الدوائر الإلكترونية 

د. عبد الله الغيهب الهندسة الكهربائية – جامعة الملك سعود – السعودية 

تعود بدايات الدوائر الإلكترونية إلى النصف الأول من القرن العشرين، عندما بدأت المحاولات والأبحاث لتطوير هذه الدوائر إلى تطبيقات متعددة، مثل: أنظمة التلغراف، والراديو، والهاتف. وقد كان الهدف الأساسي من تلك الأبحاث هو تطوير أداء تلك الأجهزة الإلكترونية؛ لتلبية الاحتياجات المتعددة في مختلف المجالات. في عام 1947، قام فريق من الباحثين في شركة بيل للاتصالات في الولايات المتحدة بتطوير أول دائرة إلكترونية متكاملة (Integrated Circuit). وكانت تلك الدائرة تتألف من مجموعة من العناصر الإلكترونية المتكاملة داخل رقاقة واحدة، وهي النموذج الأولي للعديد من الدوائر الإلكترونية التي نستخدمها اليوم. 

ومنذ ذلك الحين، تطورت الدوائر الإلكترونية بشكل كبير، حيث أصبحت أكثر تعقيداً وتنوعاً، وتستخدم في العديد من المجالات المختلفة، مثل الحوسبة والاتصالات، والإلكترونيات الصناعية، والطبية، والعلمية. وفي الوقت الحالي، يتم استخدام الدوائر الإلكترونية في جميع أنحاء العالم، وهي تشكل جزءاً أساسياً من الحياة اليومية الحديثة. قادت الدوائر المتكاملة (Integrated Circuits) ثورة في قطاع أشباه الموصلات من خلال قدرتها على دمج جميع عناصر الدائرة الإلكترونية في رقاقة واحدة. حيث نتج عن جهود الأبحاث والتطوير في الأعوام من 1958 إلى 1975 تصميم دوائر متكاملة بقدرات أوسع، وذلك باستخدام عدة آلاف من المكونات في الرقاقة الواحدة على رأسها الترانسيستور، وهو الوحدة الأساسية لبناء الدوائر الإلكترونية الحديثة. استمر العمل بعد ذلك على زيادة عدد الترانسيستورات (Transistors) المدمجة في الرقاقة الإلكترونية الواحدة، ما نتج عنه تقسيم هذه الدوائر بناء على عدد مكوناتها الداخلية إلى دوائر متكاملة على نطاق صغير ومتوسط وكبير، ودوائر المتكاملة على نطاق عالٍ جدًا. 

يمكن تصنيف الدوائر الإلكترونية بناء على نوع الإشارة التي تقوم الدائرة بمعالجتها إلى: تماثلية ورقمية. تتميز الإشارات التماثلية بأنه يمكنها أخذ أي قيمة عند أي لحظة زمنية. في المقابل، تتميز الإشارات الرقمية بأنها تأخذ قيمًا محددة، ويُسمح تغيرها عند أوقات محددة مسبقا. نحتاج الدوائر التماثلية للتعامل – على سبيل المثال- مع الإشارات التماثلية التي يتم التقاطها من الطبيعة، مثل: الأصوات والموجات الكهرومغناطيسية. كما تُستخدم الدوائر الرقمية لإجراء عمليات الحوسبة، وبناء المعالجات، بالإضافة لأنظمة تخزين البيانات الرقمية.

أدت التطورات الجذرية في صناعة رقائق أشباه الموصلات والقدرة على دمج عدد كبير من المكونات في رقاقة واحد إلى تطوير المعالجات الدقيقة عام 1969 بواسطة شركة إنتل Intel. وقد كانت ثورة المعالجات الدقيقة مدفوعة بما تحقق بناء على ما تم توقعه في “قانون مور” (Moore’s Law). في عام 1965، قبل أن يشارك في تأسيس شركة Intel، لاحظ جوردون مور أن كثافة الرقاقة (تعادل تقريبًا قوة المعالجة) تتضاعف كل عام بينما يتقلص السعر بمقدار النصف1. عندما أصبحت المعالجات الدقيقة أصغر حجمًا وأكثر قوة، انتقلت أجهزة الحاسوب من استخدامات ضيقة النطاق في مراكز البيانات إلى نطاق أوسع من خلال أجهزة الحاسوب المكتبية، ثم المحمولة، وأخيراً الهواتف الذكية في جيوبنا.

إضافة لما تم في مجال المعالجات الرقمية الدقيقة، فقد تطورت الدوائر المتكاملة التماثلية، مثل المضخمات (Amplifiers) التي تقوم بتضخيم الإشارات المختلفة لمعالجتها، مثل: الإشارات الصوتية والكهرومغناطيسية. كما تم تطوير دوائر المحول التماثلي الرقمي (Analog-to-Digital Converter)، الذي يساعد في تحويل الإشارات المختلفة التي يتم رصدها من الطبيعة إلى نظيرها الرقمي لتسهيل معالجتها وتخزينها كغيرها من أنواع البيانات. 

لمواجهة الحجم المتزايد لتعقيد الدوائر الإلكترونية الحديثة، يستخدم مصممو الدوائر الإلكترونية أنظمة متقدمة لأتمتة التصميم الإلكتروني (Electronic Design Automation)، وهي جزء مهم من منظومة تصميم الدوائر الإلكترونية، وتتكون من البرامج والعتاد والخدمات التي تهدف إلى المساعدة في تعريف وتخطيط وتصميم وتنفيذ والتحقق من الأداء والتصنيع اللاحق لأجهزة أو رقائق أشباه الموصلات. عندما يأتي الأمر لتصنيع هذه الأجهزة والرقائق، فإن الموفرين الأساسيين لهذه الخدمة هم مصانع أشباه الموصلات. هذه المصانع المتقدمة قد تكون مدارة من قبل شركات أشباه موصلات متعددة المجالات، أو يتم تشغيلها من مزودي خدمات تصنيع مستقلة ومتخصصة. يُعد النموذج الأخير الذي تخصص فيه الشركات في التصميم أو التصنيع الأحدث، ويغلب على معظم سوق أشباه الموصلات الحديث مؤخرا2.

لازال التطور السريع في تصميم دوائر أشباه المواصلات يلعب دورًا كبيرًا في دفع الثورة الرقمية، وإدخالها بشكل أكبر وأكثر كفاءة في حياة البشر. يتوقع -على سبيل المثال- أن يسهم تطوير الدوائر الإلكترونية خلال العقد القادم في بناء أنظمة الذكاء الصناعي بشكل أكثر كفاءة وأقل تكلفة، مما يساعد في إتاحتها لعدد أكبر من المستخدمين كما حصل مع أجهزة الحاسوب سابقا. 

مراجع

  • Zygmont, Jeffrey. 2003. Microchip: An Idea, Its Genesis, and the Revolution It Created. Cambridge Mass.: Perseus Publishing.
  • Rakesh Kumar. 2008. Fabless Semiconductor Implementation (1st. ed.). McGraw-Hill, Inc., USA.
Share This