الطفرات الجينية

في الحيوانات

د. ياسمين الشيخ – طب بيطري- جامعة دمنهور – مصر

ما برحت مملكة الحيوان أن تدهشنا يومًا بعد يوم بما فيها من عجائب، وتدعونا للتأمل في تجلي قدرة الله وعظمة خلقه. فعلى مر الزمان ظهرت حيوانات تمتلك صفات غريبة تجعلها مختلفة عن أبناء سلالتها، والتفسير لهذه الصفات هي الطفرات الجينية في الحيوانات.

ما هي الطفرات الجينية؟

الطفرة الجينية هي تغيير في تسلسل الحمض النووي في الخلايا، وهذا الحمض النووي يمتلك كل المعلومات التي تحتاجها الخلايا للقيام بالوظائف المختلفة في الجسم. فعندما يحدث أي تغيير أو خلل أو نقص في الحمض النووي يتسبب ذلك في حدوث الطفرات الجينية. ومثلما تظهر الطفرات في الإنسان ونراها في حالات شهيرة مثل القزامة والعملقة واختلاف لون العينين والشعر والبشرة، فإنها تنتشر أيضًا في عالم الحيوان، وسوف نستعرض في هذا المقال أمثلة على الطفرات الجينية في الحيوانات.

هل سمعتم من قبل عن بقرة تمارس رياضة كمال الأجسام؟!

 رياضة كمال الأجسام من أشهر الرياضات وأكثرها شعبيةً خصوصًا بين الرجال، ولكن هل تعتقد أنها مشهورة أيضًا في مملكة الحيوان؟! بالطبع لا، ولكن هذه الرياضة هي أول ما سيتبادر إلى ذهنك عندما ترى الأبقار المصابة بطفرة العضلات المزدوجة أو تضاعف العضلات (Double muscling). تحدث هذه الظاهرة بسبب طفرة في جين الميوستاتين (Myostatin)، وهو عامل مهم جدًا من أجل تمايز وضبط نمو العضلات، فعندما يصبح هذا الجين غير نشط يزداد نمو الخلايا العضلية وتتضخم لتصبح في ضعف حجمها تقريبًا. حدثت هذه الطفرة منذ قديم الأزل ولكن لم يستطع الإنسان معرفتها أو الاستفادة منها إلا بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث إن معظم حالات ولادة العجول المصابة بطفرة تضاعف العضلات كانت تلقى صعوبات كثيرة، وكانت تنتهي بوفاة الأم أو المولود أو كلاهما.

ولكن مع تطور أساليب الجراحة القيصرية في الحيوانات والتخدير والعلاج بالمضادات الحيوية، استطاع الإنسان الاستفادة من هذه الطفرة واستغلالها ومحاولة تنميتها في أبقار التسمين؛ حيث إنها تزيد إنتاجية اللحم إلى الضعف تقريبًا بأقل تكلفة للتغذية. ولكن الأبقار المصابة بطفرة تضخم العضلات تكون أكثر عرضة للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والعرج والإجهاد الغذائي والحراري وصعوبات الولادة. لذلك فإن هذه الأبقار تحتاج إلى رعاية خاصة واهتمام شديد خصوصًا في النظام الغذائي المتبع للحصول على أعلى كفاءة للحم بأقل تكلفة وأقل إجهادًا على الحيوان.

القزامة ليست طفرة محصورة فقط في الإنسان

تُعد القزامة من أكثر الطفرات المعروفة في البشر على مر العصور، وهي اضطراب يتميز بنمو الهيكل العظمي أقصر من الطبيعي، يمكن أن تكون وراثية في معظم الأحيان. وتظهر القزامة أيضًا ضمن الطفرات الجينية في الحيوانات، ومن أشهر حالات القزامة في الحيوانات هي أبقار البولدوج.

أبقار البولدوج

تعود تسمية هذه الحالة بهذا الاسم لأن الأبقار المصابة بالتقزم تشبه كلاب البولدوج الشهيرة. وتتميز هذه الطفرة بنمو غير متناسب للعظام وقصرها خصوصًا العمود الفقري والعظام الطويلة؛ مما يؤدي إلى قصر الأطراف وتقزم الجسم. بالإضافة إلى ذلك، تظهر تشوهات شديدة في الوجه بما في ذلك انشقاق الحنك وقصر القحف الحشوي في الجمجمة. غالبًا ما يحدث إجهاض للجنين المصاب بهذه الطفرة لأنها مميتة، أو يولد حيًا بالفعل ولكن مع هذه التشوهات يموت سريعًا. ونادرًا جدًا ما تظل هذه الأبقار على قيد الحياة وتنمو بصورة طبيعية، كما أنها طفرة غير مرغوبة، لذلك يسعى أصحاب المزارع والمربون إلى التخلص منها.

هل القطط لديها 5 أصابع فقط في كل قدم مثلنا؟

تمتلك القطط ثمانية عشر إصبعًا، خمسة في كل من القدمين الأماميتين وأربعة في كل من الخلفيتين، ولكن في بعض الأحيان يزداد الرقم كثيرًا عن هذا في حالة من أشهر الطفرات الجينية في الحيوانات تُعرف بتعدد الأصابع (Polydactyly). ظهرت حالة أو طفرة تعدد الأصابع في العديد من الأنواع المختلفة مثل القطط والكلاب والأغنام وكذلك الإنسان، فهذه الحالة تُعرف بظهور إصبع واحد على الأقل زائد عن المعتاد في أحد الأطراف. القطط من أكثر الحيوانات التي تشيع فيها طفرة تعدد الأصابع، وهذه الأصابع الزائدة إما أن تكون في نفس طول الأصابع الطبيعية ويفصل بينها مسافات متساوية، أو منتشرة عشوائيًا في القدم وفي هذه الحالة تكون مزعجة جدًا للحيوان. وعدد هذه الأصابع الزائدة يختلف من إصبع واحد حتى ثلاثة أصابع في القدم الواحدة.

حيوانات مصابة بالبهاق

البهاق من أشهر الأمراض المعروفة في الإنسان، وهو حالة تصيب الجلد وتسبب فقدان لونه، وظهور الشيب المبكر، وتغيير لون الأنسجة التي تغطي الفم والأنف. ويحدث هذا المرض بسبب طفرة في إنتاج إنزيم التيروزيناز (Tyrosinase) في الخلايا المصنعة لمادة الميلانين (melanin)، وهذا نتيجة لاضطراب في الجهاز المناعي أو تكون حالة وراثية.

وهذه الحالة منتشرة أيضًا ضمن الطفرات الجينية في الحيوانات كما هي في الإنسان، وليس فقط لأن الحيوان يمتلك شعرًا أو فروًا أبيضًا نقول إنه مصاب بالبهاق، ولكن أيضًا يظهر جلد الحيوان بدون أي تصبغات، ويكون الجلد حول العين والفم والأنف والأماكن المكشوفة وردي اللون.

هل كل القطط تمتلك ذيولاً؟!

العيون السوداء والبنية هي الأشهر في الخيول، وأيضًا توجد بعض السلالات من الأحصنة تمتلك عيونًا زرقاء وهذا نادر. لكن من أغرب ألوان العين الموجودة في الخيول هي عين النمر (Tiger-Eye). تمتلك بعض الخيول حدقات عينٍ ذات ألوان فاتحة جدًا مثل الأصفر أو البرتقالي أو الكهرماني مما يجعلها تبدو مثل عين النمر. يحدث هذا بسبب طفرة صبغية ذاتية متنحية في خلايا حدقة العين يجعلها تنتج كمية قليلة من الميلانين (melanin) المسؤول عن الصبغة، وتسمى أيضًا هذه الطفرة بعين الماعز. من أشهر سلالات الخيول التي ظهرت فيها هذه الطفرة هي سلالة باسو فينو (Paso Fino) الشهيرة، وهي من السلالات التي تُستخدم في الاستعراضات والمهرجانات. لا عجب أن نرى التنوع والاختلاف حولنا في كل شيء، فهذا دائمًا ما يدل عن قدرة الله وتجلى عظمة خلقه، وكل هذه الطفرات الجينية في الحيوانات وأيضًا الإنسان تدعونا للتأمل والتدبر في هذا الكون العظيم.

أحصنة بعيون نمور!

تمتلك معظم الحيوانات ذيولًا تختلف في طولها من نوع إلى آخر، ولكن بعض القطط لا تمتلك ذيولًا على الإطلاق، أو تمتلك ذيولًا ولكنها قصيرة جدًا لدرجة أنها لا تظهر. من أشهر السلالات التي تظهر فيها هذه الطفرة هي قطط المانكس (Manx Cats) التي تفتقد الفقرات العجزية في العمود الفقري مما يؤثر في اكتماله وأيضًا في تكوين الجزء الخلفي من الجسم. تحدث هذه الطفرة بسبب خلل في جين يسمى الجين (T)؛ حيث يحدث خطأ أثناء نسخه وترجمته داخل الخلية وبالتالي يؤدي إلى خلل في تكوين العمود الفقري والأنبوب النخاعي؛ فيتسبب ذلك في غياب الذيل. وعلى الرغم من ذلك، أصبحت قطط المانكس من السلالات التجارية المشهورة التي يسعى بعض الناس لاقتنائها، وهذا هو السبب الرئيس في استمرار هذه الطفرة حيث استغلها الإنسان وعمل على زيادة أعداد هذه القطط للاستفادة منها تجاريًا.

Share This