش والأعشاب سواء للأنشطة التعدينية أو الزراعية أو الاحتطاب أو الرعي الجائر. وقد أدى ذلك إلى تدهور الغطاء النباتي وزيادة الضغط على المراعي الطبيعية.
ومن أبرز الحلول :

كما تعاني الأراضي الجافة وشبه الجافة من مشاكل نقل التربة السطحية إثر الفيضانات والسيول عند هطول الأمطار، ويحول التشجير من تآكل التربة ويعمل على تثبيتها. ويعمل على خفض نسبة تبخر الرطوبة من التربة، والحد من تأثير عوامل تعرية الرياح، وتشكل أحزمة الأشجار مصدا للرياح. وتلعب الأشجار دورًا مهمًا في تنفس الأرض، وتحسين جودة الحياة، وتنقية الهواء من ثاني أكسيد الكربون، وتوفر الأكسجين من خلال عملية التمثيل الضوئي. الشجرة نظام بيئي متكامل فهي الحياة، والحفاظ على الغطاء النباتي حفاظ على الكوكب، وفقدانه فقدان للموائل الطبيعية والتنوع الحيوي. ومن الأهمية تعويض الأشجار التي يتم إزالتها وقطعها. ومن نعم الله أن الأشجار موارد متجددة قابلة للإكثار بتعويضها بشجيرات جديدة تتلاءم مع مستوى القدرة الطبيعية على التجدد بما يتناسب مع خصائص البيئة الجغرافية ومعايير الاستدامة. خطط التشجير الطموحة والمحافظة على أنواع الأشجار والغابات الموجودة، والتنوع الحيوي يتطلب وعي مجتمعي بأهمية الحفاظ على البيئة وشراكة فعالة لنكون أيدي تزرع وترعى وتحمي وتنمي، ولا تقطع وتدمر. ولا بد من تحفيز المسؤولية وبذل جهود، تتظافر فيها كافة القطاعات الحكومية والخاصة والقطاع غير الربحي على الصعيد المحلي والوطني والدولي لاستعادة الأراضي المنتجة. الحفاظ على الغطاء النباتي حفاظ على الأرض، قال خير الأنام «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها».