البلاستيك الحيوي خطوة نحو
تخطي أزمة التلوث البيئي
أ. عائشة الأصفر | كيمياء فيزيائية – جامعة الملك عبد العزيز – السعودية
لا يخفى علينا ما شهده العالم من أزمة صحية جراء جائحة كورونا التي لم تتسبب فقط بالإضرار بصحة الناس والاقتصاد العالمي، وإنما هددت الاستدامة البيئية، فمثلًا كثُر استخدام الأقنعة والقفازات وأكياس التسوق البلاستيكية لمنع العدوى، مما أدى إلى زيادة النفايات البلاستيكية زيادة هائلة وملحوظة لم تعهده البشرية من قبل. كما أن حالة الطوارئ التي ناشدت بها الدول، كالحظر الصحي عزز التعامل مع التجارة الإلكترونية مما يعني الكثير من مواد التعبئة والتغليف، وبالتالي زيادة الطلب على البلاستيك ومشتقاته.
البلاستيك مشكلة قديمة قدم الإنسان نفسه
في الحقيقة أنه قبل حدوث جائحة كورونا كانت الملايين من أطنان البلاستيك ينتهي بها المطاف في البحر، والجزء الأكبر من هذه النفايات كانت من الجسيمات الدقيقة والنانوية كاللدائن الرقيقة، وجزء صغير فقط من الزجاجات وما تُغلف المواد الغذائية به؛ لذلك لا يمكن أن يكون الحل هو التخلص من المواد البلاستيكية نهائيًا، وإنما في ابتكار مادة بديلة تقوم محل البلاستيك التقليدي في مميزاته، كالتكلفة البسيطة، وسهولة التصنيع، وتوفر مصادره، ومتانته، وانخفاض قابليته للتمزق، وتجنب عيوبه التي من أهمها التلوث البيئي في المياه والتربة وتهديد الحياة البحرية وزيادة مكبات النفايات، خاصةً أن الحياة العصرية تتطلب استخدام البلاستيك بصورة دورية في الحياة اليومية.
الآثار الناجمة عن البلاستيك التقليدي
يسبب البلاستيك أمراضًا كثيرة للإنسان نتيجة تعرضه للغازات السامة الناتجة من حرق البلاستيك، أو تناول أسماك تلوثت بالبلاستيك. كما أن البشر يعانون من اضطراب مستوى هرمون الغدة الدرقية وكثرة أمراض السرطان نتيجة التلوث البلاستيكي. ولأجل تصور حجم الكارثة التي يسببها البلاستيك للبيئة فإن حوالي 34 مليون طن من البلاستيك ينتج سنويًا و7% فقط من المنتج يُعاد تدويره، أما 39% فيتم التخلص منه في مكبات النفايات والبحار والمحيطات، وفي بعض الأحيان يُحرق البلاستيك كوسيلة للتخلص منه، إلا أن ذلك يؤدي إلى انبعاث الغازات السامة، مثل الميثان وغاز ثاني أكسيد الكربون التي تؤثر على الغلاف الجوي والتغير المناخي في العالم.
أهمية البلاستيك الحيوي ومميزاته
لقد دخل مفهوم استخدام البلاستيك الحيوي حيز التنفيذ عندما دق ناقوس الخطر على الكائنات البحرية والإنسان. حيث يُنتج البلاستيك الحيوي من مصادر طبيعية ومتجددة آمنة بيئيًا، سواء مواد غذائية، كالذرة وقصب السكر والأرز والقمح، أو بقايا مخلفات غذائية، كقشور الموز والبطاطس والألياف المتحصل عليها من الأناناس وغيرها. إن البلاستيك الحيوي قابل للتحلل بيئيًا ويمثل خيارًا بديلًا وأكثر أمانًا من البلاستيك التقليدي الذي يعتمد في صناعته على مشتقات النفط، لأن البلاستيك الحيوي يتفكك إلى ماء وغاز ثاني أكسيد الكربون ومركبات غير عضوية، كما أن تحلله في التربة يزيد من خصوبتها وجودتها ويساعد في تسميد الأراضي الزراعية بسبب ما ينتجه من مواد مفيدة. يتحلل البلاستيك الحيوي بواسطة الفطريات والطحالب والبكتيريا، ويستخدم حاليًا كمواد تغليف وتعبئة، لكن في المستقبل سيستخدم في تشكيل منتجات مختلفة بدءًا من الإلكترونيات وانتهاءً بقطع غيار السيارات.
أنواع البلاستيك الحيوي
هناك ثلاثة أنواع من البلاستيك الحيوي، أحدها البلاستيك الحيوي المتحلل ضوئيًا، أي أنه يتحلل عند التعرض للضوء خلال فترة معينة. أما النوع الثاني فهو البلاستيك الحيوي نصف المتحلل، وهو مصنوع من شقين: الشق الأول من الوقود الأحفوري وهو نفس مصدر تصنيع البلاستيك التقليدي، والشق الثاني من النشا، لذا فإن الكائنات الحية تستطيع أن تحلل الشق الثاني فقط من هذا النوع من البلاستيك الحيوي. أما النوع الثالث فهو البلاستيك الحيوي كامل التحلل حيث تتمكن الكائنات الحية من تحليله بصورة كلية لأنه مصنوع من مواد طبيعية وبكتيريا وفطريات.
الفرص والتحديات التي يواجهها إنتاج البلاستيك الحيوي
إن العديد من الدول لديها أبحاث وبرامج تنمية وسياسات مبتكرة لدعم صناعة البلاستيك الحيوي وتبذل جهودًا كبيرة في زيادة قدرتها لتصنيعه، إلا أن تكلفة ذلك أدَّت إلى تقييد نطاق الصناعة بدلًا من توسعه. ورغم ذلك فقد تحقق معدل نمو عالٍ في صناعة البلاستيك الحيوي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما أن هناك اهتمامًا متزايدًا بتطوير سياسات بيولوجية اقتصادية منتظمة وإطلاق مبادرات لتصنيع البلاستيك الحيوي في العديد من البلدان، خاصةً أن زيادة أسعار النفط ستتزايد خلال السنوات القادمة وهذا سيؤدي إلى زيادة الطلب على البلاستيك الحيوي.
الخلاصة والتوصيات
قد تتطور صناعة البلاستيك الحيوي ويتمكن العلماء من الحد من عيوبه، كالتكلفة العالية وابتكار مصادر أولية لا تحتاج إلى استهلاك مواد غذائية في تصنيعه؛ حيث إن البشرية مازالت بحاجة لسد بؤرة الجوع أولًا لدى بعض الشعوب قبل استخدام هذه المواد الغذائية في تصنيع أكياس وعلب تغليف، لكن يبقى من الواجب علينا أن نعيد التفكير في الأشياء التي نستهلكها في حياتنا اليومية، ولتطبيق ذلك فنحن بحاجة إلى فهم القيم الاجتماعية والبيئية للمنتجات وأن نسعى لنبقيها متداولة لأطول مدة زمنية ممكنة. كما أن هناك حاجة ملحة لابتكار حل جذري شمولي لمشكلة التلوث البلاستيكي لتمكين الشركات والحكومات ومراكز الأبحاث من الوصول إلى أهدافهم في هذا المجال بيسر وسهولة، بالتعاون مع أفراد المجتمع.