المستشعرات الغازية

المعتمدة 

على أكاسيد المعادن ذات التراكيب النانوية

د. محمد بن عبدالعزيز الدريبي – قسم الفيزياء والفلك – كلية العلوم – جامعة الملك سعود

أصبح هناك طرائق جديدة وفعالة لتصنيع أو تطوير أنواع متعددة من الأجهزة الإلكترونية أو الإلكتروضوئية، في ظلِّ التطور المتسارع لتقنيات تحضير المواد شبه الموصلة ذات التراكيب النانوية بأشكالها المختلفة، مثل الأسلاك أو الجسيمات النانوية. وسيتم التركيز في هذه المقالة على فكرة عمل أحد أنواع المستشعرات المعتمدة على تراكيب نانوية من أكاسيد المعادن شبه الموصلة، والمستخدمة بوصفها طبقة حساسة للغازات المحيطة بالكاشف. تمتلك أكاسيد المعادن خواصًّا مناسبة لعدد كبير من التطبيقات في مجالات متنوعة، مثل الخلايا الشمسية، وتخزين الطاقة والاستشعار. إذ تعتمد خواصها الفيزيائية والكيميائية على عوامل متعددة، منها التركيب البلوري للأكسيد، وذرات الشوائب المضافة له، والعيوب البلورية المتكونه فيه، وحجم هذه المواد وشكلها. ويمكن التحكم بهذه العوامل خلال عملية التحضير للحصول على المادة الملائمة لأحد هذه التطبيقات. وتعد أكاسيد المعادن شبه الموصلة من المواد العملية للاستخدام في تصنيع المستشعرات الغازية بسبب خواصها الجذابة، ومنها انخفاض كلفتها، وسهولة تحضير هذه المواد، وكذلك صغر حجم الكواشف المعتمدة عليها، التي تمتلك أبعادًا في نطاق الملليمترات. ويستطيع هذا النوع من المستشعرات تحسس التغيُّر في تركيز الغاز المحيط به، وتحويل هذا التغيُّر إلى إشارة إلكترونية بصورة سهلة.

يعد أكسيد القصدير وأكسيد الزنك من أشهر أكاسيد المعادن المستخدمة بوصفهما مادةً شبه موصلة من النوع السالب، الذي تشكل الإلكترونات فيه أغلبية حاملات الشحنة، بينما يعد أكسيد النحاس (CuO) ، وأكسيد النيكل (NiO) على سبيل المثال، من أكاسيد المعادن شبه الموصلة من النوع الموجب، الذي تشكل الثقوب فيه غالبية حاملات الشحنة. وتعد أكاسيد المعادن شبه الموصلة من النوع السالب الأكثر استخدامًا نتيجة لحساسيتها المرتفعة بالمقارنة مع النوع الموجب. وعلى الرغم من انخفاض حساسية الأكاسيد شبه الموصلة من النوع الموجب فهناك توجُّه بحثي لدراسة خواصها الأخرى، مثل الانتقائية لبعض الغازات، واستقرار المستشعر وغيرها من الخواص، إذ إنَّ الدراسات المنشورة حول هذه المواد قليلة نسبيًّا بالمقارنة بما تم على الأكاسيد شبه الموصلة من النوع السالب.

يعتمد مبدأ عمل مستشعرات أكاسيد المعادن شبه الموصلة على التفاعلات الكيميائية الحاصلة بين جزيئات الغاز المحيطة بالكاشف، وسطح أكسيد المعدن من خلال تفاعلات الأكسدة والاختزال. فعند وجود أكسيد معدن شبه موصل من النوع السالب في الهواء فسينتج عن ذلك التصاق لجزيئات الأكسجين على سطحه، التي تتحول إلى جزيئات أو ذرات متأينة بحسب درجة حرارة سطح المادة. وتقوم جزيئات أو ذرات الأكسجين بالتقاط إلكترونات من نطاق التوصيل لأكسيد المعدن، وهذا ما يؤدي إلى تكوين منطقة جرداء حول سطح أكسيد المعدن، وهذه المنطقة تعد خالية من الشحنات الحرة بحيث تصبح المقاومة الكهربائية لقشرته الخارجية أعلى من مقاومة الجزء الداخلي له، كما هو واضح في (الشكل 1-(أ)).

\

الشكل 1: (أ) تكون المنطقة الجرداء حول السطح الخارجي لجسيمات نانوية لأكسيد معدن شبه موصلة من النوع السالب نتيجة لالتصاق جزيئات وذرات الأكسجين على سطحها الخارجي. (ب) نقصان عرض المنطقة هذه المنطقة بعد تمرير أحد غازات الاختزال مثل أول أكسيد الكربون على هذه الجسيمات.

تشير الدراسات إلى أنه عند تسخين مادة أكسيد المعدن عند درجات حرارة منخفضة نسبيًا ، حوالي 150 درجة مئوية أو أقل، فإنَّ غالبية أنواع الأكسجين المتأين تكون ثنائية الذرة (O-²). في حين أنه بتسخينها إلى درجات حرارة أعلى، قد تصل إلى 500 درجة مئوية، فإنَّ غالبية الجزيئات تتفكك وتصبح أيونات ذرية (O-,O-²)  لذلك تؤدي درجة الحرارة دورًا مهمًّا في تنشيط تفاعلات الأكسدة، وكذلك الاختزال بعد مرور الغاز، وهذا ما يؤدي إلى زيادة في استجابة المستشعر وكذلك تحسين خواص أخرى كتسريع وقت التعافي. وللتسخين أيضًا أهمية في تخفيض المقاومة الكلية للجسيمات شبه الموصلة لكي تصبح في النطاق الملائم لتوصيل المستشعر المصنع منها بالدائرة الإلكترونية الخاصة بالاستشعار. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الحاجة للتسخين تعد من أهم عيوب هذا النوع من المستشعرات حيث يتم تشغيل غالبها عند درجات حرارة بين 300 إلى 450 درجة مئوية. وتحاول الدراسات الحصول على مواد تُظِهر استجابة ملائمة للغازات عند درجات حرارة أقل من ذلك، على الرغم من إمكانية تقليل حجم المستشعر بصورة تقلل من الطاقة المستهلكة للتسخين.

وكما تمت الإشارة سابقًا إلى تشكُل منطقة جرداء على الجزء الخارجي لكل جسيم، وبصورة أخرى تكون حاجز جهد (يدعى أيضًا حاجز شوتكي) بين كل جسيمين متجاورين، فعند تعريض جسيمات هذه الأكاسيد لغاز معين قابل للتفاعل مع جزيئات أو ذرات الأكسجين الملتصقة على أسطح الجسيمات فإنَّ ذلك سيؤدي إلى تغيُّر مقاومة طبقة الأكسيد المستشعرة، فعلى سبيل المثال في حال كون هذا الغاز من غازات الاختزال، مثل غاز أول أكسيد الكربون بحيث إنّ جزيئات هذا الغاز تمنح إلكترونات لجزيئات الأكسجين، ومن ثَمَّ تقوم جزيئات الأكسجين بتحرير الإلكترونات التي سبق أن أخذتها من سطح أكسيد المعدن، فإنَّ عرض المنطقة الجرداء (ارتفاع حاجز الجهد) ستقل، ومن ثَمَّ ستقل المقاومة الكهربائية لطبقة أكسيد المعدن المستشعرة بشكل سريع وملحوظ بحسب خواص المادة المستخدمة، كما هو واضح في (الشكل 1-(ب)) السابق، الذي يوضح تغيُّر عرض المنطقة الجرداء عند تعريض المستشعر للغاز. كذلك يوضح (الشكل 2) سرعة استجابة مستشعر غازي معتمد على مادة أكسيد الزنك ذات تراكيب نانوية تم تعريضه لغاز أول أكسيد الكربون المخلوط بالهواء بتركيز 50 جزيئًا في المليون. إذ يعرض الشكل العلاقة بين المقاومة الكهربائية بين قطبي المستشعر مع الزمن، التي تنخفض عند تعريض هذا النوع من المستشعرات لغاز أول أكسيد الكربون، ومن ثم ترجع المقاومة إلى قيمتها الأصلية تقريبا بعد إيقاف تدفق الغاز. لذلك من الممكن تمثيل الدائرة المكافئة لهذه المستشعرات من النوع السالب بأنها تحوي مقاومات للجزء الداخلي والخارجي للجسيمات موصلة على التوالي.

\

الشكل 2: إحدى النتائج التي تم الحصول عليها من مستشعر تم تحضيره ودراسة خواصه في معامل جامعة الملك سعود، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. وهي تبيِّن تغيُّر مقاومة مستشعر محضر من مادة أكسيد الزنك النانوية بالنسبة إلى الزمن بعد تعريضه لغاز أول أكسيد الكربون بتركيز 50 جزيئًا في المليون، ومن هذا الشكل يمكن استخراج حساسية المستشعر، ووقتي الاستجابة والتعافي.

من المهم الإشارة هنا إلى أنَّ آلية التوصيل، وتغيُّر المقاومة الكهربائية تختلف في حال استخدام أكاسيد معادن من النوع الموجب بسبب زيادة توصيلية الجزء الخارجي لهذه الجسيمات، وزيادة تركيز الثقوب التي تعدُّ حاملات الشحنة الأغلبية في هذا النوع، وفي هذه الحالة يتم تمثيل الدائرة المكافئة بالشكل الذي تكون فيه مقاومة الجزء الداخلي والخارجي لكل جسيم موصلة على التوازي.

تكمن أهمية التراكيب النانوية لمواد أكاسيد المعادن في مضاعفة استجابة الكاشف بشكل كبير، قد يصل إلى مئات المرات نتيجة لزيادة المساحة السطحية للجسيمات النانوية، وهذا ما يساعد على تفاعل الغاز مع سطح أكبر، ومن ثمَّ تغيُّر أكبر في قيمة المقاومة الكهربائية للمادة المستشعرة، إضافةً إلى زيادة المسامية في هذه الطبقة المستشعرة بحيث تسمح للغاز بالتغلغل في الطبقة المرسبة، ومن ثمَّ التفاعل مع مزيد من الأسطح الداخلية، وإن كان ذلك على حساب زيادة وقت تعافي المستشعر أحيانًا، الذي سيتم تعريفه لاحقًا. كذلك يعزز الحجم النانوي للجسيمات من أثر الشحنات المكتسبة من التفاعلات السطحية بحيث تسبب تغيُّرات كبيرة في التوصيل الكهربائي للطبقة المستشعرة بأكملها، وذلك ناتج عن تقارب أبعاد الجسيمات النانوية مع عرض المنطقة الجرداء المتكونة حول أسطح الجسيمات، وهذا ما يجعل لأيِّ تغيُّرٍ في عرض هذه المنطقة أثرًا كبيرًا في تغيُّر توصيلية المستشعر. 

يوضح (الشكل 3) الأجزاء الرئيسة للمستشعر الغازي المعتمد على أكاسيد المعادن، ويمكن تصنيعه بترسيب طبقة مستشعرة ذات تراكيب نانوية على قاعدة خزفية مرسب عليها قطبان موصلان من معدن مستقر كالذهب، ويكون الترسيب باستخدام طرائق مختلفة من أشهرها طريقة الطباعة باستخدام معجون مجهز من هذه المواد، بحيث يتم تثبيت المواد النانوية فوق القطبين المستخدمين لقياس التغيُّر في مقاومة هذه الطبقة بعد تعريضها لغاز معين. كذلك يتم ترسيب طبقة من معدن البلاتين على الجانب الخلفي للقاعدة على شكل سلك متصل، بحيث يستخدم كسخان كهربائي عند تمرير التيار من خلاله، ومن ثمَّ يتم التحكُّم في درجة حرارة المستشعر عن طريق التحكُّم في فرق الجهد المسلط على طرفي هذا السلك المرسب بعد عمل المعايرة اللازمة.

\

الشكل 3: أحد أشكال المستشعرات الغازية؛ ويوضح الجزء الأيمن قطبي التسخين المرسبين على السطح السفلي للحساس، بينما يوضح الجزء الأيسر من الشكل السطح العلوي للحساس، الذي يحوي طبقة حساسة ذات تراكيب نانوية مرسبة على قطبي الاستشعار.

هناك مؤشرات مختلفة لتقييم أداء هذا النوع من المستشعرات الغازية. يجب أن تحقق هذه المستشعرات استجابة عالية وانتقائية واستقرارًا ووقت استجابة قصير في اكتشاف الغاز، وكذلك وقت تعافٍ قصير. من الممكن تعريف استجابة المستشعر بأنها النسبة بين مقاومة المستشعر عند تعريضه للهواء فقط إلى مقاومته عند تعريضه للغاز المستهدف. أما الانتقائية فهي قدرة أجهزة استشعار الغاز على التعرف إلى غاز معين بين خليط من الغازات، بحيث تكون استجابته عالية لهذا الغاز ومنخفضة للغازات الأخرى. ويُعرف وقت الاستجابة بأنه الفاصل الزمني الذي تصل خلاله المقاومة إلى نسبة مئوية ثابتة (عادةً 90٪) من التغيير النهائي في المقاومة عند تعرض المستشعر للغاز المستهدف. وبصورة مشابهة يتم تعريف وقت التعافي بأنه الفترة الزمنية التي يستغرقها المستشعر للعودة إلى مقاومته الأصلية تقريبًا (بنسبة معينة عادة 90٪). كذلك هناك خواص أخرى تمنح المستشعر تميزًا بين أجهزة الاستشعار الغازية الأخرى، مثل تكلفة التصنيع، ومعدل استهلاك الطاقة، واستقرار مادة المستشعر، بحيث تعطي نفس الخواص من حساسية وانتقائية وغيرها طوال وقت عمله.

وختامًا، فإنَّ تقنية استشعار الغازات تمتلك نطاقًا واسعًا من التطبيقات في مختلف المجالات، مثل التطبيقات الطبية ومراقبة جودة الهواء في المنازل، وكذلك في أماكن الإنتاج الصناعي وتطبيقاتها في الدراسات البيئية، ومراقبة جودة الغذاء. ونتيجة لهذه التطبيقات المتنوعة فإنَّ هناك حاجة ماسة لمزيد من البحث في مثل هذا النوع من المستشعرات الغازية بغرض الحصول على مستشعرات غازية موثوقة ومنخفضة التكلفة تعمل عند درجات حرارة منخفضة.

Share This