الحساسات الحيوية 

وتقنيةالنانو

د. عبدالعزيز اسعيفان – ‬رئيس وحدة أبحاث الحساسات الحيوية والبيئية بجامعة الملك سعود

أثرت جائحة كوفيد-19 بشكل كبير في اقتصاد العالم ونظامه الصحي، إذ تعدَّى عدد الوفيات حاجز الأربعة ملايين، منذ تفشِّي فيروس كورونا، ويعود ذلك إلى عدة أسباب، منها ارتفاع كلفة الاختبارات التشخيصية، ومدة الفحص، والحاجة إلى ممارسين صحيين متمكنين، حيث تتفاقم هذه العقبات في الدول الفقيرة ذات التعداد السكاني الكبير، وهذا الأمر لا ينحصر على مرض كوفيد-19 فقط، بل على عدة أمراض أخرى، كالأمراض المزمنة والناتجة عن الفيروسات الكامنة، إذ يتم أخذ عينات الدم من المريض، ونقلها إلى المختبرات المركزية لإجراء الفحوصات اللازمة، والتأكد من الإصابة. تحتاج هذه العملية إلى ممارسين صحيين متمكنين، وأجهزة طبية عالية الكلفة، ومدة طويلة نسبيًّا للفحص، وهذا ما يؤثر بشكل سلبي في صحة الإنسان، لذلك فإنَّ النظام الصحي العالمي بحاجة ماسة إلى تقنيات جديدة ذات كلفة منخفضة تمكِّن أيَّ فردٍ من استخدامها للكشف السريع والمبكر عن الأمراض دون الحاجة إلى نقل العينات إلى مختبرات مركزية. 

جهاز قياس السكر أول حساس حيوي

قام العالمان كلارك و ليونز في عام 1962، باختراع أول حساس حيوي للكشف عن نسبة الجلوكوز في العينات الحيوية باستخدام طرائق كهروكيميائية، وقد وُجِّهَ عدد هائل من الأبحاث العلمية لهذا المسار في ذلك الوقت، إلى أن توفَّر لدينا جهاز قياس السكر في الدم، الذي من الممكن الحصول عليه في عدد كبير من الصيدليات حول العالم. ويمكن تعريف الحساس الحيوي بأنه جهاز يقوم بتحويل تفاعلات حيوية إلى إشارات فيزيائية أو كيميائية يمكن قياسها. وعلى سبيل المثال من الممكن ربط أجسام مضادة انتقائية لفيروس كورونا على سطح الحساس بطرائق كيميائية، بعد ذلك تقوم الأجسام المضادة بالالتصاق بالفيروس الموجود داخل العينة المراد فحصها، وينتج بعد ذلك تغيُّرات فيزيائية أو كيميائية في محيط الحساس الحيوي، التي تشير بشكل دقيق على وجود الفيروس من عدمه، وأيضًا على كميته المتوفرة في العينة. ومن الممكن تفسير هذه التغيرات باستخدام تقنيات ميكانيكية، كهربائية، لونية أو ضوئية. كما تتميز الحساسات الحيوية بمساحتها الصغيرة، التي قد تصل الى ملليمترات أو مايكرومترات، وكذلك حجم العينة المراد الكشف عنها قد يصل إلى مايكرولترات. من مميزات الحساسات الحيوية أنها تستطيع الكشف عن المؤشرات الحيوية المختلفة الموجودة في عينات أخرى غير الدم كاللعاب، وطبقة الجلد وغيرها، وهذا ما يقلل من كمية عينات الدم والعدوى.

ما زالت الأبحاث مستمرة لتطوير حساسات قادرة على كشف عدد من الأمراض، ويتعلَّق جزء كبير من الأبحاث أيضًا بتحسين خواص الحساسات، كالقدرة على فحص المؤشرات الحيوية الموجودة في العينات بكميات قليلة جدًّا وحساسية عالية. وهنا يأتي دور المواد النانو مترية في تحسين هذه الخواص، إذ إنَّ عدد الأجسام المضادة التي ممكن ربطها بسطح المواد النانومترية. يضاهي بشكل كبير العدد الموجود على سطحٍ مستوٍ لا يحتوي على مواد نانومترية. ويعود ذلك لارتفاع مساحة السطح إلى نسبة الحجم عند استخدام المواد النانومترية، وهذه الخاصية أثبتت جدواها في مجالات تقنية مختلفة، ومنها الترانزستور، إذ يوجد المليارات من الترانزستورات في هواتفنا المحمولة والحواسيب؛ بسبب صغر حجم الترانزستور الذي وصل إلى النانومتر، كذلك في الحساسات فإنَّ استخدام المواد النانومترية سيزيد من كفاءتها، ويقلل من حجمها، عند توفر عدد ضخم من الأجسام المضادة على سطح الحساسات فإنَّ عدد الفيروسات أو المؤشرات الحيوية الأخرى التي سيتم الكشف عنها يزداد تلقائيًّا. وتمتلك المواد النانومترية أيضًا خواصًّا كهربائية، وميكانيكية، وضوئية أفضل من تلك المايكرومترية أو الماكرومترية التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وهذا ما يزيد من كفاءة الحساسات الحيوية. 

تتعدد المواد النانومترية المستخدمة في الحساسات الحيوية على حسب أشكالها من أسلاك نانوية، وأغشية نانوية، ونقاط كمومية. وقد تتكون هذه المواد النانمومترية من معادن، وأكسيد المعادن، ومواد كاربونية وغيرها. وقد استُخدمت في الكشف السريع والمبكر عن كثير من الأمراض. لكن لا زال عدد كبير من هذه الحساسات غير متوفر في الأسواق بسبب غلاء طرائق تصنيعها، وعدم القدرة على إعادة تصنيعها بنفس الخواص. وهنا يضع كثير من العلماء جهودهم في حل هذه المشاكل عن طريق، طباعة المواد النانومترية بكميات كبيرة، وبسعر منخفض جدًّا عن طريق تلك الطابعات التي تُستخدم في طباعة المجلات والصحف اليومية. وقد يساعد دخول الذكاء الاصطناعي في هذا المجال على إعادة تصنيعها بنفس الدقة والكفاءة. إنَّ الحساسات الحيوية النانومترية واعدة في المجال الصحي وسيتمكن كثير من الأفراد من استخدامها دون الحاجة الذهاب إلى المراكز الصحية والمستشفيات، إذ من الممكن استخدامها كالهاتف المتنقل للكشف السريع والمبكر عن عدد من الأمراض المعدية والأمراض المزمنة، ومن الممكن ارتداؤها، وقياس المؤشرات الحيوية بشكل مستمر خلال اليوم، كما أنَّ الاهتمام بهذه التقنية سيقلل من عواقب تفشي العدوى مرةً أخرى مستقبلاً، لا سمح الله. 

Share This