التقنية الحيوية
في تشخيص وعلاج أمراض الحساسية
أ.د. عبدالله العنقري طب أطفال – جامعة الملك سعود – السعودية
الحساسية هي تفاعل مناعي غير طبيعي لمواد موجودة في البيئة تسمى المحسسات. تشمل هذه المحسسات بروتينات تنتج من كائنات داخل المباني؛ مثل: عث الغبار والصراصير والقطط وبعض الفطريات، وكذلك من خارج المباني كحبوب اللقاح لنباتات مختلفة. تؤدي المحسسات إلى إثارة أعراض الحساسية؛ كحساسية الأنف والربو والإكزيما وحساسية الطعام والأدوية وغيرها، وتتراوح أعراضها ما بين الخفيفة إلى الشديدة جدًا التي قد تهدد حياة الإنسان.
خلال النصف الثاني من القرن العشرين زادت نسبة أمراض الحساسية في العالم أضعافًا لأسباب متعددة، بعضها معروف والآخر لا يزال مجهولًا، ولا يتسع المجال هنا للخوض فيها. تبلغ نسبة الإصابة بأحد أمراض الحساسية في المجتمعات المختلفة في المتوسط حواليا25ا% وتختلف من مجتمع لآخر. تلعب خلايا جهاز المناعة (ومنها كريات الدم البيضاء) الدور الأكبر في حدوث أعراض المناعة، حيث تقوم خلايا متخصصة منها تسمى الخلايا اللمفاوية البائية (B- Lymphocytes) بإنتاج نوع خاص من الأجسام المضادة يسمى ( IgE )، فيؤدي هذا النوع من الأجسام المضادة دورًا مهمًا في تنشيط خلايا الماست ( Mast Cells )، التي بدورها تنتج مادة الهيستامين ومواد أخرى تُهيج أعراض الحساسية .
• الطرق التلقيدية في علاج وتشخيص أمراض الحساسية :
بعد أخذ التاريخ المرضي وإجراء الفحص الطبي وهما الركيزة الأساسية في تشخيص جميع الأمراض، يمكن إجراء اختبارات لمريض الحساسية للتأكد من مسببات الحساسية لديه، وأهم هذه الاختبارات:
- اختبار وخزات الجلد: يتم وخز سطح الجلد في نقاط متعددة بعد وضع قطرات من المواد المحسسة عليها، وتُنتظر النتيجة في حدود 15-20 دقيقة.
- تحليل الدم: للكشف عن وجود جزيئات (IgE) الخاصة بعدة محسسات، ومعرفة تركيزها في الدم، حيث إن هذه الأجسام المضادة كغيرها تستطيع التمييز بين جزيئات بروتينية مختلفة.
- تحليل دم يعتمد على إثارة خلايا منتجة للهيستامين: يتم باستخدام محسسات مختلفة، ومن ثم مراقبة مؤشرات إثارة هذه الخلايا في حالة وجود حساسية عند المريض من المحسس. تسمى هذه الخلايا بخلايا البازوفيل.
وهذه التحاليل هي المعتمد عليها غالبًا حتى الآن في الكشف عن المواد التي يتحسس منها المريض، ولكن يشوب هذه الاختبارات عدة عيوب، وهي:
- تعتمد في عملها أو إنتاجها على مستخلص غير نقي من مصدر التحسس (كعث الغبار، أو إفرازات القطط، أو حبوب لقاح معينة، أو طعام معين)، وهذا قد يؤدي إلى احتوائها على شوائب من مواد أخرى قد تعطي نتائج مغلوطة.
- عدم استقرار المستخلص كيميائيًا لاحتوائه على إنزيمات تُكسّر المادة المحسسة المراد اختبارها.
- تعذر معرفة البروتين المحدد الذي يتحسس منه المريض لوجود عدة بروتينات من مصدر المادة المسببة للحساسية.
أما فيما يتعلق بالعلاج فإن من أوائل الطرق لعلاج أمراض الحساسية التي تستخدم حتى الآن العلاج المناعي، حيث يتم إعطاء المريض جرعات متزايدة من المادة المحسسة له التي لها علاقة بالأعراض التي يعاني منها حتى الوصول للجرعة النهائية، يستمر العلاج لمدة 3-5 سنوات. يهدف هذا النوع من العلاج لإحداث حالة من التبلد للجهاز المناعي للمريض تجاه المادة المحسسة، وبالتالي تحسن في الأعراض. قد يعطى العلاج باستخدام حقن تحت الجلد أو نقط تحت اللسان ولكل نوع مميزاته وعيوبه، ولكن لأن هذا العلاج يعتمد أيضًا على مستخلص غير نقي فإن هناك عدم دقة في معرفة تركيز المادة الفعالة، وكذلك تستخدم وحدات مختلفة لهذا العلاج من قبل مصنعين مختلفين لعدم الاتفاق على طريقة موحدة لقياس المادة الفعالة، مما أدى إلى صعوبة إجراء دراسات سريرية دقيقة للتأكد من فعالية هذا النوع من العلاج.

• دور التقنية الحيوية الحديثة في تطوير طرق تشخيص وعلاج الحساسية:
- إنتاج البروتينات المؤتلفة للمحسسات (Recombinant allergens):
حيث يتم تصنيع الحمض النووي المكمل (cDNA) من كل من الأحماض النووية المراسلة (mRNA) المستخلصة من المصدر المحسس (حبوب لقاح أو طعام معين مثلا)، ثم يتم إنتاج البروتينات المحسسة كل على حدة عن طريق إدخال (cDNA) في بكتيريا معينة تقوم بإنتاج البروتين عند تكاثرها، ومن ثم يتم التعرف على ماهية البروتين أو مجموعة البروتينات التي لدى المريض حساسية منها عن طريق مزجها بدم المريض بطريقة معينة في المختبر، حيث تقوم جزيئات (IgE) من المريض بالتعرف على البروتينات المحسسة.
- شرائح مايكروآرّي (Microarray Chips):
يمكن استخدام البروتينات المؤتلفة في شرائح زجاجية خاصة تحتوي على مئات من البروتينات، وبعد إضافة عينة بسيطة من دم المريض للشريحة يتم الكشف عن المواد التي يمكن أن يتحسس منها المريض والتي ترتبط بها جزيئات (IgE) الموجودة في عينة الدم. وتتميز هذه الطريقة بأنه يتم من خلالها الكشف عن العديد من المحسسات المحتملة، بالإضافة إلى أنها لا تستخدم إلا كمية قليلة من الدم، وكذلك فإن دقتها مقاربة للطرق التقليدية، وتكلفتها بالنسبة لما تحويه من مواد يتم الكشف عنها ليست بالكبيرة. وباستخدام هذه الطريقة فإنه بدلا من أن يتم التعرف على الفول السوداني كمادة محسسة بشكل عام مثلا، يتم التعرف على أي من البروتينات التي يحتويها الفول السوداني هي سبب التحسس. ويفيد هذا الأمر في التنبؤ بالمواد الأخرى المشتركة التي يمكن أن يتحسس منها المريض، وكذلك التنبؤ باحتمالية الإصابة بالحساسية المفرطة من الفول السوداني على سبيل المثال.

• التقنية الحيوية في علاج الحساسية من محسسات معينة:
أسهمت التقنية الحيوية الحديثة في إنتاج لقاحات للمواد المحسسة تستخدم بنفس طريقة العلاج المناعي السابق ذكرها لإيقاف أو إضعاف تفاعل الجهاز المناعي ضد المادة المحسسة، وأهم هذه الطرق ما يلي:
1- إنتاج بروتينات قصيرة ونقية جدًا من الجزء المحسس في البروتين باستخدام تقنية الحمض النووي المؤتلف (Recombinant DNA Technology)، ولاحتمال حدوث تفاعل مناعي شديد (حساسية مفرطة) لهذا المنتج بسبب نقاوته، فإنه يعمد إلى إحداث طفرات جينية فيه لتقليل درجة تفاعل الجهاز المناعي التحسسي مع الحفاظ على فعالية اللقاح العلاجي.
2- إنتاج سلاسل أحماض أمينية تحوي نسخ متكررة من الجزء المسبب للحساسية في البروتين، أو نسخ من أجزاء من محسسات مختلفة. ويهدف هذا إلى تقليل احتمال تفاعل الجهاز المناعي مع اللقاح، حيث ثبت بالدراسات فعالية هذه الطريقة، وأنها آمنة بشكل عام.
3- ربط البروتين المحسس بسلسلة نيوكليوتيدات تتكون من سلسلة متعددة من القواعد النيتروجينية CG وتسمى (CpG motifs)، وتسبب هذه الطريقة تغيرًا في أسلوب تفاعل الجهاز المناعي مع المحسس المسبب لالتهاب الحساسية، ومن إنتاج (IgE) إلى إنتاج (IgG)، وبهذا يتم إيقاف التفاعل التحسسي للمادة المسؤولة. وقد أجريت عدة دراسات على هذه الطريقة أوضحت أن لها فعالية جيدة.
4)إنتاج لقاحات تعتمد على الحمض النووي (DNA) حيث يقوم اللقاح بالولوج في الخلايا، ومن ثم تقوم الخلايا باستخدام سلسلة (DNA) من اللقاح في إنتاج البروتين المحسس بما فيه من تغيرات محدثة، ويقوم بنفس عمل البروتينات القصيرة النقية المشار إليها سلفًا إلا أنه يعطي كجرعات محددة قليلة، ويستمر تأثيرها لفترة طويلة نظرًا لقيام خلايا المريض بتصنيع اللقاح من الداخل.
ويجدر التنبيه إلى أن الطرق الحديثة المشار إليها سلفًا ما زالت تحت التجربة والدراسات السريرية للتأكد من سلامتها، وقد نرى بعضها يستخدم قريبًا. والمستقبل مليء بإذن الله بتقنيات وطرق جديدة تتيح للمريض الاستفادة من علاجات فعّالة وآمنة لعلاج أمراض الحساسية المختلفة.