المانجروف
طوق نجاة الأرض
أ.د. عبدالرحمن العطر – بيئة نباتية – جامعة الملك سعود
بات المانجروف ( Avicennia) (ايكة ساحلية أو القرم) شجرة قائمة أو شجيرة صغيرة، يتراوح ارتفاعها بين 1-6 متر. تعتبر نباتات المانجروف من أهم النباتات الموجودة بالنظم البيئية الساحلية الذي ينمو في المنطقة الفاصلة بين مياه البحر واليابسة.
يوجد منه حوالي 80 نوعًا تنتشر في المناطق الاستوائية وتحت الاستوائية في العالم، وتتركز في جنوب شرق أسيا ومناطق الكاريبي، كما ينتشر بالوطن العربي حول سواحل البحر الأحمر والخليج العربي. يتشكل النظام البيئي للمانجروف من حزام على امتداد الشاطئ في أراض طينية، وبعمق يصل إلى 30 مترًا، وتمتلك مقومات للعيش في أقسى الظروف الملحية كما أنها تمتلك جذور تنفسية تتكون من ثلاث طبقات من مواد تعمل كمرشحات دقيقة لإزالة ما يصل إلى 90% من الأملاح الموجودة في الماء، حيث تساعد النبات على العيش في الأراضي الطينية. يعمل المانجروف على منع الشواطئ من التآكل نتيجة للأمواج أو الأضرار الناتجة عن التسونامي الذي ينشأ من وسط المحيطات نتيجة للتغير المناخي كما يعتبر بيئة لنمو وتواجد أكثر من 35 نوعًا من الأسماك والقشريات التي لبعضها أهمية غذائية مثل الجمبري والكابوريا والبوري والشعري وغيرها، بالإضافة إلى أن بيئة المانجروف تعتبر مسكنًا لعدد كبير من الطيور المهاجرة. للمانجروف العديد من الفوائد الاقتصادية حيث تستخدم الأفرع الصغيرة والبادرات والبذور غذاءً للجمال وقت الجفاف، كما تستخدم بعض الشعوب أخشابه لأغراض البناء والتدفئة.

هناك اتفاق متزايد لدى العديد من المهتمين بظاهرة الاحتباس الحراري أن غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) مسؤول عن 50% من ظاهرة الاحترار العالمي وأن تركيزات الغازات زادت بنمو 35% في الهواء الجوي. إن أغلب الكربون الموجود في العالم مخزن في التربة وفي الغابات حيث يقدر بـ 80% من مخزونات العالم. ثم تحررت بفعل نشاطات الإنسان المختلفة. تنجح غابات المانجروف في عزل الكربون عبر عمليتين، الأولى تخزين ثاني أكسيد الكربون في النبات نفسه. والثانية عبر شبكة الجذور، التي تسمح للحصائر الميكروبية (قطع متعددة الطبقات من كائنات دقيقة تتكون بشكلٍ أساس من البكتيريا والعتائق) بالنمو في شقوقها المحمية. تمتص الحصائر باستمرار ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي لتكوين الأوكسجين، إلى حد أنك تلاحظ فعلًا ظهور مجموعات من الفقاعات حول الجذور.
وفي هذا السياق نجد أن نظام المانجروف له القدرة على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه بمعدل 3-5 أضعاف الكربون لكل مساحة مكافئة في الغابات الاستوائية. كذلك قدرة النظام على دفن الكربون وحجزه من خلال طمره في تربته الطينية وذلك لتخزينه لمدة قرون مما يجعل نظام المانجروف أحد الأدوات الهامة لمقاومة وتخفيف تبعات التغير المناخي. لذا أطلق العالم الأمريكي غوردون ساتو مشروعًا يريد فيه زراعة مئات الكيلومترات من الخطوط الساحلية في كل من المكسيك ومناطق صحراء الوطن العربي لاعتقاده أن نبات المانجروف يعالج ظاهرة الفقر بما يوفره من أعلاف للماشية، كما يساعد على احتواء ظاهرة الاحتباس الحراري عن طريق امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو ويقول إنه من الممكن زراعة 50 مليون شجرة حول البحر الأحمر، وكذلك 200 مليون شجرة على خليج كاليفورنيا في المكسيك وأن ذلك كفيل باختفاء ظاهرة الاحتباس الحراري.


ووفقًا لمنظمة (Conservation International)، عندما يتدهور نظام المانجروف وغيرها من الأنظمة الإيكولوجية الساحلية أو عند تعرضها للتدمير، ينبعث منها في الجو الكربون الذي كانت تخزنه منذ قرون، وتصبح مصدرًا لغازات الدفيئة. لهذا النبات قدرة منظمة تجعل نحو مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون تنبعث سنويًا من الأنظمة الإيكولوجية الساحلية المتدهورة، وهو ما يعادل إجمالي الانبعاثات السنوية من السيارات والحافلات والطائرات والقوارب في الولايات المتحدة في عام 2017. لقد خسر العالم نصف غابات المانجروف منذ أربعينيات القرن الماضي، لذا فقد آن الأوان لنبدأ في الحفاظ عليها وحمايتها. علينا العمل نحو ثقافة تهتم وتبث الوعي لأجيالنا القادمة للمحافظة على أشجار المانجروف، لننعم بمحيط بيئي آمن وسليم لصحة دائمة في الحياة .