المواد ثنائية البعد

د.عبير الشمري – أستاذ مساعد بقسم الفيزياء والفلك، كلية العلوم، جامعة الملك سعود

د.عبدالله الحربي – أستاذ مساعد ومدير مركز تميُّز الباعثات الضوئية والليزر بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية 

عند التفكير في خصائص مادة ما فإننا غالبًا مانعتقد أنها تستند إلى ما تتكون منه المادة؛ أي الذرات وطريقة ارتباط بعضها مع بعض، فالمعادن مثلًا تقوم بتوصيل الكهرباء؛ لأنَّ ذراتها يرتبط بعضها مع بعض بروابط فلزية، وهذا ما يعطي الإلكترونات الحرية في الحركة داخل المادة عند تطبيق مجال كهربي عليها. إلا أنَّ هناك شيئًا آخر يمكن أن يؤثر في سلوك المادة وهو حجمها، فبعض المواد عندما يتم تقليل أبعادها إلى المقياس النانوي (بشكل عام أصغر من بضع عشرات من النانومترات) فيمكن أن تتغير التوصيلية الكهربائية، والنشاط الكيميائي، والخواص الميكانيكية والضوئية لها. وتصنف المواد النانوية حسب أبعادها إلى:

  1. المواد التي تكون أبعادها الثلاثة (الطول، العرض، السمك) في مدى النانومتر، وتسمَّى جسيمات نانوية.
  2. المواد التي يكون اثنان فقط من أبعادها في مدى النانومتر، وتسمَّى أنابيب أو أسلاك نانوية.
  3. المواد التي يكون فيها بعد واحد فقط في مدى النانومتر، وعادة يكون السمك، وتسمَّى موادَّ ثنائية الأبعاد.

ويُقصد بالمواد ثنائية الأبعاد المواد الصلبة البلورية التي تتكون غالبًا من طبقة واحدة أو طبقتين من الذرات. وتعد هذه المواد واعدة لبعض التطبيقات، ويُجرى عليها كثير من الأبحاث في الوقت الراهن لاكتشاف إمكانياتها، ودراسة خصائصها وتطبيقاتها في مختلف المجالات. قد تتكون هذه المواد من عنصر واحد، كما هو الحال في الجرافين، أو من عدة عناصر مرتبطة بروابط تساهمية داخل الطبقة الواحدة، مثل ثنائيات كالكوجينيدات المعادن الانتقالية. وتفتقر هذه المواد إلى أيِّ روابط كيميائية بين الطبقات المختلفة، وهذا ما يسهّل فصل الطبقات بعضها عن بعض. كما تتميز هذه المواد بخاصية لا توجد في غيرها من المواد، وهو أن جميع خصائص المادة سواء الكهربائية أم الضوئية أم الحرارية أم الميكانيكية تختلف باختلاف عدد الطبقات، وهذا ما فتح المجال لعدد كبير من التطبيقات والدراسات والأبحاث.

غالبًا ما يتم إنتاج المواد ثنائية البعد بطريقتين: الطريقة الأولى عن طريق إنماء الذرات، كما يحدث بواسطة الترسيب الكيميائي للبخار على سبيل المثال، وهذه الطريقة من الطرائق الأكثر ملاءمة لإنتاج كميات كبيرة من المواد ثنائية البعد شكل (1). أما الطريقة الثانية فهي عن طريق تقليل سمك المادة وصولًا إلى ذرة واحدة كما في الجرافين المنتج بواسطة التقشير الميكانيكي، وهو أول المواد ثنائية البعد إنتاجًا، وأكثرها شهرةً. بعد النجاح في عزل الجرافين عام 2004، وبعد ما أظهره من خصائص كهربائية وضوئية وإلكترونية فريدة، شهدت الأبحاث العلمية تسارعًا متناميًّا لاكتشاف مواد ثنائية البعد غير كربونية، ودراسة خواصها وتطبيقاتها المحتملة. يوجد حاليًّا العشرات من المواد ثنائية البعد، أو التي تم إنتاجها عمليًّا بطرائق مختلفة، مثل الترسيب الكيميائي الحراري، والتحضير الكيميائي بواسطة المحاليل، وكذلك عن طريق التقشير الميكانيكي سواء الجاف أم في محاليل معينة. وهناك المئات أيضًا التي تم التنبؤ بها نظريًّا ولم يتم تحضيرها معمليًّا إلى اليوم، ومن أشهر المواد ثنائية البعد: 

\

شكل (1) جهاز ترسيب البخار الكيميائي (CVD) الذي يستخدم لإنتاج المواد ثنائية البعد في معهد الملك عبدالله لتقنية النانو.

الجرافين 

يتكون من طبقة واحدة من ذرات الكربون، وتتوزع في تركيب بلوري سداسي كما في الشكل (2)، والجرافين هو طبقة واحدة أو بضع طبقات من الجرافيت، وقد تم عزل الجرافين لأول مرة عن طريق تقشير الجرافيت ميكانيكيًّا بواسطة لاصق على يد العالمين ( أندريه جايم)، (وكونستانتين نوفوسيلوف)، وهو العمل الذي أهَّلهما للحصول على جائزة ((نوبل)) للفيزياء في عام 2010. إنَّ تركيب الجرافين المسطح الذي يشبه خلية العسل منحه خواصَّ استثنائية، فهو أقوى من الفولاذ بثلاث مئة مرة، وأكثر صلابة من الألماس بـ 40 مرة، وموصليته الكهربائية أفضل من النحاس بـ 13 ضعفًا. استُخدم الجرافين في تطبيقات حفظ الطاقة ونقلها، وفي التطبيقات الطبية، وأجهزة الاستشعار، والإلكترونيات والضوئيات. وربما يكون أحد أكثر الجوانب أهمية في الجرافين هو أنه دفع الباحثين والعلماء إلى استكشاف مواد ثنائية البعد أخرى، التي كان يُعتقد سابقًا أنها لن تكون مستقرة في حال تصنيعها. 

\

التركيب البلوري للجرافين

نيتريد البورون السداسي 

له تركيب بلوري مماثل لتركيب الجرافين، ولكنه يحتوي على ذرات البورون والنيتروجين بدلًا من الكربون، ولذا يُسمَّى الجرافين الأبيض، أو ابن عم الجرافين. وعلى عكس الجرافين الذي يبدي توصيلية كهربائية عالية جدًّا فإنَّ نيتريد البورون السداسي عازل كهربائيًّا. كما يتمتع بصلابة كسر عالية جدًّا، لذلك سمي بالرجل الحديدي للمواد ثنائية البعد. ويمكن تحضيره بعدة طرائق، مثل: الترسيب الكيميائي الحراري، والفصل الحراري للمذيبات والتقشير الميكانيكي، ويستخدم نيتريد البورون السداسي مادة تشحيم في الطلاء، ومستحضرات التجميل، والإسمنت الطبي، ويُستخدم عند دمجه مع الجرافين في صنع أجهزة إلكترونية بخواص ممتازة، مثل ترانزستور النفق الكمي، والخلايا الشمسية، ومستشعرات الضغط. كذلك يتم هندسة هذه المادة وعمل بنيات نانوية لاستخدامها في تطبيقات المحافظة على البيئة، مثل التقاط ثنائي أكسيد الكربون، وتخزين الهيدروجين، وإزالة التلوث، وتطبيقات إزالة الكبريت من البترول. 

ثنائي كالكوجينيدات المعادن الانتقالية 

تظهر ثنائيات الكالكوجينات المعدنية الانتقالية (TMDs) نطاقات واسعة من الخصائص الإلكترونية، تراوح بين أشباه الموصلات وشبه المعدنية إلى المعدنية؛ بسبب المرونة العالية في هندسة بنية نطاق الطاقة، والتحكم فيها ما يميز هذه المواد عن غيرها. ومن أشهر هذه المواد ثاني كبريتيد الموليبدينيوم، وثاني كبريتيد التنجستن، وتتكون من طبقة معدنية من العناصر الانتقالية، مثل ( التنجستن، والموليبدنيوم، والتيتانيوم …الخ)، وتتوسط طبقتين من الكالكوجين، مثل (الكبريت، والسيلينيوم، والتيلوريوم وغيرها) كما هو موضح في الشكل(3). وتُحضَّر هذه المواد بطرائق مختلفة، مثل التقشير الميكانيكي، والتقشير الكيميائي، وترسيب البخار الكيميائي (CVD). وقد بُذلت في الآونة الأخيرة، محاولات للحصول على مركبات ثنائيات كالكوجينيدات المعادن الانتقالية (TMDs) عالية الجودة مع إمكانية التحكم في السماكة باستخدام تقنيات ترسيب الطبقة الذرية (ALD)، وترسب البخار الكيميائي المعدني العضوي (MOCVD)، وترسيب الليزر النبضي (PLD). وقد أدت التطورات الحديثة في ثنائي الكالكوجينيدات المعدنية الانتقالية ثنائية الأبعاد الرقيقة ذريًّا إلى مجموعة متنوعة من التقنيات الواعدة للإلكترونيات النانوية، والضوئيات، والاستشعار، وتخزين الطاقة، والإلكترونيات الضوئية، والمستشعرات الحيوية والطبية، وتطبيقات الحماية والأمان، على سبيل المثال لا الحصر. 

\

التركيب البلوري لثنائي كالكوجينيدات المعادن الانتقالية

الفوسفورين أو الفوسفور الأسود

هو طبقة واحدة أو بضع طبقات من الفوسفور الأسود، الذي يمكن الحصول عليه عن طريق تسخين الفوسفور الأبيض عند ضغط عالٍ، فتتكون بلورة من الفوسفور الأسود، وتُقشَّر ميكانيكيًّا للحصول على الفوسفورين. وقد عُزل لأول مرة عام 2014. ويعدُّ الفوسفور الأسود مادة شبه موصلة، واستخدم في عدة تطبيقات، مثل الخلايا الشمسية، وحساسات الغاز، والكاشفات الضوئية، والمكثفات الفائقة، والمواد فائقة التوصيل، ويُدخل كذلك في كثير من التطبيقات الطبية، مثل ناقلات الأدوية، وعلاجات السرطان، والأعصاب، والحساسات الطبية. 

الهياكل غير المتجانسة وتطبيقاتها

تُدمج المواد النانوية وثنائية البعد بعضها مع بعض للحصول على تطبيقات مختلفة عن طريق تقنية النقل الجاف. وقد فتح دمج الهياكل غير المتجانسة المجال لعدة تطبيقات لم يكن بالإمكان صنعها، أو قد تكون مكلفة جدًّا، أو منخفضة الكفاءة باستخدام المواد التقليدية، مثل الكمبيوتر الكمي، والإلكترونيات المرنة. فمثلاً يمكن دمج كبريتيد المولبيديوم شبه الموصل مع الجرافين شبه المعدن، الذي يتمتع بموصلية عالية للإلكترونيات، ونتريد البورون السداسي العازل لصنع هياكل غير متجانسة، وتستخدم كوحدات بناء أساسية لكثير من الأجهزة، مثل الترانزستورات، والخلايا الشمسية، والكواشف الضوئية، والثنائيات الباعثة للضوء، والحساسات والمستشعرات وغيرها.

لاتزال الأبحاث والدراسات مستمرة لإنتاج مواد جديدة ثنائية البعد، ودراسة خواصها وتطبيقاتها، وكذلك أضرارها المحتملة على الإنسان والبيئة، ولكن التحدي الأكبر الذي يواجه العلماء هو إنتاجها بكميات كبيرة كافية للتطبيقات الصناعية، والطبية، والعسكرية وغيرها.

Share This