الرجل الذي ترك الطب
سعيًا وراء الإوز
بقلم: آندرو ماسترسن مجلة كوزموس – العدد 81 ترجمة: ديمة أبو ظهر
توفي كونراد لورنز (Konrad Lorenz) في عام 1989، لكن اسمه لا يزال مألوفًا إلى حدٍّ كبير لدى طلاب العلوم في المرحلة الثانوية المهتمين بعالم الطبيعة.ولد كونراد في فيينا عام 1903، ويعدُّ على نطاق واسع أحد المؤسسين الأساسيين لعلم الإيثولوجيا، وهو دراسة سلوك الحيوان. وأفضل ما يُذكر لأجله هو سلسلة من التجارب التي شملت الإوز في عام 1934. بحلول تلك المرحلة من حياته، وعلى الرغم من أنه لا يزال فتيًّا نوعًا ما، نجح لورنز بإثبات نفسه كباحث متحمس، مسببًا خيبة أمل دائمة لوالده، أدولف، الذي كان يأمل أن يسير على خطاه، وأن يصبح جرَّاح عظام.
كان لورينز الأب مليونيرًا ذائع الصيت، اشتُهر بتطويره تقنية لمعالجة نوع من أنواع تشوهات الحوض. وبناءً على إلحاحه، أكمل ابنه شهادة الطب في جامعة فيينا، لكنه رفض ممارسة المهنة، وفضَّل البقاء في المعهد والعمل محاضرًا في علم التشريح. وتابع حتى فاز بجائزة نوبل في عام 1973 بالتشارك مع نيكولاس تينبرغن (Nikolaas Tinbergen) وكارل فون فريش (Karl von Frisch). غير أن ما إذا كان والده، الذي توفي عام 1946، سيرضى بذلك أم لا سيبقى مجهولاً دائمًا.


كان دافع لورنز الحقيقي هو حبُّه للعالم الطبيعي، وهو اهتمام طوَّره خلال مرحلة الطفولة التي قضاها في منزل العائلة الصيفي في ألتينبرغ في ألمانيا، حتى في أثناء دراسته للحصول على شهادة الطب، لم يكن اهتمامه الأساسي ضعف البشر، بل كان ضعف الطيور. أثار هذا الأمر غضب والده، الذي كتب لاحقًا: ((كونراد … فضّل علم الطيور على ممارسة الطب. لم أكن متحمسًا كثيرًا بشأن اختياره حتى أنني أثرت غضب الصبي بشدة عندما قلت إن من غير المهم معرفة ما إذا كان مالك الحزين أكثر أو أقل غباء مما يُعتقد)). بحلول عام 1933، كان شغف لورنز للطبيعة قد اتخذ بهارج رسمية، وحاز على درجة الدكتوراه في علم الحيوان من جامعته. لقد كان مفتونًا بمجال التشريح المقارن الجديد – آنذاك – ومفهومه الجوهري بأنه يمكن استخدام بنية الكائن الحي لاستنتاج علاقاته التطورية.
وشعر أنه يمكن تطبيق المبدأ نفسه على أنماط السلوك، فقادته هذه الفكرة مجددًا إلى ألتنبرغ، حيث سطعت أشهر أعماله. كانت ملكية العائلة لعدد من الإوز الرمادي، وبهدف مراقبتها بشكل أفضل، قام لورنز بجمع بعض البيض المخصب وحضنها بنفسه. وسرعان ما أدرك أنه عندما فقست الطيور الصغيرة، كان هو أول ما رأته، فتقبلته على الفور كوالد لها. وفي تجارب أخرى، اكتشف أنَّ الصغار تتعلق بأي شيء – متحرك أو غير ذلك – طالما كان أول شيء تقع عليه أعينها. أُطلق على هذا السلوك مصطلح ((التطبّع))، وأصبح مجال البحث الذي فتحه ركيزة لعلم السلوك، وخصوصًا بعد عام 1936، عندما أقام علاقة عمل طويلة ومثمرة مع عبقري شاب آخر، هو تينبرغن.
ابتداءً من العقد الخامس من القرن الماضي، وجد لورنز شهرة إضافية بوصفه مؤلفًا لكتب العلم الشعبي. وقد كان أشهر عمل له، (1966 – On Aggression)، هو الأكثر إثارة للجدل، حيث احتوى على نظريته القائلة بأن العدوان والعنف في البشر فطريان وطبيعيان. بصرف النظر عن الفترة التي انقسمت خلال الحرب العالمية الثانية بين الخدمة النشطة، وكونه أسير حرب، أمضى لورنز حياته في ألتينبرغ الحبيبة، التي كانت موطنه ومقر دراساته البحثية. كان يتوقع بثقة البقاء هناك حتى يبلغ من العمر 92 عامًا، وهو العمر الذي توفي فيه والده، لكنَّ خطته فشلت عندما توفي بسبب الفشل الكلوي، عن عمر يناهز 83 عامًا.