العلاج الجيني

واكتشاف الأمراض

د. سهام الشهري – علم مافوق الجينات – جامعة الملك سعود – السعودية

العلاج الجيني هو نوع من العلاج يهدف إلى تغيير التعبير الجيني للشخص المريض أو تصحيح الجينات غير الطبيعية لعلاج مرض ما. وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في الدوائر الطبية عام 1972 عندما جاء اقتراح لعلاج الضرر الجيني الناجم عن الوراثة من مؤسسة سالك للدراسات البيولوجية في كالفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية. بعد ذلك، في عام 1976، تم استنساخ أول جين بشري معيب مسؤول عن اضطرابات الدم الخلقية الناجمة عن اختلال في إنتاج الأحماض الأمينية المكونة للهيموجلوبين، والتي تُسمى بيتا غلوبين، وفي عام 1979 تمت أول عملية ناجحة لزرع جين ثلاسيميا بيتا الصحي في نخاع العظام للفئران. بعد ذلك عام 2003، تمت الموافقة على أول علاج جيني في الصين لعلاج سرطان الرأس والعنق. ولم يتم نقل هذا العلاج إلى دول أخرى. بعد تسع سنوات، تمت الموافقة على أول علاج جيني في أوروبا طورته مؤسسة (UniQure) في مملكة هولندا (Holland) لعلاج نقص الليباز البروتيني الدهني (Lipoprotein lipase deficiency)، وهو اضطراب استقلابي نادر يسبب آلامًا حادة ومتكررة في البطن والتهاب البنكرياس. ومع ذلك، لم يحقق الدواء نجاحًا تجاريًا لأن قلة قليلة من المرضى طلبوه، ولهذا السبب تم سحب ترخيص تسويق الدواء عام 2017.

وعلى الرغم من الصعوبات، يشهد العلاج الجيني مزيدًا من التطور خلال العقود المتتالية. كانت معظم الدراسات الأكاديمية في نطاق صغير إلى عام 2007، حيث أظهرت الطبيبة الباحثة جين بينيت (Jean Bennett) -طبيبة العيون في جامعة بنسيلفانيا (University of Pennsylvania)- في تجربة صغيرة لها أن العلاج الجيني يمكن أن يوفر علاجًا واعدًا لمرض الشبكية الوراثي. وقد دعمت التجارب اللاحقة التي أُجريت على هذا المرض عام 2015 هذا الأمر، حيث وجد أن العلاج الجيني يساعد مرضى الناعور أو النُزاف (Hemophilia) على استغنائهم عن تناول الأدوية المسؤولة عن عامل تخثر الدم. وفي عام 2015 أظهرت البحوث مزيدًا من الأخبار السارة في تجارب العلاج الجيني لأمراض الدم النادرة أحادية الطفرة مثل الثلاسيميا (Thalassemia ) وفقر الدم المنجلي (Sickle cell anemia)، مع قدرة بعض المرضى على البقاء بصحة جيدة بدون الحاجة إلى نقل الدم. وبعد سنتين أثبتت تجربتان صغيرتان أن العلاج الجيني يمكن أن يساعد في علاج المرضى الذين يعانون من اضطراب ضمور الغدة الكظريه (Adrenoleukodystrophy)، وهو اضطراب وراثي يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، ومع ضمور العضلات والعصب يُعد من أسباب الوفاة الرئيسة الجينية عند الرضع.

في عام 2016 رخّصت أوروبا العلاج الجيني الثاني الذي طورته شركة جلاسكو سميث كلاين i(GlaxoSmithKline (GSK))i للأطفال الذين يعانون من مرض عوز نازعة أمين الأدينوزين i(Adenosine deaminase deficiency (ADA))i، وهو اضطراب استقلابي ينتقل بالوراثة الجسمية المتنحية ويسبب عوز المناعة. بعد مرور عام حصلت شركة نوفارتيس (Novartis) على الموافقة على أول علاج جيني في الولايات المتحدة. وتم تصميمه لعلاج ابيضاض الدم الليمفاوي الحاد، وقد نما هذا العلاج من العمل التمهيدي الذي قام به كلٌ من أندرسون (William French Anderson ) و روزنبرج (Steven A. Rosenberg ) في الأصل لتأسيس سلامة العلاج الجيني لعلاج المصابين بهذا العوز المناعي.

\

صورة 1 : طريقة العلاج الجيني داخل وخارج الجسم.

العلاج الجيني في الجسم

تعتمد الفكرة الرئيسة للعلاج الجيني على إدخال المادة الجينية المعدلة إلى داخل جسم المريض. وبشكل مبسط فإن الحصول على جرعة من العلاج الجيني تتم بإحدى الطريقتين كما يوضح الرسم البياني (صورة 1)

  • الطريقة الأولى: حقن العلاج الجيني في الجسم مباشرة، حيث يتم حقن نواقل فيروسيه للجين مباشرة في جسم المريض.
  • الطريقة الثانية: حقن العلاج الجيني خارج الجسم، حيث يتم إعادة الخلايا المنقولة إلى المريض بعد تعديلها وراثيًا خارج الجسم.

التطبيقات

يأخذ العلاج الجيني أشكالا مختلفة. يمكن أن يتضمن إدخال نسخة من جين جديد، أو تعديل الجين، أو تعطيله، أو تصحيح طفرة جينية. يتم ذلك بمساعدة ناقل مشتق من فيروس معدل وراثيًا. وتستخدم الآن عدة نواقل فيروسية مختلفة لهذا الغرض. فتح العلاج الجيني آفاقًا جديدة مع التطور الأخير لتقنية كريسبر كاس 9، وهي تقنية أكثر دقة لتغيير الجينات. في نهاية عام 2016 أطلقت مجموعة من العلماء الصينيين بقيادة عالم الأورام لو يو (Lu You) في جامعة سيتشوان (Sichuan University)، تجربة سلامة لمعرفة ما إذا كان من الممكن علاج مرضى السرطان باستخدام تقنية كريسبر كاس9 لتعطيل جين معين في خلاياهم يرمز إلى بروتين (PD1) الذي غالبا ما يعيق استجابة الخلية المناعية للسرطان. بعد بضعة أشهر، في عام 2017 بدأ فريق أمريكي بقيادة كارل جون (Carl H. June) في جامعة بنسلفانيا تجربة مماثلة.

محاذير

في حين أن العلاج الجيني قد أحرز تقدمًا ملحوظًا في السنوات القليلة، إلا أن تطوره لايزال يثير أسئلة مهمة فيما يتعلق بالسلامة. أحد الاختلافات الرئيسة بين العلاج الجيني والأدوية التقليدية للجزيئات الصغيرة أو المنتجات البيولوجية الأخرى مثل علاجات البروتين، هو أنه بمجرد إعطاء العلاج الجيني يكون من الصعب إيقاف العلاج. كما أنه من السابق لأوانه معرفة المدة التي تستغرقها آثار العلاج الجيني. علاوة على ذلك، تم إعطاء عدد قليل جدا من المرضى العلاج الجيني لفترة زمنية طويلة كافية لتحديد ما إذا كان يمثل خطرًا على السلامة على المدى الطويل.

Share This