السعودية وحماية البيئة

ومكافحة تغير المناخ

أ.د. أحمد الغامدي – المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر

أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي (”World Economic Forum “WEF) في 11 يناير 2022 تقرير المخاطر العالمية للعام الحالي (WEF Global Risks Report)، حيث تصدرت المخاطر والمخاوف البيئية المؤشرات التي أوردها التقرير وهي التي سيتم تسليط الضوء عليها في هذا المقال، بالإضافة لتسليط الضوء على نماذج من الجهود المشرفة التي تبذلها المملكة العربية السعودية في حماية البيئة ومكافحة الآثار المتطرفة للتغير المناخي.

ويعد المنتدى الاقتصادي العالمي منظمة دولية غير ربحية مستقلة منوطة بتطوير العالم عن طريق تشجيع الأعمال والسياسات والنواحي العلمية وذلك بالاستعانة بنخبة من القادة من أجل تشكيل الأجندة العالمية تجاه العديد من القضايا الاقتصادية، والسياسية، والبيئية، والصحية، ويعقد هذا المنتدى سنويا في منتجع دافوس للتزلج بجبال الألب، بحضور نخبة من قادة قطاع الأعمال والتجارة مع شخصيات قيادية بارزة في المجالات الاقتصادية والصناعية والسياسية والأكاديمية والأعمال الخيرية، وقد كانت أول انطلاقة له عام 1971. وعادة ينشر «تقرير المخاطر العالمية» قبيل انعقاد مؤتمر دافوس، ولكن منظمي منتدى دافوس الذي كان مقررًا في المنتجع السويسري الجبلي في يناير 2022، أعلنوا عن إرجائه إلى منتصف 2022، جراء «الضبابية المحيطة بانتشار أوميكرون» المتحور الجديد من فيروس كورونا. وقد صدر التقرير الحالي في نسخته السابعة عشر بناءً على مسح تصور المخاطر العالمية الذي عمل على رصد تصورات المخاطر التي تهدد الاقتصاد العالمي لدى 1000 مشارك من خبراء المخاطر وقادة العالم في مجالات الأعمال والحكومة والمجتمع المدني. وقد تم تقييم المخاطر العالمية عبر خمس فئات: الاقتصادية، والبيئية، والجيوسياسية، والمجتمعية، والتكنولوجية.

وقد هيمنت المخاطر البيئية على تقرير المخاطر العالمية 2022 على المديين القصير والطويل. حيث تمثل المخاطر المتعلقة بتغير المناخ أيضًا ثلاثة من أكبر المخاطر من حيث الشدة في السنوات العشر القادمة. وأكد التقرير أن قضية المناخ وصحة الأرض ستبقى المعضلة التي تشكل القلق الأكبر على المدى الطويل خلال العقود القادمة. 

مشاعر التوقعات العالمية

ما هو شعورك تجاه النظرة المستقبلية للعالم

أكبر المخاطر العالمية قصيرة المدى

على مدى العامين المقبلين

 أكبر المخاطر العالمية متوسطة المدى

على مدى السنوات الخمس إلى العشر القادمة

أكبر المخاطر العالمية طويلة المدى

خلال السنتين إلى الخمس سنوات القادمة

أكبر 10 مخاطر عالمية بحسب حدتها

خلال العشر سنوات القادمة

ووفقًا للخبراء الذين شاركوا في الاستطلاع. فإن هناك فشلًا دوليًا على ثلاثة مستويات:

  • أولًا في اتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من التغيّر المناخي
  • ثانيًا مواجهة المناخ المتطرف
  • أخيرًا خسارة التنوع البيولوجي.

ويذكر التقرير أن الدول والحكومات تتبع منهجيات مختلفة حيث يبدو أن البعض يسعى للوصول بسرعة إلى الحياد الكربوني، بينما يحتاج آخرون إلى وقت أكبر. ولكن العملية الانتقالية نحو الحياد الكربوني حساسة بعض الشيء وقد ترافقها مخاطر معينة بحسب التقرير. ففي حين يذهب البعض إلى قناعات متطرفة منهم بأن حكوماتهم لا تتخذ إجراءات كافية وطارئة لاستبدال مصادر الطاقة، يشير معدو التقرير إلى أن الابتعاد بسرعة عن الكربون وسوقه واقتصاده قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية ويفقد الملايين وظائفهم.

فلأول مرة في تاريخ المملكة تم إنشاء وزارة متخصصة وهي وزارة البيئة والمياه والزراعة التي قامت بإصدار الاستراتيجية الوطنية للبيئة وإنشاء خمسة مراكز بيئية تنفيذية متخصصة مزودة بما يلزم من الممكنات المالية، والفنية، والقدرات البشرية للقيام بالمهام المنوطة بها. وهذه المراكز هي: المركز الوطني للالتزام البيئي، والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، والمركز الوطني لإدارة النفايات، والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، والمركز الوطني للأرصاد، إضافة إلى إنشاء صندوق البيئة لدعم استدامة قطاع البيئة. وهذه المراكز الوطنية الخمسة ستعمل على تعزيز الالتزام البيئي وخفض تكلفة التدهور البيئي وخلق فرص وظيفية للمواطنين وتعزيز مشاركة القطاع الخاص.

وقامت وزارة البيئة والمياه والزراعة بتوحيد وتعزيز الأنظمة والقوانين البيئية تحت مظلة النظام الجديد للبيئة والذي يهدف إلى حماية البيئة وتنميتها واستدامتها والالتزام بالمبادئ البيئية وتنظيم قطاع البيئة والأنشطة والخدمات المتعلقة به بما يتوافق مع أفضل الممارسات والمعايير العالمية. كما عملت الوزارة أيضًا على إصدار نظام جديد لإدارة النفايات ونظام للأرصاد. وعملت الوزارة بالتعاون مع وزارة الداخلية على تأسيس القوات الخاصة للأمن البيئي والتي تقوم بأعمال التنظيم والرقابة وتطبيق مخالفات لوائح نظام البيئة. حيث من مهام هذه القوات حماية الحياة الحيوانية الفطرية والثروة الطبيعية النباتية في مراعي وغابات وسواحل المملكة وتنظيم الرعي ومنع ممارسات الصيد الجائر والاحتطاب الجائر وتجريف التربة بهدف الحد من التصحر وزحف الرمال والعواصف الغبارية وتخفيف حدة الجفاف. وعملت الوزارة بالتعاون مع القطاعين العام والخاص والجمعيات والروابط البيئية على استزراع ملايين الأشجار في براري ومراعي وغابات وسواحل المملكة ونثر بذور الأشجار والشجيرات المحلية الملائمة في المواقع المتدهورة من أجل إعادة تأهيلها واستعادة حيويتها وقدرتها الإنتاجية.

وقد أصدر خادم الحرمين الشريفين أمره بإنشاء مجلس للمحميات الملكية شاملا ستة مواقع وشكّل لكل محمية مجلس إدارة وجهازًا يتولى الإشراف على تطويرها بهدف الحفاظ على الغطاء النباتي والتنوع الحيوي وتنميته. وخلال ترؤس المملكة واستضافتها لقمة مجموعة العشرين في نوفمبر 2020، عززت المملكة دورها البيئي من خلال تبني القمة لمفهوم الاقتصاد الدائري للكربون لإدارة الانبعاثات بما يضمن تخفيف حدة آثار التحديات المناخية وجعل أنظمة الطاقة أنظف وأكثر استدامة ويعزز أمن واستقرار أسواق الطاقة. وأطلقت المملكة خلال قمة العشرين مبادرتين دوليتين هما «الحد من تدهور الأراضي» و«الحفاظ على الموائل الفطرية البرية» بصورة طوعية بنسبة 50% بحلول عام 2040، ومبادرة «إنشاء المنصة العالمية لتسريع أبحاث المحافظة على الشعب المرجانية». وقد استضافت الرياض في الفترة ما بين 23 إلى 25 أكتوبر 2021، النسخة الافتتاحية لـ«منتدى مبادرة السعودية الخضراء» و«قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر»، وهاتان المبادرتان أعلن عنهما صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ابتداءً في شهر مارس 2021 وحظيتا بتفاعل عالمي كبير. 

ويعد مستهدف مبادرة السعودية الخضراء بزراعة 10 مليارات شجرة عملًا بيئيًا طموحًا غير مسبوق في تاريخ المملكة يوازي إعادة تأهيل حوالي 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة وزيادة في المساحة المغطاة بالأشجار الحالية إلى 12 ضعفًا. ومن المؤمل أن تسهم هذه المبادرة الطموحة بإذن الله في تحسين جودة هواء المملكة وتخفيض درجة الحرارة، والحد من التصحر وحدة الجفاف وحركة الكثبان الرملية وتقليل العواصف الغبارية. بالإضافة إلى زراعة 40 مليار شجرة في مبادرة الشرق الأوسط الأخضر مع الدول المجاورة والصديقة في المنطقة بما يعادل إعادة تأهيل 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة مما يمثل 5% من الهدف العالمي لزراعة (1 ترليون) شجرة ويحقق تخفيضاً بنسبة 2.5% من معدلات الكربون العالمية. وبالتالي فإن مبادرة الشرق الأوسط الأخضر بمثابة بدء عصر أخضر في الشرق الأوسط حيث إنها أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم ويعادل ضعف حجم السور الأخضر العظيم في منطقة الساحل (ثاني أكبر مبادرة إقليمية من هذا النوع). ومن ضمن مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30% من مساحة أراضي المملكة لتتجاوز المستهدف العالمي الحالي بحماية 17% من أراضي كل دولة، حيث تساعد حماية هذه البيئات على تعزيز التنوع الحيوي واستعادة البيئة الطبيعية للمملكة. بالإضافة للمبادرات العديدة في مجال الطاقة والتي من شأنها تخفيض الانبعاثات الكربونية بمقدار 278 مليون طن سنويًا بحلول عام 2030، ورفع نسبة تحويل النفايات عن المرادم إلى 94% أيضًا بحلول عام 2030.

كما أعلن سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن انضمام المملكة إلى الاتحاد العالمي للمحيطات، وإلى تحالف القضاء على النفايات البلاستيكية في المحيطات والشواطئ، وإلى اتفاقية الرياضة لأجل العمل المناخي، وإلى التعهد العالمي بشأن الميثان للمساهمة في خفض انبعاثات غاز الميثان العالمية بنسبة 30% بحلول عام 2030. بالإضافة إلى تأسيس مركز عالمي للاستدامة السياحية، وتأسيس مؤسسة غير ربحية لاستكشاف البحار والمحيطات. وإنشاء منصة تعاون دولية لتطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وتأسيس مركز إقليمي للتغيُّر المناخي، وإنشاء مجمع إقليمي لاستخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه. وتأسيس مركز إقليمي للإنذار المبكر بالعواصف للإسهام في تقليل المخاطر الصحية الناتجة من موجات الغبار. وتأسيس مركز إقليمي للتنمية المستدامة للثروة السمكية للإسهام في رفع التنوع البيولوجي البحري، وخفض مستوى الانبعاثات في قطاع الأسماك بقرابة 15%. وإنشاء برنامج إقليمي لاستمطار السُّحب للإسهام في رفع مستوى الهاطل المطري بقرابة 20% بحول الله وقوته. وإنشاء مبادرة عالمية للإسهام في تقديم حلول الوقود النظيف لتوفير الغذاء لأكثر من 750 مليون شخص بالعالم. وإنشاء صندوق للاستثمار في حلول تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون في المنطقة. تجدر الإشارة إلى الهدف الطموح الذي أعلنه سمو ولي العهد بوصول المملكة للحياد الصفري في عام 2060 من خلال نهج الاقتصاد الدائري للكربون.

Share This