الحل الأخير

لعلاج مضاعفات سوء استخدام المضادات الحيوية 

د. محمد حلواني مكافحة العدوى والكائنات الدقيقة – جامعة الباحة – السعودية

سوء استخدام المضادات الحيوية بدون حاجة أو بدون سبب التهاب واضح سواء كان عن طريق بعض الأطباء، أو عن طريق الصيدلي بدون وصفه طبية، أو عن طريق صديق، أو عن طريق إعادة استخدام ما بقي من مضادات حيوية سابقة، جميعها عوامل أثبت علميًا أن لها دورًا كبيرًا ومباشرًا في اكتساب العدوى ببكتيريا خطيرة تسمى (Clostridium difficile)، وتُعرف عربيًا بمسمى (المطثية العسيرة)، ومن السهل جدًا الإصابة بهذه البكتيريا في المستشفيات للمرضى المنومين الذين لديهم أمراض مزمنة، أو من هم في حاجة إلى العلاج الطويل. وتؤدي هذه البكتريا إلى مرضين معروفين أولهما الإسهال المرتبط بالمضادات الحيوية، والثاني التهاب القولون الغشائي وهو التهاب حاد في البطانة الداخلية للأمعاء الغليظة، يظهر كمضاعفات التهابية في القولون، وكلاهما مرتبطين بالاستخدام المتكرر للمضادات الحيوية. هذين المرضين ومن بداية الألفية أصبحا في الطليعة داخل المستشفيات، ومن الأسباب الرئيسة للوفاة حول العالم. ورغم وجود مضادات حيوية محدودة استخدمت في علاجهما لمدة بشكل فعَّال، إلا أنه في الفترة الأخيرة أصبحت حالات فشل العلاج وحصول العدوى بشكل متكرر وشديد مشكلة كبيرة تؤرق المتخصصين في الأمراض المعدية. وبعد ظهور بعض المضادات الحيوية الجديدة لتحل بديل المضادات الحيوية السابقة، إلا أن الفشل في العلاج أصبح أحد الأمور المتكررة بشكل كبير، لذا كان لزاما الوصول إلى طرق علاجية جديدة وفعّالة لحفظ حياة المرضى، حتى تم التوصل مؤخرًا إلى طريقة جديدة ومبتكرة تعرف باسم زرع البراز.

زرع البراز هو إجراء طبي حديث يتضمن نقل البراز من متبرع سليم خالي من الأمراض المعدية على وجه الخصوص إلى مريض يعاني من اضطراب في الجهاز الهضمي بسبب التهابات متكررة ناتجة عن إصابة مزمنة بالبكتيريا (المطثية العسيرة)، والهدف من هذا الإجراء هو استعادة توازن بكتيريا الأمعاء النافعة في الجهاز الهضمي للمريض، مما يساعد في تخفيف الأعراض وتحسين الصحة العامة، بغرض الشفاء بحول الله من الإصابات المتكررة بالبكتيريا المذكورة. ويعود مفهوم زراعة البراز إلى الطب الصيني القديم، حيث كان يُستخدم لعلاج بعض اضطرابات الجهاز الهضمي المختلفة. ومع ذلك، لم يبدأ الطب الحديث في استكشاف فوائده المحتملة حتى القرن العشرين. واليوم، يعتبر هذا الاجراء خيارًا علاجيًا واعدًا لحالات العدوى بهذه البكتيريا وأحيانا حتى متلازمة القولون العصبي.

أما بالنسبة للمتبرعين فيجب أن يتم التأكد قبل التبرع من الآتي:

  • لم يتعرض المتبرع لأي مضاد حيوي خلال الأشهر الستة الماضية.
  • ليس مصابًا بأي مرض مناعي أو لديه نقص مناعة.
  • ليس في خطر من الإصابة بأمراض معدية جراء وجوده في بيئة قد تعرضه إلى ذلك.
  • لا يتعايش مع أي اضطرابات معدية معوية مزمنة، مثل مرض التهاب الأمعاء.
  • يجب أن يكون سلبيًا لكل من: التهاب الكبد أ ، ب ، ج، فيروس نقص المناعة المكتسبة، مرض الزهري، الطفيليات المعوية، مثل الجيارديا أو الديدان، إضافة إلى أي أمراض أخرى قد يرى الطبيب المشرف على الحالة أن هناك حاجة لتفاديها. 

آلية عمل الزراعة

تختلف إجراءات الزرعة تبعًا لطريقة استخدامها؛ فإن كانت من خلال تنظير القولون وإدخال المحلول البرازي الجديد من خلاله، يقوم أخصائي الجهاز الهضمي بعد التأكد من صلاحية المتبرع بإعداد عملية الزرع عن طريق أخذ عينة براز المتبرع، وهي حوالي 50-100 جم، من مادة البراز المأخوذة من المتبرع، ويتم مزجها مع 250-500 مل من المحلول الملحي، ثم خلطها بمحلول ملحي، فبذلك تكون عملية زرع البراز سائلة %100.

وبمجرد أن تصبح عملية الزرع جاهزة، يُعطى المريض دواء مهدئًا، ويوضع على جانبه في الوضع الأمثل لتنظير القولون، ثم يقوم الطبيب بتوجيه أنبوب مرن بكاميرا منظار القولون عبر فتحة الشرج إلى القولون وصولاً إلى حيث تلتقي الأمعاء الغليظة بالأمعاء الدقيقة، عندها يقوم الطبيب بسحب المنظار ورش المحلول البرازي على جدران القولون، بعد الإجراء يتم إعادة المريض إلى غرفته بالمستشفى، حيث يستريح لبقية اليوم. وعادة ما يعطى المريض دواءً مضادًا للإسهال للمساعدة في الحفاظ على البراز المزروع في القولون. أما بالنسبة للمرضى الذين لا يمكن استخدام المنظار معهم لأسباب طبية، يمكن توفير زرع البراز لهم من خلال الجهاز الهضمي العلوي عن طريق الأنابيب الأنفية المعوية، أو تنظير المريء، أو ابتلاع الكبسولة الخاصة، وهي أحدث طريقة حاليًا، وتُعد خيارًا معقولًا للمرضى الذين لديهم موانع لتنظير القولون، وإن كانت هاتين الطريقتين أقل كفاءة من سابقتها.

كيف يعمل البراز الجديد والمزروع في مريض جديد؟

يجب أن نعرف أن الأمعاء البشرية تحتوي على تريليونات من الكائنات الحية الدقيقة، والمعروفة مجتمعة باسم ميكروبيوم الأمعاء، تلعب هذه الكائنات الدقيقة دورًا مهمًا في الحفاظ على صحة الجهاز الهضمي عن طريق تكسير الطعام وإنتاج العناصر الغذائية الأساسية، وعند حدوث خلل في توازن بكتيريا الأمعاء لاي سبب ما خاصة بسبب تناول المضادات الحيوية، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات معدية معوية مختلفة. تتم هذه التقنية عن طريق إدخال البكتيريا الصحية من براز المتبرع إلى ميكروبيوم أمعاء المريض، وبمجرد دخولها تبدأ في الانتشار والتكاثر فيما بينها، وتعيد بذلك الوضع الصحي لقولون المريض، ويمكن أن تساعد في استعادة التوازن وتحسين صحة الأمعاء بشكل عام. 

ويختلف معدل نجاح هذه التقنية تبعًا للحالة التي يتم علاجها، والطريقة المستخدمة في الزراعة. فقد يتراوح معدل النجاح من 80-90 % في علاج التهابات البكتيريا المزمن، والذي ينتج عن فرط نمو البكتيريا الضارة في الأمعاء، وأظهرت هذه التقنية نتائج مختلفة من حيث النجاح، وإن كانت أقل كفاءة في علاج متلازمة القولون العصبي بناء على دراسات نُشِرت مؤخرًا في مجلة اللانست الشهيرة (Magazine The Lancet). ويعتبر إجراء الزراعة آمنًا بشكل عام، إلا أن هناك بعض المخاطر والآثار الجانبية المحتملة المرتبطة به. وتشمل الآتي:

  1. الإصابة بالعدوى من المتبرع إذا لم يتم فحص البراز بشكل صحيح لمسببات الأمراض.
  2. ردة فعل سلبية من الجسم، فقد يعاني بعض المرضى من الغثيان أو القيء أو الإسهال.
  3. الآثار طويلة المدى، حيث يعاني بعض المرضى من مشاكل صحية مختلفة غير مفهومة طبيًا، وتحتاج لمزيد من الدارسات.
  4. مخاوف أخلاقية من بعض الجهات التي تهتم بالأمور الأخلاقية، فيما يتعلق باستخدام البراز من متبرعين مجهولين. 

وفي الختام يعتبر زرع البراز خيارًا علاجيًا واعدًا، وخاصةً للالتهابات البكتيرية الناتجة عن الإصابات المتكررة لبكتيريا (المطثية العسيرة)، في حين أنه أظهرت نتائج مختلطة في علاج الحالات الأخرى مثل القولون العصبي، ولازال هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد سلامة هذا الاجراء وفعاليته على المدى الطويل. لذا يجب على المرضى أو ذويهم والذين يفكرون في استخدامه مناقشة المخاطر والفوائد المحتملة مع طبيب متخصص في ذات المجال قبل الخضوع للإجراء، خاصة أن مراكز محددة في العالم تقوم به وتحت ظروف وقائية مشددة نظرًا لطول التحضير وصعوبة الوصول إلى متبرع. لذا ربما يكون من الأفضل عدم الافراط في استخدام المضادات الحيوية لتفادي كل هذه الإجراءات وصعوبتها.

Share This