المُحليات الصناعية 

والتسمم الجيني

د. حسين البدوي كلية الصيدلة – جامعة طيبة – السعودية / د. أمين خطاب الكيمياء – وزارة الصحة – السعودية

تعرض السكر دائمًا للنقد كونه المتهم الأول المتسبب في حدوث العديد من الأمراض المزمنة. كان استخدام السكر الخيار الأوحد لتحلية الأطعمة والمشروبات حتى ظهرت المحليات الصناعية، لكن عندما يتعلق الأمر بالصحة العامة، هل يمكن أن يكون استخدام المحليات الصناعية أكثر ضررًا من نفعه؟ 

في دراسة حديثة قام بها باحثون متخصصون في جامعة ولاية نورث كارولاينا بالولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الباحثة سوزان شيفمان(Susan Schiffman)، وجد الباحثون أن مادة السكرالوز (Sucralose)‏ من الممكن أن تتسبب في تكسير الحمض النووي، ولكن ما مدي صحة هذا الاكتشاف؟

السكرالوز من المحليات الصناعية التي لا تحتوي على سعرات حرارية، وتستخدم في عشرات الآلاف من المنتجات الغذائية والمشروبات والمنتجات الصيدلانية في جميع أنحاء العالم. بينما قد يساعد السكرالوز في تقليل السعرات الحرارية، أظهرت الأبحاث أنه يمكن أن يكون له تأثيرات سلبية على الأمعاء. حيث تشير الدراسات العلمية المستقلة إلى أن تناول السكرالوز يمكن أن يلحق ضررًا بأغشية الخلايا في الأمعاء، ومن الممكن أيضًا أن يتسبب في متلازمة القولون العصبي. هناك عدة أنواع من المحليات الصناعية تتوافر بمتاجر المواد الغذائية والصيدليات مثل ستيفا (Stevia) و اليولوز (Ulose)، و الاسبارتام (Aspartame)، و السكرين (Saccharine)، و الزيليتول (Xylitol)، و السوربيتول (Sorbitol)، و لكن السكرالوز احتل مؤخرًا بؤرة الاهتمام نظرًا للأبحاث العلمية الحديثة التي حذرت من استخدامه، لكونه الأكثر رواجا والأعلى مبيعا. في الدراسة التي نُشرت في مجلة علم السموم والصحة البيئية، اكتشفت شيفمان وفريقها أنَّ المواد الكيميائية الموجودة في السكرالوز يمكن أن تؤثر على الخلايا على مستوى أعمق من خلال تلف الحمض النووي.

دعونا الآن نتفهم الأسباب التي دعت إلى القول بأن السكرالوز مادة غير آمنة، من الناحية العلمية عندما تتعرض الخلايا المبطنة لجدران الأمعاء للسكرالوز، يمكن أن يتسبب ذلك في تلف الاتصالات التي تربط هذه الخلايا ببعضها، مما يؤدي إلى تسرب محتويات الجهاز الهضمي. حيث أشارت شيفمان إلى أن “تسريب الأمعاء” هو مشكلة تعني أن المواد التي يجب أن يتم تخليص الجسم منها عبر البراز تتسرب بدلًا من ذلك من الأمعاء وتمتص في الدورة الدموية. ولكن هذا ليس كل شيء، توضح الدراسات التي أجريت على الإنسان والحيوان أن تناول السكرالوز يؤثر سلبًا على التوازن الطبيعي للبكتيريا في الأمعاء ويغير تركيزات الجلوكوز والأنسولين في الدم. وعند استخدامه في الطهي يمكن أن يشكل مركبات الكلوروبروبانول (Chloropropanol)، وهي فئة مركبات يشتبه أنها سامة. تشير الدراسة -محل الجدل- أنه عند تحلل السكرالوز في القناة الهضمية، يمكن لبكتيريا الأمعاء تحويله إلى جزيء مشابه هيكليًا يسمى سوكرالوز -١6-أسيتات (Sucralose-6-Acetate). هذه المادة الكيميائية أيضًا تنتج في عملية تصنيع السكرالوز، ويمكن العثور عليها بكميات صغيرة في بعض منتجات السكرالوز التجارية.

في الدراسة المنشورة حديثًا، تم تعريض خلايا الدم البشرية لمادة السكرالوز-١6-أسيتات، وراقب فريق شيفمان تأثيرها. لم تكن النتائج جيدة! صرحت شيفمان قائلة: “كانت السكرالوز-١6-أسيتات مسببة للتسمم الجيني في خلايا الدم البشرية. تجدر الإشارة أن المركبات المسببة للتسمم الجيني عمومًا يمكن تعريفها بأنها المواد التي تتسبب في تكسير الحمض النووي مع حدوث أضرار مرئية بالمجهر للكروموسومات. يمكن أن يسبب هذا أمراضًا التهابية مثل التهاب الأمعاء المزمن وحتى السرطان”. في التجارب المعملية، تسببت السكرالوز-١6-أسيتات في تفعيل الجينات المرتبطة بالالتهاب والسرطان في الأنسجة المعوية البشرية. بالطبع، يعتبر جسم الإنسان أكثر تعقيدًا من المختبر، والتفاعلات بين الجزيئات المختلفة ليست دائمًا قابلة للتنبؤ. ومع ذلك، فإن تأثير هذه الجزيئات على الخلايا البشرية يثير القلق. تُعد التجارب السريرية دائما هي الفيصل، حيث تقرر بشكل أكثر كفاءة ودقة مدى سُمّية المواد الكيميائية من عدمه. أضافت شيفمان قائلة: “أنصح بشدة بعدم استخدام السكرالوز كمادة مُحلية. فكمية السكرالوز-١6-أسيتات في مشروب واحد محلًا بالسكرالوز يتجاوز بكثير الحد المسموح به لعدم الاتزان السام المتسبب في التأثير على الحمض النووي سلبًا، والذي يبلغ 0.15 ميكروغرام يوميا، وفقًا للجهات التنظيمية مثل الهيئة الأوروبية لسلامة الغذاء”.

على الرغم من أن النتائج من الاختبارات المعملية المعزولة مع السكرالوز-١6-أسيتات مثيرة للقلق، إلا أن الشركات المنتجة للمحليات الصناعية لم تقف مكتوفة الأيدي تجاه هذه الحملة التي ممكن أن تؤدي بها إلى خسائر فادحة. ولكن لنكن على دراية أكبر بحجم المشكلة، دعونا نخوض في المعلومات التسويقية المتوفرة عن السكرالوز ومدى تداول المنتج وشعبيته عند المستهلك. حجم سوق السكرالوز بالولايات المتحدة الأمريكية تم تقديره بقيمة 855.67 مليون دولار أمريكي في عام 2021، وتقدر القيمة السوقية العالمية لمبيعات السكرالوز بحوالي 3.22 مليار دولار أمريكي في عام 2021، كما أنها ارتفعت إلى 3.43 مليار دولار أمريكي في عام 2022 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 6.7ا%. حسب بعض الدراسات الاستشرافية المستقبلية فإنه من المتوقع أن ينمو سوق السكرالوز إلى 4.69 مليار دولار أمريكي في عام 2026 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 8.1ا%. مما يجعلنا نتساءل، ما الدافع وراء الرواج الكبير لمنتجات بدائل السكر؟ من المؤكد أن زيادة عدد الأشخاص الذين يعانون من السمنة وأمراض القلب والسكري ستجبر الناس على اتباع نمط حياة صحي. 

البيان الصادر عن الجمعية الأمريكية للقلب والجمعية الأمريكية لمرضى السكري في عام 2012 يشير إلى أن المحليات غير الغذائية يمكن أن تساعد الأشخاص على تقليل استهلاكهم للسكر واستهلاك السعرات الحرارية العامة عند استخدامها بحكمة، على الرغم من أن الفوائد لن تنطبق إذا كنت تعوض عن ذلك وتحصل على كمية كبيرة من السكر من أطعمة أخرى. يُعد الفحص الدقيق للنمو الاقتصادي والإحصائيات المتاحة والفرص الاستثمارية والأنماط التغذوية المتباينة والمتطورة والمنافسة التجارية المحتدمة أمرًا مهمًا للشركات لضمان استمرارية الأعمال. للوقوف على مدي فائدة السكرالوز وأضراره المحتملة، تم فحص قواعد البيانات الحديثة والأبحاث العلمية المنشورة بها، حيث تم التوصل إلى المعطيات التالية:

  1. السكرالوز هو محلي صناعي شبه مصنع مستمد من تعديل كيميائي للسكروز، حيث يتم استبدال مجموعات الهيدروكسيل بذرات الكلور (عند المواضع 4′- و1′- و6′).
  2. يكون السكرالوز أحلى بمعدل حوالي 600 مرة من السكروز، مع صفات وملمس تشابه إلى حد كبير السكروز.
  3. يستخدم السكرالوز أيضًا بشكل غير مباشر في صناعة الأدوية والمستحضرات الصيدلانية ويوجد بكميات قليلة حتى في حليب الأم المرضعة حسب دراسة قام بها أليسون سيلفتسكي (Alisson Sylvetsky) وفريقه البحثي في عام 2015 ونشرت في مجلة الصحة والسموم البيئية.
  4. يُعتبر التأثير الأكثر وضوحًا للسكرالوز هو إحداث شعور بالحلاوة عن طريق تحفيز مستقبلات معينة تقوم بتوصيل الإحساس بالطعم إلى المخ. في أوائل العقد 2000، بدءًا من اكتشاف قام به نيلسون (Nelson) وزملاؤه في العام 2001 بمجلة الخلية، أفادت العديد من الدراسات بأن المركبات ذات الطعم الحلو مثل السكر الطبيعي والمحليات الصناعية والطبيعية ذات القيمة الحرارية الصفرية يتم الشعور بها عن طريق مستقبلات الطعم الواقع على طرف الأغشية لخلايا مستقبلات الطعم المتواجدة في تجويف الفم. يُعتبر مستقبل الطعم من نوعية المستقبلات الجي بروتينية (G protein) ويرتبط ببروتين من الفئة C مكون من وحدات TAS1R2 (نوع مستقبل الطعم 1، عضو 2) و TAS1R3 (نوع مستقبل الطعم 1، عضو 3) حسب البحث المنشور عام 2018 بقيادة الباحث بيهرنز و فريقه البحثي.

وفقًا للباحثة سوزان موراي (Suzan Murray) في دراستها التي نُشرت عام 2014، يُعتقد أن التحفيز المزمن للعوامل النفسية الإدراكية المرتبطة بالمكافأة في التكوين البشري بواسطة الأطعمة ذات الطعم الحلو مثل السكر يمكن أن يتجاوز الإشارات الهوميوستاتية (التوازن والاستقرار الحيوي)، ويؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة تناول الطعام، مما ينتج عنه التعرض لزيادة الوزن وحدوث السمنة المفرطة. كما تمت مراجعه هذه المعلومات مؤخرًا من قبل ستيفاني هانتر (Stefanie Hunter) وآخرين (2019)، أظهرت تحليلات ميتا البيانية تحليلًا إحصائيًا لعدد كبير من الأبحاث للوصول لاستنتاج رئيس بوجود ارتباط إيجابي بين زيادة الوزن واستهلاك المحليات الصناعية الخالية من السعرات الحرارية. وعلى العكس من ذلك، تشير تحليلات إحصائية شاملة للتجارب السريرية العشوائية إلى عدم وجود ارتباط أو وجود ارتباط سلبي طفيف فقط بين استهلاك المحليات الصناعية الخالية من السعرات الحرارية ووزن الجسم. وفقًا لـ أزاد (Azad) وآخرين في عام 2017. ووفقًا لـ جروتز (Grotz) وآخرين، في دراسات أُجريت في عامي 2003 و2017، بالنسبة لتأثير استهلاك السكرالوز المعتاد، أفادت دراستان على البشر من نفس المجموعة البحثية بأن استهلاك السكرالوز لمدة 12 و 13 أسبوعًا لم يكن له تأثير على مستوى السكر التراكمي و مستويات الجلوكوز الصائم والأنسولين بالجسم. بالإضافة إلى ذلك، نشر فام (Pham) وفريقه البحثي في دراسة علمية عام 2018 نتائجهم التي تشير إلى أنه قد يكون من المفيد لكبار السن الذين يعانون من انخفاض ضغط الدم بعد تناول الطعام استبدال الجلوكوز بالسكرالوز مما يقلل من احتمالات الوفاة عن طريق انخفاض ضغط الدم بعد الوجبات.

رسم بياني يوضح حجم السوق العالمي للسكرالوز

لعدة سنوات، بما في ذلك الوقت الحاضر، كان يُعتبر أن السكرالوز لا يؤثر على عمليات الأيض للجلوكوز، ورغم ذلك، نظرًا للاكتشافات الحديثة، هناك جدل بشأن هذا الموضوع. وبناءً على المعلومات السالف ذكرها، فإن تأثير السكرالوز على زيادة الوزن لا يمكن تأكيده ولا نفيه، فهو موضوع محل البحث في الوقت الحالي، ولا يمكن الجزم بالقول بأنه ضار على الجسم. 

بالنسبة للتأثيرات السامة للسكرالوز، في دراسة قام بها العالم الروسي سامويلوف (Samoilov) وفريقه البحثي في العام 2019، قام الفريق البحثي بمقارنة سُمّية السكرالوز والاسبارتام كأشهر المحليات الصناعية المستخدمة عالميا. توصل البحث إلى أنه لا توجد سُمّية تذكر للسكرالوز، بينما تسبب الاسبارتام في حدوث بعض التسمم الخلوي، وأضاف الباحثون أن استخدام السكرالوز مع الاسبارتام في نفس المنتج الغذائي معًا قد يؤدي إلى زيادة التسمم الخلوي الناجم عن التأثير الجمعي للاسبارتام مع السكرالوز. وبناء على ذلك أوصت الدراسة باستخدام السكرالوز منفردًا. على الجانب الآخر تجدر الإشارة إلى تحذير بعض الباحثين في الآونة الأخيرة بشأن استقرارية التركيب الكيميائي السكرالوز في الظروف الحرارية العالية. يتحلل السكرالوز حراريًا لينتج عنه موادًا ذات سُمّية متوسطة. وبناءً على ذلك يجب التحذير من أن استخدام السكرالوز لتحلية المشروبات الساخنة مثل الشاي والقهوة ممكن أن يؤدي إلى تحلل السكرالوز إلى مواد أخرى ذات خواص سُمّية. بالإضافة إلى ذلك، وجود مادة السكرالوز في السائل المستخدم في التدخين الإلكتروني يعرضهُ إلى درجات حرارة عالية مما يتسبب في تحول السكرالوز إلى نواتج التحلل السامة وذلك حسب الدراسة الحديثة التي قامت بها راشيل الحاج (Rachel El-Hage) بالجامعة الأمريكية في بيروت عام 2019. بالنسبة للدراسة محل الجدل التي قامت بها العالمة سوزان شيفمان في عام 2023، أشارت الدراسة إلى أن السموم والحركة الدوائية للسكرالوز -١6-أسيتات تثير قلقًا كبيرًا بشأن سلامة السكرالوز نفسه ووضعه التنظيمي من الناحية الصحية.

التركيب الكيميائي للسكرالوز و السكارين و الاسبارتام

تجدر الإشارة إلى أن الدراسة تم إجراؤها معمليًا ولا تعتبر دراسة على الإنسان أو حيوانات التجارب مما يقلل من أهمية الدراسة كدليل قاطع على سُمّية السكرالوز. بالإضافة إلى ذلك، تمت الدراسة على مادة للسكرالوز-١6-أسيتات التي تعتبر أحد المواد الجانبية التي تُنتج أثناء عملية التصنيع كشوائب أو منتجات جانبية. بناء على ذلك، لا يوجد دليل قاطع ومقنع على أن استخدام السكرالوز من الممكن أن يضر الإنسان بشكل مباشر. استنادا على أحدث الأبحاث المنشورة فإن المعلومات المتاحة لا تشير بشكل قاطع إلى التحذير من استخدام السكرالوز، ويبقي المجال مفتوحًا أمام البحث العلمي والباحثين بمختلف الجامعات والهيئات البحثية، للوقوف على التأثيرات المحتملة لاستخدام السكرالوز، وربط الجرعات المختلفة بتلك التأثيرات.

Share This