التوطين المستدام

لصناعة‭ ‬الإلكترونيات‭ ‬الدقيقة

د. عبد الإله مايت الهندسة الكهربائية – جامعة الملك خالد – السعودية 

تاريخ صناعة الإلكترونيات

يعيش العالم منذ ما يزيد على سبعة عقود في تطور تقني مطرد، يعتمد كليًا على صناعة أشباه الموصلات الذي يعتبر العمود الفقري والأساسي للحضارة الحديثة، والذي يشمل التحول الرقمي من خلال استخدام رقائق السيليكون في كل شيء تقريبًا، ابتداءً من الذكاء الاصطناعي، شبكات الاتصالات، الطيران، الفضاء، الأسلحة الحديثة، المنتجات الاستهلاكية، الصناعة، التجارة وكل مقومات الحياة. هذا التطور ابتدأ منذ أواخر القرن التاسع عشر، عندما اخترع هيرمان هوليريث أول آلة للعد الكهروميكانيكي تُسمى “آلة الجدولة.” وفي أوائل القرن العشرين صنعت شركة IBM Inc آلات مختلفة انتهت بصناعة الدوائر المتكاملة من قبل المخترع الأمريكي المهندس الكهربائي جاك كيلبي، مرورًا بالمفاتيح الكهروميكانيكية والأنابيب المفرغة، ومن بعدها الترانزستور (الذي اخترعته مجموعة وليام شوكلي ونالت عليها جائزة نوبل عام1956م). 

هذا الابتكار لصناعة الدوائر المتكاملة كان في نهاية خمسينيات القرن الماضي، وهو الذي فتح الآفاق الواسعة لتصغير حجم الترانزستورات وصناعة الدوائر المتكاملة، حتى وصلت الآن إلى عدة نانومترات والتي بدورها أضحت حجر الزاوية للصناعات والابتكارات الحديثة، بل والنهضة الحضارية برمتها التي نعيشها في هذا العصر (عصر السليكون)، ولأن هذا الابتكار ليس في مجال العلوم، بل في مجال الهندسة لم ينل وقتها المهندس جاك كيلبي جائزة نوبل. ولكن حين أدرك ذلك القائمون على الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم عام 2000م، قرروا إعطاء نصف جائزة عام 2000م في الفيزياء لمخترع الدوائر المتكاملة بعد مضي أكثر من 40 عامًا على اختراعه. هذه المقدمة التي أوردناها تدل على أهمية هذه الصناعة صناعة أشباه الموصلات، التي تجاوزت قياس المايكرون إلى النانو وما دونها، منتهزين هذه الفرصة لتوضيح أن النانو هو مجرد وحدة قياس متناهية الصغر تصل إلى عشرة قوى سالب تسعة (10i-9)؛ ولتقريبها للأذهان يمكن أن نتخيل أن واحد نانو بالنسبة لواحد مليمتر هو نفسه نسبة واحد مليمتر إلى واحد كيلو متر. وبعد بيان معنى النانو أنه مجرد وحدة قياس لا أكثر. في هذا المقال نرغب الحديث عن توطين صناعة الإلكترونيات الدقيقة بقياس النانو؛ لأنها صناعة استراتيجية وتهيئة بيئة متكاملة لها لتكون صناعة مستدامة، لما لها من دخل تجاري عالٍ جدًا يؤثر على الدخل القومي، ولعدم التشعب لكل ما يتعلق بالنانو من مواد ومركبات كيميائية مختلفة، حيث إن الجامعات المختلفة لديها معاهد أبحاث في مجالات النانو المختلفة، ولكن هذه البحوث ليست هي المقصودة في هذه الصناعة الاستراتيجية. 

\

شكل رقم (1) قطاعات صناعة أشباه الموصلات

حجم صناعة الإلكترونيات

لقد وفر نمو الإنترنت عالميا، والحلول القائمة على الحوسبة السحابية، للمستخدمين طرقا جديدة لإنشاء وتخزين وتبادل المعلومات. وبالتوازي مع ذلك، فإن الاستخدام المتزايد للإلكترونيات والسيارات والمباني والأجهزة المنزلية وغيرها من المنتجات الاستهلاكية يطالب بمشهد متنام من الأجهزة الذكية. هذا الطلب على الأجهزة الذكية يعتمد إلى حد كبير على شرائح السيليكون المتقدمة، التي تنتجها إنتل وغيرها من المعامل المتقدمة. في التكنولوجيا الحالية يمكن لشريحة واحدة بمساحة مليمتر مربع الجمع بين العديد من المكونات، مثل: المعالج والمضخمات التشغيلية ومشغلات موجات الراديو والذاكرة والمنطق المخصص، في نظام واحد على رقاقة تُسمى نظامًا على شريحة (System on Chip (SoC)i)، التي تتطلب تصاميم معقدة للغاية.

وللاستفادة من عوائد هذه الصناعة فيجب أولًا فهمها فهمًا عميقًا، وعلى الرغم من نشر مقالات عديدة عن هذه الصناعة وأهميتها وتأثرها العميق من تبعات الجائحة الماضية (كوفيد – 19)، فإن القليل جدًا يفهم كيف تعمل هذه المنظومة المتكاملة بشكل مستدام ودقيق في بيئة متكاملة، لتعطي هذا الزخم التقني الهائل والمردود المالي العالي، الذي تجاوز 600 بليون دولار خلال عام 2022م مع مقدار توسع نمو سنوي مركب (CAGR) يزيد على 2.21%ليصل عام 2029 أكثر من 1.3 تريليون دولار حسب دراسة Fortune business inside. وأفضل طريقة لتوضيحها هي تبسيطها من خلال شكل يبين أهم عناصرها في الشكل الهرمي (شكل رقم 1). من هذا الشكل الهرمي يتبين لنا أن قاعدة هذه الصناعة هي الحاجة الماسة للدوائر الإلكترونية المتكاملة( VLSI )من قبل الشركات التقنية الكبرى لتطوير المنتجات، ووجود مراكز تصميم متقدمة لهذه الدوائر المتكاملة. 

قطاعات صناعة أشباه الموصلات

هناك عشرة أنواع مختلفة من شركات صناعة أشباه الموصلات. كل واحدة من هذه الشركات الصناعية المميزة تغذي مواردها من سلسلة القيمة إلى المرحلة التالية، حتى يتوفر لمصنع الرقائق (فاب Fab) في النهاية جميع التصاميم والمعدات والمواد اللازمة لتصنيع الرقاقة الإلكترونية، التي تحتوي على الدوائر المتكاملة لأداء وظيفة معينة. إن قطاعات صناعة أشباه الموصلات هذه مأخوذة من الأسفل إلى الأعلى في الشكل الهرمي(شكل رقم 1):

  1. الوظيفة المراد تنفيذها في الرقاقة الإلكترونية وملكيتها الفكرية (IP)
  2. مراكز التصميم والتطبيقات المستخدمة لتنفيذ هذه الوظيفة (EDA)
  3. المواد الاستهلاكية المطلوبة في الإنتاج (Consumables)
  4. شرائح السيليكون المطلوبة للإنتاج (Si Wafers)
  5. آلات الطباعة المتقدمة على شرائح السيليكون (Lithography Tools)
  6. آلات الإنتاج المختلفة (Wafer Fab Tools)
  7. الشركات المصممة وغير المنتجة للرقائق (Fabless Chip Companies)
  8. الشركات المصنعة للرقائق والأجهزة المتكاملة (IDM)
  9. الشركات مصنعة الرقائق للغير (Chip Foundries)
  10. الشركات المصممة والمصنعة للرقائق غير القياسية (Non-CMOS Foundries)

سنتحدث في الأقسام التالية بشكل مفصل عن هذه القطاعات، ومدى أهميتها لسلسة القيمة، والمردود المادي من كل قطاع، وأهمية توطينه لبناء منظومة بيئية متكاملة لهذه الصناعة الاستراتيجية:

1)الوظائف والأهداف المطلوب تنفيذها (Intellectual property “IP” i )

الوظيفة المطلوب أداؤها والعمليات الحسابية المستهدفة هي المحرك الأساس لهذه الصناعة، والرغبة الدائمة في تسريع أداء المهمة والتوفير في الطاقة اللازمة للتشغيل وتصغير حجم الرقاقة هي الشغل الشاغل لعمليات التطوير المستمرة. هذه الطلبات تأتي دومًا من العملاء الكبار، مثل: شركات الاتصالات، والدفاع، والتطوير العسكري، والطيران، وتشفير الاتصالات، ومصانع المعدات المختلفة. هذه التصاميم تكون كالتالي:

  • قد يكون تصميم الشريحة مملوكًا لشركة واحدة أو عدة شركات أو لمكتب التصميم
  • تقوم بعض الشركات بترخيص تصميمات الرقائق الخاصة بها (مثل اللبنات الأساسية للبرامج)، وذلك للاستخدام على نطاق واسع، وتسمى شريحة IP-Core
  • هناك اكثر من 200 شركة تبيع شرائح IP-Core
  • تقوم شركة أبل بترخيص IP-Cores من شركة ARM، لتستخدمها كلبنات بناء لمعالجتها في الآيفون وكمبيوتراتها M1.

مصدر هذه الوظائف والمهام تكون محلية أو إقليمية أو عالمية حسب الرغبة، وهي دائمًا موجودة والطلب عليها في ازدياد عالمي.

2)مراكز التصميم وتطبيقاتها (Design Houses and Electronic Design Automation” EDA”)

هذه المراكز المتخصصة تقوم بتحويل الوظائف والمهام المطلوبة إلى رقائق إلكترونية قابلة للتصنيع بتقنية تصنيع معينة. وتمر بعدة مراحل كالتالي: على مدى العقدين الماضيين كان هناك تقدم ملحوظ في تصميم الدوائر المتكاملة والأنظمة الإلكترونية. ويرجع ذلك إلى انتشار واضح من المستهلكين والمنتجات الإلكترونية اللاسلكية التي دخلت السوق، وتستمر في التقدم في تطوير المنتجات، حيث بلغت قيمة السوق العالمية لتصميم الدوائر المتكاملة الخاصة بالتطبيقات المتخصصة 265.2 بليون دولار أمريكي في عام 2021م ، مع مقدار توسع نمو سنوي مركب (CAGR) 2.4%و يُتوقع أن يصل عام 2030م إلى 403.86 بليون دولار أمريكي، لتغطي حاجة القطاع الصناعي والمواصلات والاتصالات والإلكترونيات الاستهلاكية وغيرها (مرتبة تصاعدًيا حسب حجم السوق).

وتقع هذه الجزئية في قاعدة الشكل الهرمي لبيئة تصنيع الإلكترونيات وذلك لأهميتها القصوى في هذه المنظومة المتكاملة من ناحية، ومن الناحية الأخرى أهمية وجود عدد كبير من مراكز التصميم المتفوقة؛ لتغطية خطوط الإنتاج لمصانع الإلكترونيات الدقيقة. وهذه الجزئية من الصناعة لا تحتاج استثمارات ضخمة لتأسيس بنية تحتية، بل تحتاج استثمارات في تأهيل وتدريب الكوادر المطلوبة، وهذا ما بدأت به دول العالم الثالث مثل الهند ومصر. تتلخص آلية العمل في هذا القطاع المهم والحيوي كالتالي:

  • يقوم مصمم الدائرة الإلكترونية بإضافة تصميمه على أحد اللبنات الأساسية المشتراه من خلال أحد البرامج المعتمدة.
  • يهيمن على قطاع تصميم الإلكترونيات ثلاثة برامج أمريكية كبرى وهي Cadence و Synopsys و Mentor التي أصبحت الآن جزءًا من Siemens
  • . يستغرق فريقٌ هندسي كبير من سنتين إلى ثلاث سنوات لتصميم شريحة منطقية معقدة، مثل المعالج الدقيق المستخدم داخل الهاتف أو الكمبيوتر، أو الخادم باستعمال أدوات EDA (انظر الشكل الخاص بعملية التصميم شكل رقم 2).
  • مع استمرار تعقيد الرقائق المنطقية، بدأت جميع شركات أتمتة التصميم الإلكتروني في إدخال مساعدات الذكاء الاصطناعي لأتمتة العملية وتسريعها 
\

شكل رقم (2) خطوات عملية التصميم

3)المواد الاستهلاكية المستخدمة في إنتاج أشباه الموصلات (Consumables)

تحدثنا إلى الآن عن الملكية الفكرية وتصميم الدائرة الإلكترونية، ولم نتطرق لإنتاج سلعة ملموسة. ولإنتاج هذه السلعة نحتاج لخطوط إنتاج، ومواد خام، ومواد استهلاكية متعددة. في هذا الجزء سوف نسلط الضوء على المواد الاستهلاكية المطلوبة للوصول بالمنتج إلى الأسواق من خلال تصنيعها في مصانع الرقائق الإلكترونية، التي يطلق عليها اسم ”فاب” ”Fab“. هذه المصانع تحتاج إلى شراء مواد وكيماويات متخصصة لتصنيع رقائق السيليكون، سنتطرق لاحقًا لهذه المصانع ومعداتها في البنود رقم 5 و6 و8. تحتاج هذه المصانع لمواد وكيماويات متخصصة كثيرة مثل:

  • أكثر من 100 نوع مختلف من الغازات منها الأساسية، مثل: الأكسجين، والنيتروجين، وثاني أكسيد الكربون، والهيدروجين، والأرجون، والهيليوم.
  • الغازات الغريبة والسامة، مثل: الفلور، وثلاثي فلورید والنیتروجین، والزرنیخ، والفوسفين، والبورون ثلاثي فلورید، وثنائي بوران، وسیلان، والقائمة تتزايد.
  • سوائل وموائع مثل حساسات الضوء للطباعة وسائل الصقل الخاص CMP وغيرها.
  • معدات خاصة لتقطيع شرائح السيليكون لإنتاج الرقائق ومولدات الموجات الدقيقة.
  • شرائح معدنية لترسيب المعادن المختلفة على شرائح السيليكون، مثل: التنجستين، والألومنيوم، والنحاس، والتيتانيوم، وغيرها.
  • أسلاك رقيقة من الذهب لتوصيل الشرائح بنقاط التوصيل.

هذه المواد الاستهلاكية حساسة جدًا لهذه الصناعة، ويجب أن تُشحن وتصل إلى المصانع بشكل نقي ومعزولة عن الهواء الخارجي، ومصانة داخل علب وحاويات خاصة، ولا تتعرض للحرارة والرطوبة العالية.

4)شرائح السيليكون المطلوبة للإنتاج (Si Wafers)

شرائح السيليكون هي أهم وأغلى المواد الخام المستخدمة لإنتاج الرقائق الإلكترونية، ولا يمكن إنتاجها بدون هذه المادة الأساسية، لذلك يُعد تصنيع شرائح السيليكون الأساس لصناعة الإلكترونيات الدقيقة لجميع المجالات المختلفة المذكورة آنفًا، حيث يتم تحويل الرمل إلى شريحة سيليكون متعدد المقاسات بطول قطر يتراوح من 100 مم إلى 450 مم (الشكل رقم 3) حسب الصناعة المستهدفة. وتحتاج هذه الصناعة إلى مصدر رمال عالي الجودة تُسمى برمال السيليكا Silica Sand، حيث تكون نسبة ثاني أكسيد السيليكون أكثر من 59%. وهذه الرمال موجودة في بلادنا بمواصفات أعلى تزيد عن 89%، وهي متوفرة بكميات هائلة وتجارية.

\

شكل رقم( 3 ) تظهر الأحجام المختلفة لشرائح السليكون والأسطوانة الخام قبل تقطيعها (المصدر MMTC )

هذه الصناعة دقيقة جدًا لاستهداف تصنيع الشرائح بكريستالة واحدة فقط، للوصول للأداء المنشود للرقائق الإلكترونية، ولذلك تُعد من الصناعات ذات الاقتصاد المعرفي والمردود العالي. بلغت قيمة سوق شرائح السيليكون العالمية أكثر من 5.4 بليون دولار عام 2021م مع مقدار توسع نمو سنوي مركب مقداره 3.9%، ليصل عام 2031م أعلى من 13.2 بليون دولار حسب دراسة Transparency Market Research في 15 مايو 2022م. وهذا يدل على ربحية هذه الصناعة وجدواها. هذه الصناعة تتطلب رأس مال عالٍ لإنشاء المصانع المتخصصة لإنتاج هذه الشرائح، وعليها طلب عالمي ووقت انتظار للتسليم.

5)آلات الطباعة المتقدمة على شرائح السيليكون (Lithography Tools)

في هذه الجزئية نكون وصلنا إلى منتصف الهرم من ناحية الأهمية والانتشار. آلات الطباعة على شرائح السيليكون هي حجر الزاوية لهذه الصناعة الاستراتيجية برمتها، حيث إنها المقصودة عند الحديث عن مدى التقنية المستهدفة عندما نقول ترانزستور بحجم 2 نانومتر أو أكبر. ولأن الأجهزة المطلوبة للوصول لأحدث وأصغر المقاسات هي أجهزة متقدمة جدًا، بل تُعد من أعقد وأغلى الأجهزة الموجودة في العالم فلذلك تكلفتها عالية جدًا حيث إن قيمتها تصل إلى 04% من قيمة جميع الأجهزة المطلوبة للإنتاج، وتتطلب مهارات تشغيلية عالية جدًا. وأهم شركة تنتج هذه الأجهزة هي شركة ASML و Canon و Nikon. وهناك بعض الشركات الصغيرة والتقنيات الأخرى المستخدمة. 

تشتري كبرى شركات إنتاج الرقائق مثل: intel و TSMC و Samsung وغيرها أحدث ما تنتجه شركة ASML من أجهزة الطباعة، كي تكون دائمًا في مقدمة السباق المحموم لإنتاج أصغر مقاسات الترانزستورات التي وصلت إلى 2 نانومتر (ملاحظة: المقاسات دون 10 نانومتر هي مقاسات ليست حقيقية). والجدير بالذكر أن إنتاج هذا المقاس المتناهي في الصغر بل جميع المقاسات ما دون 100 نانومتر يحتاج إلى كفاءات عالية جدًا لإنتاجها، وتستثمر هذه الشركات مبالغ كبيرة لتدريب هذه الكفاءات لإنتاج وتطوير الإنتاج بتطبيق نظرية جوردن مور، التي تنص على أن عدد الترانزستورات تتضاعف في مساحة معينة كل سنتين. وهذا التطور في إنتاج وتصغير مقاس بوابة الترانزستور Gate وهي المسافة بين المستقبل Drain والباعث Emitter. وهذا التصغير يتبع منهج علمي تضعه الأكاديميات المتخصصة والشركات الكبرى في اجتماعهم كل سنتين في المؤتمر الدولي ITRS (International Technology Roadmap for Semiconductors) إلى عام 2015م، حيث يتم وضع خارطة الطريق لتصغير حجم الترانزستور، والأبحاث المستهدفة، ومواصفات الآلات المستخدمة، وعمل شركات الإنتاج للوصول للأهداف المرصودة. وبعد عام 2017م تم تعديل اسم المؤتمر إلى i(International iRoadmap for Devices and Systems “IRDS”).ii وسوف نتطرق بشكل أوسع لتطوير هذه التقنية في البند رقم 8 و9. 

6)آلات الإنتاج المختلفة (Wafer Fab Tools)

في هذه الجزئية نكون وصلنا إلى منتصف الهرم من ناحية الأهمية والانتشار. آلات الطباعة على شرائح السيليكون هي حجر الزاوية لهذه الصناعة الاستراتيجية برمتها، حيث إنها المقصودة عند الحديث عن مدى التقنية المستهدفة عندما نقول ترانزستور بحجم 2 نانومتر أو أكبر. ولأن الأجهزة المطلوبة للوصول لأحدث وأصغر المقاسات هي أجهزة متقدمة جدًا، بل تُعد من أعقد وأغلى الأجهزة الموجودة في العالم فلذلك تكلفتها عالية جدًا حيث إن قيمتها تصل إلى 04% من قيمة جميع الأجهزة المطلوبة للإنتاج، وتتطلب مهارات تشغيلية عالية جدًا. وأهم شركة تنتج هذه الأجهزة هي شركة ASML و Canon و Nikon. وهناك بعض الشركات الصغيرة والتقنيات الأخرى المستخدمة. 

باقي أجهزة الإنتاج هي التي تقوم فعليًا بتصنيع الرقائق الإلكترونية حسب المواصفات المطلوبة بعد طباعة الأشكال المطلوبة بالأجهزة المذكورة آنفًا. تهيمن بعض الشركات الكبرى على إنتاج الآلات المطلوبة لهذه الصناعة، وهيTokyo Electron و LAM و KLA. هذه الأجهزة لا تقل أهمية وتعقيدًا عن أجهزة الطابعة، وتحتاج خبرات عالية لتشغيلها وإنتاج الرقائق المطلوبة. لذلك تعتبر هذه الصناعة من الصناعات الاستراتيجية التي تتطلب مهارات عالية ومصاريف باهظة. وفي المقابل تحقق مردودًا عاليًا جدًا، ودخلًا قوميًا يكاد يضاهي دخل البترول. آلات الإنتاج تنقسم إلى قسمين رئيسين وهما : 

A.الخط الأمامي Front End:

حيث يحتاج الإنتاج إلى بيئة نظيفة وعالية التحكم في الحرارة والرطوبة وغيرها من الشوائب. 

B.الخط الخلفي Back End:

حيث لا تحتاج الشروط المحكمة المطلوبة في الخط الأمامي، إذ تكون انتهت من تشكيل وتصنيع الترانزستورات على شريحة السيليكون، وتباشر توصيلها في الخطوط المعدنية وغيرها من المكونات. تدريب الكوادر عالية التأهيل بشكل مستمر يعتبر من أساسيات استدامة هذه الصناعة الاستراتيجية. 

7)الشركات المصممة وغير المنتجة للرقائق (Fabless Chip Companies)

في هذه الجزئية والتي تليها نكون وصلنا إلى الربع الأعلى للهرم، حيث يقل الانتشار ويزيد العلم والمعرفة. هذه الشركات تشمل الشركات العملاقة التي تقوم بتصميم منتجاتها المطلوبة داخل الشركة أو خارجها، وتصنعها في المصانع العالمية لتوفير تكلفة إنشاء مصانع الفاب ومراكز التصميم لو تم التصميم خارج الشركة. من هذه الشركات الكبرى شركة أبل Apple، وarm ، وQualcomm، و nvidia ، وغيرها كما هو ظاهر في الجزء العلوي من الهرم (شكل رقم 1). ويمكن تلخيص نظام الشركات التي لا تمتلك المصانع الخاص بها كالتالي:

  • بعض شركات الأنظمة مثل: Facebook ، و Amazon، وNvidia ، وQualcomm ، و Apple كانت في السابق تشتري الرقاقات الإلكترونية الجاهزة من الشركات الأخرى مثل: intel ، و AMD وغيرهما. ولكن الآن أصبحت تصمم رقائقها الخاصة وتصنعها لدى مصانع متخصصة للتصنيع للغير مثل TSMC و global foundries و غيرهما.
  • تقوم هذه الشركات بتصميماتها الخاصة معتمدة على IP-Cores الجاهز، وإضافة تصميماتها الخاصة عليها، ومن ثم إرسالها إلى المصانع لتصنيعها.
  • بعض هذه الشركات تستخدم منتجات مخصصة لها مثل: Apple وGoogle، و Amazon
  • البعض الآخر يبيعها في السوق للشركات الأخرى مثل: AMD، و Nvidia، وQualcomm، و Broadcom .
  • هذه الشركات لا تمتلك مصانع أو أجهزة الإنتاج أو المواد الاستهلاكية.
  • هي فقط تستخدم ملكيتها الفكرية وبرامج التصميم الإلكتروني لتصميم رقاقاتها الخاصة.

8)الشركات المصنعة للرقائق والأجهزة المتكاملة (IDM)

هذه الشركات تصمم وتصنع الرقائق الخاصة بها للبيع مباشرة في الأسواق، أو لإنتاج أجهزة متكاملة مثل: intel، وMicron ، وسامسونج وغيرهم. هذه الشركات تطور الملكية الفكرية لها IP-Cores، وتبني عليها كل الوظائف التي تريدها. وهذه الجزئية تختلف عن التي قبلها، أن الشركات تنتج رقائقها في معاملها الخاصة ولا تعتمد على المصانع الأخرى. آلية عمل هذا الجزء كالتالي:

  • تقوم الشركات بتصميم وتصنيع الدوائر المتكاملة بشكل كامل على الرقائق الإلكترونية وبيعها في الأسواق.
  • لا تقوم هذه المصانع بتصنيع الرقائق للشركات الأخرى.
  • هناك ثلاث فئات للرقائق الإلكترونية والشركات المصنعة لها: i. الذاكرة وتصنعها Micron و Hynix SK وغيرها ii. المنطق وتصنعها intel و AMD وغيرها. iii. التناظرية والمتصلة وتصنعها TI وغيرها.
  • تمتلك هذ الشركات مصانع خاصة بها وتستخدم أيضًا غيرها.
  • تمتلك هذه الشركات تصميماتها الخاصة لـ IP-Cores مع تصميماتها الخاصة.
  • تشتري آلات الإنتاج والمواد الاستهلاكية والخام للإنتاج المباشر.
  • تبلغ متوسط تكلفة تسجيل شريحة جديدة رائدة قياس 3 نانومتر حوالي 500 مليون دولار.

هذه الشركات هي التي تقود هذه التقنية عالميًا وتطورها عامًا بعد عام مع الشركات المصنعة للغير، مثل (TSMC)، وكما أشرنا سابقًا في البند رقم 5، تضع خطط تطوير صناعة الرقاقات، بدأت من قانون مور مرورًا بــ NTRS و ITRS إلى IRDS. حيث تتميز صناعة أشباه الموصلات بخاصية فريدة تميزها عن جميع الصناعات الأخرى التي بدأت بخارطة طريق. في معظم الحالات لا تبدأ خارطة طريق الصناعة إلا عندما تتطلب تلك الصناعة مراجعة ثورية رئيسة تنحرف عن الطريقة التي عملت بها هذه الصناعة لعقود. لكن في صناعة الرقائق رسم غوردون مور (مؤسس شركة إنتل) في عام 1965م خريطة لمستقبل صناعة أشباه الموصلات قبل وجود مثل هذه الصناعة i(Electronics, Volume 38, Number 8, April 19, 1965) ، فنمت صناعة أشباه الموصلات وتنوعت في العقود اللاحقة، ولم يقرر مجتمع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة توضيح تفاصيل هذه الصناعة إلا في عام1991م ؛ حيث تمت صياغة وثيقة من 200 صفحة تفصل جميع جوانبها. في غضون ذلك، توسع مجتمع أشباه الموصلات ليشمل مناطق أخرى، وبالتالي أصبح من الواضح أنه يجب اتباع نهج أوسع على مستوى العالم لرسم خرائط الطرق. تتم صياغة (ITRS)سنويا من قبل فريق من خبراء صناعة أشباه الموصلات من أوروبا واليابان وكوريا وتايوان والولايات المتحدة بين عامي 1998م و2015م. كان الغرض الأساسي منه هو أن يكون بمثابة المرجع الرئيس في المستقبل للباحثين الجامعيين والاتحادات والصناعة، لتحفيز الابتكار في مختلف مجالات التكنولوجيا، وتشمل:

  • تكامل عمليات الإنتاج والأجهزة والتصاميم.
  • برامج التشغيل للأنظمة وتصميمها.
  • تكامل المصانع.
  • الأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة MEMS.
  • الأجهزة البحثية الناشئة.
  • المواد البحثية الناشئة.
  • وصلات IC.

9)الشركات مصنعة الرقائق للغير (Chip Foundries)

هذه الشركات تقوم بتصنيع الرقاقات الإلكترونية للشركات الأخرى المذكورة في البند رقم 7 وغيرها، وعلى رأسها شركة TSMC التايوانية الشهيرة. هذه الشركات تتقاسم مع الشركات المذكورة في البند السابق في تطوير تقنية تصنيع أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية، وتتلخص طبيعة عملها كالتالي:

  • هذه الشركات تقوم بصنع الرقائق الإلكترونية للغير.
  • هذه الشركات تمتلك مصانعها وآلاتها وموادها الاستهلاكية، وكذلك شرائح السيليكون الخام مثل الشركات في البند السابق رقم 8.
  • لا تقوم بالتصميم لنفسها، بل تنتج تصميم غيرها.
  • الشركة الرائدة لهذه الفئة هي شركة TSMC التايوانية، وبعدها سامسونج الكورية.
  • بعض المصانع الأخرى متخصصة في الإلكترونيات التناظرية وغيرها من الوظائف المختلفة.

كما نلاحظ أن هذه الشركات مشابهة تمامًا للشركات المصنعة في البند السابق رقم 8، وتختلف عنها فقط أنها لا تبيع منتجاتها، بل تصنعها بناءً على طلب شركات أخرى. وفي الآونة الأخيرة تفوقت هذه المصانع على المصانع التي تمتلك المنتج وتجاوزتها تقنيًا وتجاريًا. وبلغت قيمة المبيعات في السوق العالمية حوالي 600 بليون دولار عام 2021م مع مقدار توسع نمو سنوي مركب أعلى من 2.21% لتصل الى 1.4 تريليون دولار عام 2019م. وهذا السوق كبير جدًاوله مقومات عالية؛ لأن هذه الصناعة تعتبر من أعقد الصناعات على سطح كوكب الأرض.

0)الشركات المصممة والمصنعة للرقائق غير القياسية (Non-CMOS Foundries)

المقصود بالرقائق غير القياسية هي الرقائق الإلكترونية التي تقوم بمهام أخرى سوى الذاكرة والمنطق والإشارات التناظرية المذكورة في البند رقم 8، أي التي لا تكون ضمن نطاق دوائر الـ CMOS. الرقائق غير القياسية، وتشمل الوظائف التالية:

  • المستشعرات Sensors.
  • المشغلاتActuators
  • الأجهزة الكهروميكانيكية MEMS.
  • الواقع الافتراضي والمعزز والتكتيكي.
  • الأتمتة.
  • الذكاء الاصطناعي.

وهذه الوظائف هي وظائف ناشئة وعليها إقبال عالٍ من قبل المستهلكين وسوقها واعد؛ حيث تصل قيمة المبيعات في السوق العالمية أكثر من100 بليون دولار عام 2021م ، مع مقدار توسع نمو سنوي مركب أعلى من 88%. فهذا السوق كبير وواعد.

كما أشرنا وسلطنا الضوء على هذه الصناعة الواعدة التي هي العمود الفقري للحضارة الحالية وليست فقط للثورة الصناعية الرابعة، حيث إنه لا حضارة بدونها. لذلك تم تكريم مخترع الدوائر المتكاملة بجائزة نوبل، بالرغم أنه مهندس وليس عالم، واختراعه في مجال الهندسة وليست في مجال العلوم والفيزياء. ولا ننسى أن وليام شوكلي بعد اختراعه الترانزستور وحصوله على جائزة نوبل غادر شركة بيل لاب، وعاد إلى مسقط رأسه في منطقة خليج سان فرانسيسكو، وأسس أول مصنع لأشباه الموصلات، واستقطب الشركات الأخرى لهذه المنطقة، وبدأت بيئة متكاملة لهذه الصناعة هناك، وسميت بوادي السيليكون تيمنًا بعنصر السيليكون الذي هو العنصر الأساسي لهذه الصناعة. ولا نغفل عن ذكر البروفيسور شيمينج هو الذي تخرج من جامعة كاليفورنيا بيركلي ببحثه في صناعة أشباه الموصلات، وبالأخص في الذاكرة الدائمة، حيث تم استقطابه كرئيس تقني CTO في شركة TSMC التي كانت وقتها شركة صغيرة ليس لها ذكر في عالم هذه الصناعة، وقام بنقلها بهذا الاختراع إلى مصاف الشركات الكبرى، ومن ثم تربعت على عرش هذه الصناعة عالميًا. وختامًا يمكننا تشبيه هذه الصناعة الشديدة التعقيد بطباعة الكتب لتقريب المفاهيم كما هو في الجدول رقم 1.

Share This