التدرن‭ ‬الرئوي

كورونا يعيد تنشيط

السل الرئوي القاتل

د. اليسار الخطيب علم الأحياء الدقيقة – كلية الموسى للعلوم الصحية – السعودية 

التدرن الرئوي (السل) (Tuberculosis or TB) مرض مُعدٍ، يُصاب به الإنسان نتيجة العدوى بجرثومة المتفطرة السلية (Mycobacterium Tuberculosis)، وهي نوع من البكتيريا تصيب الرئتين بشكل مباشر (انظر صورة 1)، وقد تصيب أعضاء أخرى مثل الكلى والعمود الفقري والدماغ. يعتبر السل أحد الأسباب الرئيسة للوفيات عالميًا بعد فيروس كورونا المستجد (COVID-19). على الصعيد العالمي، أصيب حوالي ربع السكان بالسل، ولكن فقط 5.15 % قد تظهر عليهم أعراض المرض خلال حياتهم، مع زيادة معدل الإصابة لدى الأشخاص الذين يعانون من كبت المناعة، وخاصة المرضى المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية. سنويًا، من بين إجمالي عدد المصابين بالسل، حوالي 90 % هم من البالغين، حيث إن الرجال أكثر عرضة من النساء.

عبء مرض السل عالميا

في جميع أنحاء العالم، ارتفع عدد الأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بالسل بنسبة 4.5 % من عام 2020 ليصل العدد إلى 10.6 مليون في عام 2021، حيث توفي 1.6 مليون مصاب بسبب المرض من بينهم 82 % غير مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية. كانت مناطق أفريقيا وجنوب شرق آسيا تستحوذ على النسبة الأكبر من وفيات السل العالمية. أظهرت الدراسات أن الالتزام بنظام الأدوية المضادة للسل يقلل من معدل الوفيات من 50 % إلى 15 % . لذلك أوصت إرشادات منظمة الصحة العالمية (WHO) بضرورة الالتزام بالنظام العلاجي الممتد إلى 6 أشهر. 

على الرغم من أنه بالإمكان تقليل نسبة الوفيات عن طريق الالتزام بالطرق العلاجية المناسبة، إلا أن عددًا كبيرًا من الناجين من السل يعانون من مشاكل ما بعد الإصابة بالسل. من ناحية أخرى انخفض عبء مرض السل في بعض البلدان ليصل إلى أقل من وفاة واحدة لكل 100000 وأقل من 10 حالات في السنة. وفقًا لذلك، تم تسجيل انخفاض في معدل الإصابة بالسل بنسبة 11 % بين عامي 2015 – 2020 وهو ما يقارب الانخفاض بنسبة 20 % المخطط له من قبل منظمة الصحة العالمية باعتباره علامة فارقة في استراتيجية القضاء على السل بين 2015ا-ا2020. بالإضافة إلى ذلك؛ كان لوباء كورونا (COVID-19) تأثير واضح على عبء السل، حيث أثّر على عدد الحالات المبلّغ عنها حديثًا، إلى جانب الانخفاض العالمي في النسبة المئوية لمرضى السل الذين يتلقون علاجًا منتظما، لا سيما أولئك الذين لديهم سلالات مقاومة للأدوية.

عوامل خطر الإصابة بالسل وتأثيره على الصحة

يُعد نقص التغذية، وعدوى فيروس نقص المناعة البشرية، تعاطي الكحول، والتدخين، ومرض السكري من أهم العوامل الخطرة للإصابة بمرض السل الرئوي. بالإضافة إلى عوامل الخطر المرتبطة بالصحة، كما تزيد الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأشخاص نسبة خطر الإصابة بعدوى السل خلال حياتهم. 

صورة 2: ينتقل السل الرئوي عن طريق الرذاذ المتطاير من شخص إلى آخر.

كيفية انتقال العدوى

ينتقل السل الرئوي عن طريق الرذاذ المتطاير من شخص إلى آخر عند العطس، أو السعال، أو البصق، أو الاحتكاك المباشر، وتنفس الهواء الملوث بالبكتيريا (انظر صورة 2). ولا ينتقل عن طريق المصافحة، أو مشاركة الطعام والشراب، أو التقبيل، أو استخدام دورات المياه.

مرض السل ونقص التغذية

في جميع أنحاء العالم، يُعتبر نقص التغذية سبب رئيس لنقص المناعة الثانوي، لذا قد يكون الشخص الذي يعاني من ضعف الجهاز المناعي أكثر عرضة للإصابة بالأمراض. أظهرت الدراسات أن نقص التغذية يزيد نسبة الإصابة بمرض السل ونسبة الوفيات بين البالغين وكذلك الأطفال . في الوقت الحاضر، من بين عوامل الخطر الرئيسة لمرض السل، يمثل نقص التغذية 15 % من الجزء المنسوب إلى إصابة الأشخاص، يليه فيروس نقص المناعة البشرية بنسبة 7.6 %، والسكري بنسبة3.1 %. وتجدر الإشارة إلى أن فقدان الوزن هو أحد أعراض السل الرئيسة. لذلك، سيكون نقص التغذية في هذه الحالة نتيجة لمرض السل وليس سببًا رئيسيًا له. وقد أظهرت الدراسات أن زيادة مؤشر كتلة الجسم (BMI) بمقدار 1 كجم / م 2، ساهمت في انخفاض حدوث السل بنسبة 13.8 %. وبالمثل، يزيد معدل الإصابة بمرض السل من 24.7 إلى 260.2 لكل 100000 شخص مع انخفاض مؤشر كتلة الجسم من الطبيعي إلى أقل من 18.5 كجم / م2. علاوة على ذلك، كشفت الدراسات عن وجود ارتباط قوي بين نقص فيتامين A و E و D وزيادة أكبر بمرتين إلى 10 مرات بنسبة الإصابة بالسل.

من ناحية أخرى، يحتل فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) المرتبة الثانية بعد السل كسبب رئيس للوفاة من عامل معدٍ واحد. علاوة على ذلك، فإن المرضى المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية أكثر عرضة للإصابة بالسل النشط بمقدار 30 مرة مقارنة بالمرضى السلبيين، إذا تُركوا دون علاج فإن معدل الوفيات لديهم يقترب من 100 %. من ناحية ثانية؛ الاعتماد على الأنسولين عامل خطر إضافيًا للإصابة بمرض السل بين مرضى السكري، حيث تزداد المخاطر بمقدار الضعف في الاعتماد المرتفع على الأنسولين. من اللافت للنظر أن للتدخين تأثيرًا رئيسًا فيما يتعلق بقضايا الصحة العامة مما يزيد من الإصابة بالمتفطرة السلية، حيث إن غالبية مستهلكي التبغ يعيشون في البلدان النامية في ظل ظروف غير صحية، وعندما يتعلق الأمر بالوفيات، فإن المعدل هو تسعة أضعاف بالنسبة للمدخنين مقارنة بغير المدخنين. لطالما عُرف الارتباط بين الكحول والسل، وقد أظهرت الدراسات أن تعاطي الكحول مسؤول عن حوالي 10 % من حالات السل في جميع أنحاء العالم.

بناءً على ما ناقشناه سابقًا حول الارتباط المعقد بين نقص التغذية والسل، فإن نقص التغذية هو أهم عامل خطر لمعرفة مكان وكيفية معالجته. لذلك، أعدّت منظمة الصحة العالمية وثيقة إرشادية حول نقص التغذية لدى مرضى السل؛ لإعطاء الأولوية للمناطق التي تحتاج إلى مراقبة دقيقة لنقص التغذية، حيث يتم التعامل مع تقليل مخاطر السل في المجتمع من خلال تحسين ظروفه الغذائية. لسوء الحظ، تجاهلت بعض البلدان التي تعاني من عبء كبير من مرض السل مراقبة نقص التغذية وعلاجه كمعيار لمكافحة السل، لذلك يجب إعطاء الأولوية لمعالجة نقص التغذية في هذه المناطق لتطوير وتنفيذ الإجراءات نحو القضاء على الفقر والجوع. 

(صورة 3) الدول التي تجاوزت فيها حالات السل 100.000 حالة خلال عام 2021

الإصابة بمرض السل والوفيات

في جميع أنحاء العالم، يُعتبر نقص التغذية سبب رئيس لنقص المناعة الثانوي، لذا قد يكون الشخص الذي يعاني من ضعف الجهاز المناعي أكثر عرضة للإصابة بالأمراض. أظهرت الدراسات أن نقص التغذية يزيد نسبة الإصابة بمرض السل ونسبة الوفيات بين البالغين وكذلك الأطفال . في الوقت الحاضر، من بين عوامل الخطر الرئيسة لمرض السل، يمثل نقص التغذية 15 % من الجزء المنسوب إلى إصابة الأشخاص، يليه فيروس نقص المناعة البشرية بنسبة 7.6 %، والسكري بنسبة3.1 %. وتجدر الإشارة إلى أن فقدان الوزن هو أحد أعراض السل الرئيسة. لذلك، سيكون نقص التغذية في هذه الحالة نتيجة لمرض السل وليس سببًا رئيسيًا له. وقد أظهرت الدراسات أن زيادة مؤشر كتلة الجسم (BMI) بمقدار 1 كجم / م 2، ساهمت في انخفاض حدوث السل بنسبة 13.8 %. وبالمثل، يزيد معدل الإصابة بمرض السل من 24.7 إلى 260.2 لكل 100000 شخص مع انخفاض مؤشر كتلة الجسم من الطبيعي إلى أقل من 18.5 كجم / م2. علاوة على ذلك، كشفت الدراسات عن وجود ارتباط قوي بين نقص فيتامين A و E و D وزيادة أكبر بمرتين إلى 10 مرات بنسبة الإصابة بالسل.

من الناحية الوبائية، فإن معدل الإصابة بمرض ما هو عدد الحالات الجديدة لهذا المرض في فترة زمنية معينة مقارنة بإجمالي السكان المعرضين للخطر خلال نفس الفترة الزمنية. لذلك فإن معدل الإصابة بأي مرضٍ يعكس مدى سرعة حدوثه بين السكان. فيما يتعلق بالسل، تم عكس الانخفاض البطيء في معدل حدوث السل العالمي بزيادة بين عامي 2020 و 2021. على المستوى الإقليمي، يختلف تأثير فايروس كورونا (COVID-19) من بلد إلى آخر، وبالتالي من أصل ستة أقاليم تابعة لمنظمة الصحة العالمية، أظهرت خمس بلدان زيادة في معدل الإصابة بالسل خلال الفترة 2020-2021. من بين جميع حالات الإصابة بالسل العالمية المقدرة، هناك حوالي 87ا% مشتركة بين 30 دولة ذات عبء مرتفع من السل، حيث تم تصنيف الهند وإندونيسيا والصين والفلبين وباكستان ونيجيريا وبنغلاديش وجمهورية الكونغو الديمقراطية على أنها البلدان الثمانية الأولى بعدد الإصابات (انظر الصورة 3). بناءً على ذلك، فإن السل أكثر شيوعًا في البلدان النامية؛ حيث يعيش الناس حالة فقر وفي أماكن مكتظة ويعملون في ظروف غير صحية على الإطلاق.

 علاوة على ذلك، من المرجح أن تنتشر العوامل المعدية للسل في المدن المتحضرة ذات المستوى العالي من تلوث المياه والتربة والهواء، وقد تم تحقيق هدف القضاء عليه تقريبًا في بعض أقاليم منظمة الصحة العالمية مثل أمريكا، والإقليم الأوروبي، وعدد قليل من البلدان في المنطقة الشرقية لمنظمة الصحة العالمية، وبعض مناطق البحر الأبيض المتوسط، وغرب المحيط الهادئ، حيث تم تسجيل أدنى معدل للإصابة بالسل. بالنسبة للبلدان ذات العبء المرتفع من السل، يرتفع معدل الإصابة بالمرض بشكل ملحوظ من 150 إلى 400 حالة لكل 100000 نسمة سنويًا. وبالمثل، انعكس اتجاه وفيات السل عام 2021 ليبلغ مستوى مماثل لعام 2017، حيث ارتفع عدد وفيات السل من 1.4 مليون في عام 2019 إلى 1.6 مليون حالة وفاة. على الصعيد العالمي، كما ذكرت منظمة الصحة العالمية، أن السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 25 – 54 والرجال على نحو أخص هم أكثر عرضة للإصابة بمرض السل (انظر الصورة 4)، حيث يمثل الرجال 56.5ا%، والنساء32.5ا%، والأطفال البالغين11ا% من الحالات. تعتبر العوامل غير الطبية أو عوامل نمط الحياة من بين عوامل الخطر التي تجعل الرجال أكثر عرضة للإصابة بمرض التدرن الرئوي من النساء.

(صورة 4) تقديرات لمجمل حالات السل في العالم لعام 2021م.

نهج مكافحة مرض السل

يجب على البلدان التي تعاني من عبء مرتفع من السل اتباع نهجٍ يهدف لتعاون جميع القطاعات لمكافحة المرض والوقاية منه، مع الحرص على تطوير المبادئ التوجيهية للوقاية من عدوى السل ومكافحتها وتحديثها من قبل المختصّين بالشؤون الصحية. وعلى الحكومات أن توفر خدمات رعاية صحية مركزية لمرضى السل. في بعض الأحيان من الممكن أن تكون المرافق والعيادات الصحية مصدر انتشار المرض بين السكان، وبالتالي فإن نهج النظام المقترح سيتناول البنية التحتية والموارد للإصرار على تنفيذ جميع تدابير الوقاية من السل على المستوى المجتمعي. من ناحية أخرى، تعتبر سلوكيات الأشخاص مشكلة كبيرة تجب معالجتها على المستوى الفردي، حيث يؤثر وعي السكان (الفحص، والالتزام بعلاج السل) والسلوك (النظافة الشخصية، وآداب السعال، والسكن الجيد) بشكل كبير على نمط انتشار المرض. لذلك، يجب إجراء الفحص الموجه للأفراد المعرضين لخطر الإصابة بعدوى السل، وزيادة الدعم المالي لضمان الوصول إلى العلاج والخدمات الصحية الجيدة، وزيادة الوعي بين السكان تجاه المرض. يجب إعطاء الأولوية لجميع هذه الإجراءات للتغلب على العوائق التي تحول دون مكافحة السل. 

يجب على البلدان التي تعاني من عبء مرتفع من السل اتباع نهجٍ يهدف لتعاون جميع القطاعات لمكافحة المرض والوقاية منه، مع الحرص على تطوير المبادئ التوجيهية للوقاية من عدوى السل ومكافحتها وتحديثها من قبل المختصّين بالشؤون الصحية. وعلى الحكومات أن توفر خدمات رعاية صحية مركزية لمرضى السل. في بعض الأحيان من الممكن أن تكون المرافق والعيادات الصحية مصدر انتشار المرض بين السكان، وبالتالي فإن نهج النظام المقترح سيتناول البنية التحتية والموارد للإصرار على تنفيذ جميع تدابير الوقاية من السل على المستوى المجتمعي. من ناحية أخرى، تعتبر سلوكيات الأشخاص مشكلة كبيرة تجب معالجتها على المستوى الفردي، حيث يؤثر وعي السكان (الفحص، والالتزام بعلاج السل) والسلوك (النظافة الشخصية، وآداب السعال، والسكن الجيد) بشكل كبير على نمط انتشار المرض. لذلك، يجب إجراء الفحص الموجه للأفراد المعرضين لخطر الإصابة بعدوى السل، وزيادة الدعم المالي لضمان الوصول إلى العلاج والخدمات الصحية الجيدة، وزيادة الوعي بين السكان تجاه المرض. يجب إعطاء الأولوية لجميع هذه الإجراءات للتغلب على العوائق التي تحول دون مكافحة السل. 

إن الحد من عبء السل على المستوى الإقليمي هو مهمة وطنية؛ لتحديد الأولويات ومعالجة العوامل التي تسهم نسبيًا في انتشار المرض. وبناءً على ذلك، ارتبط الانخفاض في عدد حالات السل والوفيات في بعض أجزاء العالم ارتباطًا وثيقًا بتحسين التغذية، والإسكان، وزيادة الدخل، وتطوير خدمات الرعاية الصحية، والتغطية الصحية، وتوافر الأدوية المضادة للسل، وكذلك التزام السكان بالأنظمة العلاجية. 

Share This