المغانط النانويّة
ودورها في الحوسبة المستقبليّة
د. هادي القحطاني تقنية النانو – جامعة الملك سعود
هل يمكن الحصول على دوائر منطق تستهلك الحدَّ الأدنى من الطاقة، وتقوم بعمليّات منطق بكفاءة، كتلك التي تقوم بها المعالجات الإلكترونيّة الدقيقة القائمة على السيليكون؟
نعم، يمكن ذلك باستخدام معالجات غير تقليديّة مبنيّة من أشرطة مغناطيسيّة نانويّة. المعالجات الإلكترونية المبنيّة من السليكون، التي تعتمد ترانزستور أثر المجال (MOSFET) كوحدة بناء تتطّلب نقل للإلكترونات أثناء عمليّات المنطق، وهذا يؤدّي إلى زيادة الفقد في الطاقة، مع زيادة عدد عمليّات المنطق. وعلى النقيض من ذلك، المعالجات المغناطيسيّة التي تستخدم مغناطيسًا شريطيًا بقياس نانوي – لعمليات منطق وتخزين وتبديل- لن تتطلّب نظريًّا أيَّ إلكترونات متحرّكة، وبالتالي تقليل الطاقة الحراريّة المهدرة إلى الحدّ الأدنى.

حدّ لانداور
قبل أكثر من خمسين عامًا، استخدم رولف لانداور من شركة أي بي أم (IBM)، نظريّة المعلومات المطوّرة آنذاك لحساب الحدّ الأدنى من الطاقة المتبدّدة في كلِّ عمليّة منطقيّة، مثل: عمليات المنطق (AND) و(OR). ينصّ القانون الثاني للديناميكا الحراريّة على أنه لأيِّ عمليّة غير معكوسة (مثل إجراء عمليّة منطقيّة تتضمّن كتابة أو محو جزء من المعلومات)، فإنَّ الطاقة المتبدّدة لا يمكن استعادتها. وبعبارة أخرى، لا يمكن أن لإنتروبية نظام مغلق أن تنخفض.
وبناء على ذلك، فإن رقائق المنطق المغناطيسيّة من المقدّر لها أن تبدّد طاقة صغيرة تقدر بـ(18meV) لكلِّ عمليّة منطق عند درجة حرارة الغرفة، وهذا الحدّ يسمى بحدّ لانداور، وهو أقل حدّ يسمح به القانون الثاني للديناميكا الحراريّة. وللمقارنة، فإن هذا الفقد أقلّ بمليون مرة مما تستهلكه أجهزة الكمبيوتر اليوم لكل عملية منطق.
أسلاك النانو المغناطيسيّة كوحدّة بناء للمعالجات المغناطيسيّة
المعالج المغناطيسي مكوّن من وحدّات بناء، ولكل وحّدة سلك (شريط) مغناطيسي نانوي ذو نطاق مغناطيسي مفرد (أي أن العزوم المغناطيسيّة الذريّة مرتّبة في اتجاه واحد فقط). جرت دراسة الأسلاك النانويّة دراسة مستفيضة في عقد التسعينيات الميلاديّة من القرن الماضي عن طريق برامج المحاكاة الميكرومغناطيسيّة القائمة على معادلة لانداو- ليفشتز- جيلبرت، وكذلك بالتجارب العمليّة بالاستفادة من تقنيّات الطباعة النانويّة. أثبتت التجارب أنه عندما يكون السلك المغناطيسي في المدى النانوي يصبح له نطاق مغناطيسي مفرد، كما هو موضح في الشكل (1)، بسبب خاصيّة التباين الشكلي، التي تفضّل العزوم الذريّة المغناطيسية أن تترتّب على امتداد طول السلك، وليس العرض. بصيغة أخرى، يتحكم التباين الشكلي بالخصائص المغناطيسيّة للأسلاك النانويّة بسبب القيمة الكبيرة لطول السلك مقارنة بعرضه. يمكن بذلك أن يستخدم اتجاه المغنطة على طول السلك النانوي لتمثيل وحدّة البيانات (بت)، فإذا كان الاتجاه للأعلى (أو لليمين) تكون البت 1، وإذا كان اتجاه المغنطة للأسفل (أو لليسار) تكون البت صفر.


شكل (1): تمثيل وحدات البيانات الأساسيّة في المعالجات المغناطيسيّة

الجدار الدوراني
الجدار العرضي
شكل (2): أنواع الجدران المغناطيسية في الأسلاك النانوية.
لعكس مغنطة السلك النانوي، يتم عن طريق تطبيق مجال مغناطيسي مناسب يؤدّي بدوره إلى نشوء جدار مغناطيسي يتحرّك على طول السلك في اتجاه المجال المطبق مؤدّيًا لقلب مغنطة السلك رأسًا على عقب. الجدار المغناطيسي أو المنطقة التي تفصل بين نطاقين مغناطيسيين كما هو موضح في الشكل (2) تكون ذات طبيعة دورانيّة (الجدار الدوراني) أو ذات طبيعة مستعرضة (الجدار العرضي).
تؤدّي سماكة السلك، وكذلك نسبة طول السلك إلى عرضه دورًا في تحديد نوع الجدار المغناطيسي، وكذلك طبيعة انعكاس المغنطة، ومجال التبديل (المجال المطلوب لعكس المغنطة). لوحظ تجريبيًّا أنَّ تدبيبَ أحدِ أطرافِ السلك النانوي أو كليهما يصعّب نشوء الجدار المغناطيسي، وبالتالي يرفع مجال التبديل للسلك المدبب. أيضًا يمكن زيادة مجال التبديل بإعاقة حركة الجدار المغناطيسي عن طريق وضع بعض الخدوش (notches) على طول السلك النانوي (عيوب اصطناعية). على النقيض من ذلك، فإنَّ وصل الشريط النانوي بشريحة حقن ذات قياس ميكروي يخفض مجال التبديل بصورة كبيرة، والسبب يعود إلى أن الشريحة تعمل كمصدر للجدران المغناطيسيّة، وعند وصلها بالسلك النانوي، يمكن حقن هذه الجدران بسهولة لداخل السلك؛ بمساعدة المجال المغناطيسي المطبق، وذلك يؤدّي إلى عكس مغنطة السلك النانوي بسهولة كبيرة.

دوائر منطقيّة مغناطيسيّة
في عام 2002، قام العالم رسيل كوبرن ومجموعته البحثيّة في جامعة درم آنذاك(1) بابتكار طريقة جديدة تتمثّل في استخدام حركة الجدار المغناطيسي لتنفيذ عمليّات منطقيّة، وقد سمي ذلك بمنطق الجدار المغناطيسي (magnetic domain wall logic). تم تنفيذ عمليّات المنطق المغناطيسي باستخدام أسلاك نانويّة جرى تصنيعها بمواصفات معيّنة كما هو في الشكل (3)، الذي يوضح دائرتي منطق مغناطيسيتين مقابلتين لدائرتي المنطق الكهربائيّة (NOT) و(AND). نلاحظ أنه قد حُلت محل الترانزستور ثلاثة أسلاك نانو مغناطيسية تختلف في نسب الطول والعرض، مع تدبيب طرف السلك الثالث لدائرة الـ (NOT)، وعدم تدبيب دائرة الـ (AND).

شكل (3): دوائر المنطق المغناطيسيّة المقابلة لدوائر المنطق الكهربائيّةNOT وAND (بتصرّف من مرجع 2).
التحكّم بالخصائص المغناطيسيّة للأسلاك النانويّة باستخدام نسب معيّنة من الطول إلى العرض، والمعروف علميًّا بالتباين الشكلي، مكّن العلماء من بناء دوائر منطق مغناطيسيّة يتوقع لها أن تحلّ محل دوائر المنطق الكهربائي، ومن شأن ذلك أن يقود إلى عمليّات منطق أكثر سرعة، وأقلّ تبديدًا للطاقة الكهربائيّة.